شرح المشكل من شعر المتنبي

ما ذا الوداع وداع الوامق الكمد … هذا الوداع وداع الروح للجسد

إذا السحاب زفته الريح مرتفعا … فلا عدا الرملة البيضاء من بلدِ

زفته حركته وساقته يقال زفاه يزفيه زفيا ولا عدا لا تجاوز والرملة اسم بلد الممدوح.

ويا فراق الأمير الرحب منزله … إن أنت فارقتنا يوما فلا تعدِ

وقال يمدح أنا القاسم طاهر ابن الحسين بن طاهر العلوي:

أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب … وردوا رقادي فهو لحظ الحبائب

قال ابن جنى معناه ردوا الكواعب والحبائب ليرجع صباحي فأبصر أمري ويرجع نومي إذا نظرت إليهن وقال ابن فورجة أي دهري ليلٌ كله ولا صباح لي إلا وجوههن وليلي سهر كله ولا رقاد لي حتى أراهن.

فإن نهاري ليلةٌ مدلهمةٌ … على مقلةٍ من فقدكم في غياهب

مدلهمة شديدة السواد والغياهب جمع غيهب وهو شدة الظلمة وإنما جعل النهار ليلا إشارةً إلى أنه لا يهتدي إلى شيء من مصالحه وقد عمى لحيرته أو إلى أن جفونا فتحت على وجوههن محتومة لا تفتح على غيرها وإذا انطبقت الجفون فالنهار ليل كقوله، فلو أني استطعت ختمت طرفي، فلم أبصر به حتى أراكا، قال ابن جني أي لما غبتم لم أبصر بعدكم شيئا أي بكيت حتى عميت.

بعيدة ما بين الجفون كأنما … عقدتم أعالي كل هدبٍ بحاجبِ

أن حملنا قوله كل هذب على العموم فالحاجب هاهنا بمعنى المانع لأنا لو حملنا الحاجب على المعهود كان مغمضا لأن هدب الجفن الأسفل إذا عقد بالحادب حصل التغميض، فإذا جعلنا الحاجب بمعنى المانع صح الكلام وإن جعلنا الحاجب المعهود حملنا قوله كل هدب على التخصيص وإن كان اللفظ عاما فنقول أراد هدب الجفن الأعلى وهذا مثل قول الطرمي في رطاناته، ورأسي مرفوع إلى النجمِ كأنما، قفاي إلى صلبي بخيطٍ مخيط، وهذا من قول بشار، جفت عيني عن التغميض حتى، كأن جفونها عنها قصار.

وأحسب أني لو هويت فراقكم … لفارقته والدهر أخبث صاحب

يريد أن الدهر يخالفه في كل ما أراد حتى لو أحب فراقهم لواصلوه وكان من حقه أن يقول لفارقني لأن قوله لفارقته فعل نفسه وهو يشكو الدهر ولا يشكو فعل نفسه ولكنه قلبه لأن من فارقك فقد فارقته فهذا من باب القلب وإنما قال أخبث صاحب وكان من حقه إن يقول أخبث الأصحاب لأنه أراد أخبث من يصحب وما كان اسم فاعلٍ في مثل هذا يجوز فيه الإفراد والجمع قال الله تعالى ولا تكونوا أول من يكفر به وأنشد الفراء، وإذا هم طعموا فألام طاعمٍ، وإذا هم جاعوا فشر جياعِ، فأتى بالأمرين جميعا وأشار أبو الطيب إلى أن من أهواه ينأى عني ومن أبغضه يقرب مني لسوء صحبة الدهر أياي كما قال لطف الله بن المعافى، أرى ما أشتهيه يفر مني، وما لا أشتهيه إليّ يأتي، ومن أهواه يبغضني عنادا، ومن أشناه يشبث في لهاتي، كأن الدهر يطلبني بثارٍ، فليس يسره إلا وفاتي.

 كيف جرى تصوير البحر المتوسط في الخيال والخرائط الإسلامية؟

صدر عن دار بريل للنشر في هولندا كتاب “إنشاء البحر المتوسط.. الخرائط والخيال الإسلامي” من تأليف طارق كحلاوي أكاديمي تونسي مختص بتاريخ الفن الإسلامي والحضارة الإسلامية الذي تناول فيه موضوع التخيل الإسلامي للبحر الأبيض المتوسط، متتبعا التصورات الإسلامية عن البحر منذ إنشاء الجغرافيا من قبل بيروقراطيي الدولة الإسلامية الذين عاشوا أساسا وسط الأراضي الإسلامية، وحتى البحارة اللاحقين من قباطنة البحر في الأراضي الإسلامية الغربية.

