لقد بات التدهور الأخلاقي سمة بارزة داخل مجتمعنا لا نحتاج إلى كثير عناء لإثباته، فمظاهر العري التي عمت وطمَّت جل شوارع مدننا، وانتشار الزنا وحوادث والمعاكسات، خطف واغتصاب الفتيات، وزنا المحارم، والإدمان على تعاطي المخدرات والخمور.. وتزايد جرائم الرشوة والسرقة والقتل وكذلك انتشار جرائم التزوير وسرقت المال العام.. كل ذلك مؤشر يؤكد تآكل منظومة القيم والأخلاق داخل مجتمعنا.
إن فساد الأخلاق يجعل الأمة على خطر عظيم، لكن عندما يصل هذا النخر إلى قيمها؛ فإنها تكون على شفا هاوية، لقد كانت الحرب في ما قبل حرباً أخلاقية، كان الناس يفسدون وينحرفون، ولكنهم في قرارة أنفسهم كانوا يشعرون بوخز الضمير الديني، كانوا يحسون أنهم يتجاوزون خطوطاً حمراء وثوابت عالية، لكن في العقدين الأخيرين حدثت تطورات خطرة؛ فقد تغير سمت الحرب وتغير اسمها، ولم يعد أعداء الأمة يرضون بانحراف الظاهر مع إنكار -ولو يسير- في المجتمع أو القلب، وفرق كبير بين مجتمع منحرف، ومجتمع إباحي، وفي إطار سعيهم إلى إعادة تشكيل المجتمعات الإسلامية، ونقلها من حالة الانحراف إلى حالة الإباحية؛ كانت حرب القيم (نقلا عن مجلة البيان بتصرف).
ففي الستينات شهدت الولايات المتحدة وبقية دول الغرب ثورة تحرر من كل القيم في ظل ما عرف بالليبرالية، وأصبح كل ما يلبي رغبات الإنسان ونزواته أمرا مقبولا بغض النظر عن عواقبه، حيث أن جوهر هذا التحرر هو “تحرير الفرد” من كل القيود، أي أنه انفلات كلي من منظومة القيم والأخلاق.
فأصبحت المجلات والأفلام والمسرحيات والجامعات وجميع المنتديات تعزف على وتر النزوات والغرائز والأنانية، والتحرر من الدين، والسخرية من قدسية الأسرة، والمطالبة بتجربة كل شيء، وهذا ما نراه في مجتمعاتنا اليوم من مطالبة بحقوق الشواذ والسحاقيات وغيرهم.
ونتيجة لانتشار هذه الأهواء تآكلت منظومة القيم التي كانت جذورها تعود إلى الدين، وحلت محلها منظومة “القيم الليبرالية” التي هي أقرب إلى الإباحية، وانفلتت من كل الضوابط الأخلاقية أو عقائدية، فكانت النتيجة انخفاض نسبة الولادات الشرعية، وبالمقابل ارتفاع معدلات أبناء الزنا واللقطاء، بالإضافة إلى الإجهاض وزنا المحارم واغتصاب الأطفال كل ذلك أنتج تفككا أسريا عجب باندثار كثير من القيم والممارسات الدينية التي كانت تحكم السلوك الاجتماعي للأفراد، الذي أصبح ينزع نحو القيم الغربية بفعل الهجمة الشرسة لوسائل الإعلام الداخلية والخارجية.
ونظرا لكون الحكومة المغربية لا توفر للباحثين إحصائيات مضبوطة يمكن الاستفادة منها في التحليل فسنكتفي بالحديث عن حال المجتمعات الغربية لما يعرفه بلادنا من تقليد لها على كل المستويات.
حال الغرب بعد انهيار منظومة القيم والأخلاق
أفاد تقرير حديث أعده معهد السياسة العائلية، وهو مؤسسة مستقلة، يتخذ من النرويج مقرًا له، أن أوروبا تقتل كل 27 ثانية جنينا عن طريق الإجهاض.
وجاء في تقرير “تطور العائلة في أوروبا عام 2008″، الذي نشرت صحيفة “دايلي ميل” مقتطفات من النتائج التي انتهى إليها، أن واحدًا من بين خمس حالات حمل في أوروبا تنتهي بالإجهاض.
ووفقًا لهذا التقرير فإن عدد الأجنة التي تتخلص منها أوروبا سنويًا يزيد بقليل عن عدد سكان قبرص، إذ إنه من بين 6.4 مليون حالة حمل حصلت عام 2006 في القارة الأوروبية، تم التخلص من 1.16 مليون منها، أي ما يزيد عن عدد سكان قبرص البالغ 790 ألف نسمة.
وسجّلت الإحصائيات الرسمية للمواليد، خارج إطار الزواج الشرعي في فرنسا، رقمًا قياسيًا جديدًا بتخطيها حاجز الـ50 % في عام 2006، بعد أن كانت مستقرّة حول نسبة 48.4 % في العام 2005..
وأفادت الإحصائية، التي أجراها مكتب الإحصاء الحكومي في فرنسا (آي إن إس إي إي)، بأن معدلات الزواج في فرنسا تشهد تراجعًا مستمرًا؛ لتنخفض من 305.400 حالة سنويًا عام 2000 إلى 274.100 حالة فقط سنويًا في عام 2006.
وذكرت الإحصائية أن الزواج للمرة الثانية في تزايد بالرغم من أن 29 % من حالاته يكون مصيرها الانفصال.
ويُرجع “فرانس بيريوكس” من “معهد الدراسات الديموجرافية” هذه الطفرة في نسبة المواليد خارج إطار الزواج الشرعي، إلى “التطور الذي شهدته علاقة الرجل بالمرأة على مدار القرن العشرين؛ حيث أصبحت ظاهرة الطلاق مألوفة جدًا، وأضرب الناس عن الزواج؛ لأنه أصبح بالنسبة للكثيرين مسألة “حرية شخصية”. وهو ما أطلقت عليه خبيرة علم الاجتماع “إيرين تيري” مصطلح “العزوف عن الزواج”.
وكشف تقرير جديد نشرته صحيفة “ميترو” البريطانية عن أن المملكة المتحدة يوجد بها حوالي 5 آلاف طفل وطفلة يتم استغلالهم بصورة غير قانونية في أعمال ونشاطات جنسية مشبوهة تتنافى مع أبسط معاني الإنسانية.
وأكدت منظمة “أنقذوا أيدي الأطفال الصغار من العبودية” أن هناك ملايين الأطفال يتعرضون للاعتداءات بانتظام ويتعرضون للاغتصاب في حياتهم كـ”أطفال عبيد”.
وقال “بيل بيل” رئيس منظمة “أنقذوا الأطفال”: “حاليًا في كافة أنحاء العالم هناك 1.8 مليون طفل يعانون من استغلالهم في تجارة الجنس.. وهؤلاء الأطفال يتم التعامل معهم كسلع تباع وتشترى”.
هذا ما آل إليه الغرب حين تبنى الحرية بمفهومها العلماني، وحارب منظومة القيم والأخلاق الدينية، فحل الخراب والفوضى جميع مكوناته، ومادمنا مقلدين للغرب على المستوى السياسي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي فلا بد أن نصل إلى نفس النتائج التي وصل إليها الغرب، خصوصا في غياب أي رقابة على المستويات المذكورة.