تعتبر المجزرة التي ذهب ضحيتها حوالي 1500 نسمة المرتكبة من القوات الفرنسية بقيادة الجنرال دماد في “سِيدْ لَغْنِيمِي” قرب مدينة سطات في 15 مارس 1908، من بين أسوء ما قامت به تلك القوات من عمليات إجرامية ضد نساء وأطفال وعجزة تم تجميعهم من الدواوير التي في طريق زحفها نحو سطات ليكونوا دروعا بشرية تحمي تقدمها من نيران مقاوميها.
عن هذه المجزرة الفظيعة يقول النائب الفرنسي الاشتراكي بالجمعية العامة الفرنسية “جان جوريس”، في جلسة مساءلة للحكومة بتاريخ 28 مارس: “أخشى أن يكون يوم 15 مارس 1908 يوما محزنا للإنسانية ولفرنسا، لماذا؟ لأن الجرائد أجمعت على أن القوات الفرنسية هاجمت تجمعا سكانيا كبيرا تجمع حول كوخ متصوف منعزل هربا من نيران قواتنا التي جاءت تبحث عنهم من مسافة 80 كلم من الشاطئ الأطلسي كي تبيدهم ليكونوا درسا لمن يفكر في مقاومتها، مع أن تجمعات المقاتلين كانوا في مواجهاتها على المرتفعات التي كانت تقنبلها مدافع الجبال، وقد أجمع مراسلو الجرائد ومنهم مراسل tems الذي كتب بأننا لم نشاهد معركة وإنما شاهدنا سباقا داخل المخيم للقتل بالحراب، وقد كتبتُ في حينه -يقول جوريس- (عندما يكون اللعب بالرؤوس فإنها لا تقول للمنتشي بأي دم سكرت؟)، أقول لكم بأن هناك مدينة مغربية مكونة من 2000 خيمة أبيدت، وهو ما أكده لي جندي من برشيد في رسالة هي بين يدي يقول فيها “لقد أبيد كل من كان في المخيم من النساء والأطفال والشيوخ”.
كتبت جريدة l humanite عدد:22 مارس 1908 تحت عنوان “وحوش مطلقة”: “عملية الذبح التي حدثت اليوم تفوق في الرعب كل ما يمكن تخيله، إن 1500 جثة قد قتلت بالحراب”، أما الصحيفة الألمانية vossische eitng الصادرة في السادس من يونيو 1908 ساقت شهادة ألمان عاينوا تلك الفظائع المرتكبة في حق ساكني المخيم من النساء الأطفال والشيوخ، يوم 15 مارس خلال قنبلة المخيم، ثم مهاجمته بإشعال النار فيه بإشراف مصلحة الهندسة العسكرية، حيث تم إحراق كل شيء فيه، وفي السهل الواسع المحيط به، وقد سقط أكثر من ألفي قتيل من الدواوير المجتاحة” انتهى.
ليست هذه فقط الفظاعة الأولى ولا الأخيرة وإنما سبقتها فظاعات أخرى ارتكبت حول الدار البيضاء، منذ أن تم تعزيز القوات الفرنسية بها، ليرتفع من ثلاثة آلاف عنصر إلى أربعة عشر ألفا مع الجنرال دماد، معززة بالمدافع من عيارات مختلفة لتحقيق هدف العقاب الشافي والكافي لقبائل الشاوية والموالين لها من باقي القبائل، ويكون درسا لكل من يريد مقاومة الغزو الفرنسي للمغرب، لكن هيهات هيهات فرغم الفظاعات المرتكبة من قبل القوات الفرنسية بسبب التفوق التسليحي والعددي والتنظيمي إلا أن خوفها من فرسان القبائل المتطوعين لم يكن له حد، وظهر ذلك جليا في تبديدها للذخيرة، وفرار الجنود من المعارك، والاعتماد على اللفيف المكون من الكوم الجزائريين والتونسيين والقوات السنغالية والمدنيين ساكني الدواوير المتواجدة في مجال تحرك تلك القوات، ليكونوا دروعا لها من هجمات المجاهدين المقابلين لها أثناء عملية الاختراق أو الدخول في المعارك، مما أزعج المسؤولين الفرنسيين من كثرة طلبات الإمداد بالذخيرة والسلاح التي كانت تستهلك بسفه أعيت مبرراته وزارة الحرب الفرنسية أمام الجمعية العامة عند طلبها الاعتمادات.
وقد سبقت مذبحة سيد لغنيمي مذابح أخرى أهمها مذبحة شِعْبِ مكارتو أو السدرة التي قتلت فيها القوات الفرنسية عددا مقاربا لما قتلت في سيد لغنيمي من النساء والأطفال والشيوخ، وذلك في الثامن من مارس بعدما دفع السكان نحو إحدى الشعاب الضيقة، مما جعلهم يشكلون صفا طويلا للفرار سهل على الجنود اصطيادهم بالمدافع والبنادق والحراب، حتى قال الجنرال دماد للجنود عندما حل الظلام “يكفينا قتلا اليوم”.
ونتيجة لذلك أمر وزير الحرب بتوسيع الغزو في اتجاه الرباط ومزاكان مرسلا إحدى عشر باخرة حربية للسواحل المغربية لمساندة القوات المتحركة على الأرض وإسنادها عند الحاجة، كما تم تفجير سفينتين مغربيتين كانتا محملتين بالذخيرة والأسلحة، ومخازن أسفي.
يقول جون هاريس في كتابه le maroc desparu: “صعوبة غزو المغرب، أن المغاربة مقاتلون وإن لم يولدوا ليكونوا جنودا”، وهو ما أكده الجنرال درود بعد نزوله بالدار البيضاء عندما قال: هناك بديهية تاكتيكية يؤكدها أساتذة المدارس الحربية، وهي “ثبت العدو وتصرف”، وهو ما يفعله المغاربة معنا، فما نعتبره علما هو عندهم تطبيقات في الاتجاه الصحيح، فإذا كان هذا مدخل الحرب عندهم، فنحن سنتكلف كثيرا.
في باريس لا يعرفون ما يحيط بنا هنا، لأن الوضعية الحالية خلاف ما كنا نعتقد، لا تموين لا وسائل نقل لا يدا عاملة، مما يجعل مهاجمة الشاوية عملية صعبة تتطلب الكثير من القوات”.
وذلك ما تم توفيره للجنرال دماد حيث صارت قواته أكثر من أربعة عشر ألفا تستخدم الرشق الجماعي من كافة الأسلحة في نفس الوقت على شكل زخات.. ويحرقون وينهبون ويسلبون ويقتلون بلا تمييز كما وقع في تادارت الثانية أواخر شهر غشت، حيث قتلت مدفعية السفن المقابلة لشاطئ فضالة، حوالي ثمانمائة نسمة كانوا متجمعين في قصبتها جاؤوا من أماكن مختلفة للتصدي للزحف الفرنسي على الشاوية بدعوى إلقاء القبض على الذين نهبوا المدينة وأحرقوها وفرض غرامة على القبائل المجاورة لتعويض المتضررين من الأوروبيين.
وقد طالب أحد النواب الفرنسيين في الجمعية العامة في جلسة 24 دجنبر 1907، مخاطبا وزير الخارجية الفرنسي -الذي قال للنواب: “لا تقربوا مما نعمله من غزو في المغرب”-: “أنا لا أشايع أبدا غزو المغرب ولا أرى ساعته قد حانت لأنه سيؤول لنا لكن بصعوبة لحد ما، مضيفا “ليس هناك حكومة ملكية أو جمهورية لم تمني نفسها بغزو المغرب”aucun gouvernement ni monarchique ni republicain n avait pu songer a faire la conquete du maroc،.
وأضاف آخر “وحكومتكم ليست مختلفة لأن هذه السياسة سياسة جوهرية عند الفرنسيين، إنها تركز على احترام المغرب في التصريحات، وإنها لا تريد غزوه، ولكنها لا تريد بقاءه حرا مستقلا”.
وقد طبقت الحكومة الفرنسية ذلك عندما رفضت شجب مذبحة سيدي لغنيمي بل أرسلت تهنئة للقوات التي اقترفت ذلك العمل الشنيع، مما يؤكد أن ما كان يروج من كلام بعد مؤتمر الجزيرة بين المغاربة “من أن الأوربيين سيسيرون لأكل المغرب”، هي المذابح والجرائم التي أشرنا لبعضها، بين غشت 1907، ومارس 1908، في سباق محموم لتطهير الساحل الغربي للمغرب من سكانه وإحلال أوربيين مكانهم، وربطه بالجزائر وتونس من أجل تأسيس الإمبراطورية الفرنسية جنوب المتوسط، مما يجعلنا نطالب بالتعويضات المناسبة على ما لحق بلادنا من أضرار على غرار ما فعلته فرنسا بهتانا وإفكا مع سكان الشاوية الذين قتلوا وغرموا ما قام به الغزاة.