ويهدف الكتاب إلى رسم “تاريخ طويل من الصور الجغرافية والخرائط الإسلامية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط”، ويبدأ بأمثلة من خرائط القرون الوسطى، مثل أعمال ابن حوقل والإدريسي في القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، ويختتم برسامي الخرائط الحديثين الأوائل مثل الصفاقسي الشرفي وبيري ريس في القرن السادس عشر.

وتشتمل العينات التي درسها الكتاب والتي تقع في الغالب في مجموعات تركية وأوروبية وأميركية شمالية، على سلسلة من خرائط الملاحة البحرية المغاربية والكثير من الخرائط العثمانية في القرنين 15 و 16. وركز الكتاب على مجموعة من 56 من أعمال رسم الخرائط التي لم تدرس من قبل.

يقول المؤلف في مقدمة كتابه إن مفهوم المؤرخ الفرنسي فيرناند براودل عن البحر المتوسط أصبح سائدا، لكنه فشل في اعتبار وجود المسلمين الذين شكلوا أكثر السكان على طول شواطئ المتوسط.

وبدلا من استخدام الرؤية الأوروبية للمتوسط، استخدم كحلاوي الخرائط للكشف عن الإدراك الإسلامي للبحر، وأظهر بحثه أن البحر المتوسط كان مختلفا بشكل كبير عن التصورات الأوروبية التي ناقشها المؤرخ الفرنسي والتي كانت تعتبره مجرد مساحة بحرية، إذ رأى فيه المسلمون فضاء حاضرا ومستقلا في الخيال ومجالا إقليميا للفتح والتمدد.

فن رسم الخرائط

كما يتناول الكتاب فنون رسم الخرائط ويظهر أن الخرائط الحديثة تشكل لغة بصرية متطورة تحاكي الأفكار المتعلقة بالجغرافيا البشرية والمادية، ويكشف الدلالات السياسية والثقافية لخرائط المتوسط العربية.

وفي القسم الأول من الكتاب يتحدى المؤلف منظور كارين بنتو في كتابها “الخرائط الإسلامية في العصور الوسطى.. استكشاف” إذ اعتبرت البحر مكانا معاديا في الخيال الإسلامي، بينما يجادل كحلاوي أنه اعتُبِر في مخيال البحارة المسلمين مجالا يمكن فتحه والسيطرة عليه تماما.

ويتناول المؤلف أهمية صورة البحر الأبيض المتوسط في تاريخ الفن، وكذلك النهج الذي اتبعه الجغرافيون والإداريون تجاه البحر المتوسط في العصر العباسي، ومنهم مؤلف كتاب “الخراج” قدامة بن جعفر الذي عرض فيه نظام البريد ووصف بلدان الأرض وتعرض للبحر المتوسط، وصاحب كتاب “المسالك والممالك”  الجغرافي ابن خرداذبة الذي عمل في خدمة الخليفة المأمون. وفي هذه النماذج كان البحر الأبيض المتوسط مجالا للمسارات البرية والبحرية من المشرق العربي نحو المغرب.

ويظهر كتاب كحلاوي مدى التنوع والديناميكية التي غلبت على تاريخ المتوسط، ويناقش أسماء البحر المتغيرة بدءا من “بحر الروم” أو الاسم العربي الأول للمتوسط الذي يشير إلى تعلقه في خيال العرب بالبيزنطيين المسيحيين، ومصطلحات مثل “البحر المتوسط” أو “الأوسط” التي تعطي انطباعا بكونه مساحة متعددة لمرور الثقافات.

المتوسط بحرا إسلاميا

يرى مؤلف الكتاب أن البحر المتوسط جرى تصويره في الخيال الإسلامي كما لو كان في قلب الأراضي الإسلامية، ويحلل نهج رسم الخرائط التخطيطي والتقليدي لدى جغرافيي العصر العباسي، ومنهم اليعقوبي من القرن التاسع الميلادي، الذي ألف “كتاب البلدان” الشهير الذي يعد من أقدم المصادر الجغرافية العربية، وكذلك خارطة الاستخاري وأعمال شمس الدين المقدسي صاحب كتاب “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”، وأعمال الرحالة الجغرافي ابن حوقل صاحب “صورة الأرض” الذي وصف الأراضي الإسلامية في إسبانيا وإيطاليا (وبالأخص صقلية)، وكذلك أراضي البيزنطيين في شرق أوروبا.

وفي القسم الثاني من الكتاب يتناول المؤلف الجغرافيين المغاربة ورسامي الخرائط من القرن الحادي عشر إلى الخامس عشر الميلاديين، والجغرافيين الشمال أفريقيين ونهجهم إزاء البحر المتوسط، وكذلك المصادر البيزنطية، والمنظور الجغرافي الفاطمي المتأخر، ويستعرض البحر الأبيض المتوسط في التمثيل الجغرافي للإدريسي.

من مقال: “إنشاء البحر المتوسط”.. كيف جرى تصويره في الخيال والخرائط الإسلامية؟ لعمران عبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *