مرجعية الشريعة بين الإسلام والعلمانية مرجعية الشريعة في نظام الحكم الإسلامي

نظام الحكم الإسلامي يقوم على أربعة أركان: الحاكم، وأهل الحل والعقد، والقضاء، والشعب، والتفاعل بين هذه الأركان الأربعة يحدث من خلال وضع القضاء لشروط اختيار أهل الحل والعقد، واختصاص أهل الحل والعقد باختيار الحاكم وتقديم الشورى له في القرارات السياسية المختلفة، والتزام الحاكم بتنفيذ قرارات الشورى، وإشراف الشعب على العلاقة بين أركان الحكم المختلفة. ومرجعية الشريعة لها إطاران:
الإطار الأول يتمثل في أن قرارات الشورى والقضاء لابد أن تكون متوافقة مع مبادئ الشريعة بالكامل.
والإطار الثاني أن الشعب يراقب أداء الحاكم والنظام السياسي ككل من خلال توافق هذا الأداء مع مقاصد الشريعة وأهدافها الكلية، لهذا فإن مرجعية الشريعة كما تتطلب وجود عدد كبير من علماء الشريعة المتخصصين من أهل الحل والعقد، تتطلب كذلك وجود قدر لا بأس به من الوعي الديني عند الشعب.
ومرجعية الشريعة تحقق المقصود من الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء:59.
فمدار الفصل في المنازعات بين الأطراف المختلفة لنظام الحكم في الدولة يجب أن يكون هو الشريعة، وهذا هو المقصود بقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، وعلى الرغم من الخلاف بين بعض التيارات الإسلامية حول قضية تحكيم (الأغلبية العددية) كآلية لدعم اتخاذ القرار في النظام الإسلامي إلا أن كل التيارات الإسلامية السنية أجمعت على ضرورة مبدأ مرجعية الشريعة لتقييد نظام الحكم القائم على الديمقراطية أو الشورى بحسب ما يدعو إليه كل من هذه التيارات.
مرجعية الشريعة بالنسبة للعلمانية
إن فلسفة العلمانية قائمة على منهج (الإلحاد الحداثي) الذي نشأ في أوروبا مع الانتقادات العنيفة التي وجهت للنصوص النصرانية في عصر النهضة أو ما يسمي (بالتنوير)، ومنهج الإلحاد الحداثي يقضي بأن الدين -إن سلموا بصحته معرفياً-يجب أن يقتصر على الاعتقاد الشخصي فقط وألا يمتد إلى أي مظهر من مظاهر الحياة العامة، وعلى هذا فيجب أن يتخلص المجتمع العلماني من كل الأطر والقيود الدينية والأخلاقية التي توجه وتنظم مظاهر الحياة في الدولة.
وربما يتساءل البعض: لماذا تصر العلمانية على فصل الدين ومرجعيته عن مظاهر الحياة العامة بهذا الشكل؟
والإجابة على هذا السؤال تتطلب منا أن نتصفح بعض أقوال الفلاسفة والمفكرين العلمانيين الغربيين.
– يقول ألكسندر ج.هاريسون في كتابه “تصاعد الإيمان: أسس الحقيقة في الدين والعلم”: “بقدر ما تعتبر العلمانية -بشكل خاص- مرادف للإلحاد؛ فإنها ليست منظومة تحمل الحقيقة المطلقة”.
– يقول البروفيسور هوراس م. كالن في كتابه “العلمانية هي إرادة الإله”: “العلمانية تعطي الخطأ والصواب نفس الدرجة من الحقيقة، وتجعل الدين مرادفا للإلحاد، بالفعل فإن العلمانية هي الإلحاد”.
– وتقول جنيان فاولر أستاذة الفلسفة والأديان المقارنة بجامعة ويلز بالمملكة المتحدة في كتابها “الإنسانية المعتقدات والممارسات”: “العلماني بشكل عام يكون ملحداً لا يكون عنده إيمان بإله”.
– ويقول كارل بارت في كتابه “عن الدين: الوحي الإلهي وارتفاع الدين”: “إن الإلحاد دائماً ما يعني العلمانية”.
فالعلمانية كفلسفة ومنهج فكري قد تخلصت من أي مقدار من الثقة في الدين، واعتبرت أن الدين ما هو إلا فكرة فلسفية اختلقها الإنسان لملء الفراغ الروحي الذي تواجد عنده على مدار آلاف السنين، وبهذا فإنه يكون من العبث أن يربط الإنسان مصالحه ومجتمعه بفكرة فسلفية مختلقة بدلاً من أن يربطها (برغباته) المادية الواقعية، وعلى هذا فتكون (مرجعية الشريعة) هي الفكرة المناقضة تماماً لمنهج العلمانية الفكري وإطارها التطبيقي.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *