قصة الأسد والبعوضة نظم: عبد المجيد بن محمد أيت عبو

حَكَى أَدِيبٌ عَاقِلٌ أَرِيبُ *** فِيمَا رَوَى وَهْوَ الفَتَى اللَّبِيبُ
أَنَّ بَعُوضَةً غَدَتْ تَسِيرُ *** يَوْماً بِقُرْبِ بَيْتِهَا تَطِيرُ
بَحْثاً عَلَى الْمَعَاشِ لِلأَوْلاَدِ *** بِالسَّعْيِ فِي الـجِبَالِ وَالوِهَادِ
تَبْذُلُ كُلَّ الوُسْعِ فِي الإِتْيَانِ *** بِقُوتِهِمْ وَالعَطْفِ بِالْحَنَانِ
تُحِبُّ فِعْلَ الْخَيْرِ لِلْجَمِيعِ *** لاَ تُؤْثِرُ الأَعْلَى عَلَى الْوَضِيعِ
وَالْحُسْنُ فِي الْخُلْقِ لَهَا شِعَارُ *** يُحِبُّهَا الكِبَارُ وَالصِّغَارُ
وَهْيَ بِهَذَا الْخُلُقِ الرَّزِينِ *** نَشِيطَةٌ تَعْمَلُ كُلَّ حِينِ
تُلْقِي عَلَى مَنْ رَأَتِ التَّحِيَّهْ *** بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ صَفِيَّهْ
مَرَّتْ عَلَى الأَسَدِ ذَاتَ يَوْمِ *** مُعَظَّماً مُبَجَّلاً فِي الْقَوْمِ
حَيَّتْهُ بَيْنَ القَوْمِ بِالسَّلاَمِ *** قَالَتْ لَهُ بِاللُّطْفِ وَالإِكْرَامِ
أَهْلاً أَبَا الْحَارِثِ كَيْفَ الْحَالُ *** بِذِكْرِكُمْ تُعَطَّرُ الأَقْوَالُ
أَنَالَكَ الْمَوْلَى العَلِي إِنْعَامَهْ *** وَدُمْتَ فِينَا مُكْرَماً أُسَامَهْ
وَلَمْ يَرُدَّ الأَسَدُ السَّلاَمَا *** أَوْ يُبْدِ مِنْ أَخْلاَقِهِ الإِكْرَامَا
قَالَتْ لَهُ عَفْواً فَهَذَا العَمَلُ *** مِنْكَ قَبِيحٌ سَيِّءٌ لاَ يُقْبَلُ
هَدْيُ الكِرَامِ الرَّدُّ لِلسَّلاَمِ *** مُسْتَبْشِرِينَ طَيِّبِي الكَلاَمِ
مَالِي أَرَاكَ اليَوْمَ لَيْثاً نَكِدَا *** مُقَطَّبَ الْوَجْهِ عَبُوساً مُزْبِدَا
قَالَ لَهَا عَجِبْتُ مِمَّا أُبْصِرُ *** بَعُوضَةٌ حَقِيرَةٌ تُزَمْجِرُ
أَنَا العَزِيزُ الشَّهْمُ فِي العَرِينِ *** وَلَيْسَ لِي فِي الْغَابِ مِنْ قَرِينِ
أَنَا الْهِزَبْرُ القَسْوَرُ الضِّرْغَامُ *** غَضَنْفَرٌ وَضَيْغَمٌ مِقْدَامُ
تَسْلَمُ مِنِّي الوَحْشُ بِالنَّفِيرِ *** وَتَرْهَبُ السِّبَاعُ مِنْ زَئِيرِي
وَأَنْتِ يَا أَحْقَرَ خَلْقِ اللهِ *** قَابَلْتِنِي بِجُرْأَةِ الْمُبَاهِي
لَئِنْ نَطَقْتُ بِاسْمِكِي جِهَارَا *** مَضْمَضْتُ بِالْمَاءِ النَّقِي اسْتِقْذَارَا
قَالَتْ لَهُ تَحَلَّ بِالْحَيَاءِ *** وَلِنْ فَإِنَّ الكِبْرَ شَرُّ دَاءِ
قَالَ أَتَيْتِ حَتْفَكِ الْمُحَتَّمَا *** وَمَنْ سَعَى لِحَتْفِهِ لَنْ يَنْدَمَا
كَمَنْ سَعَى لِحَتْفِهِ بِظِلْفِهِ *** أَوْ جَادِعٍ لأَنْفِهِ بِكَفِّهِ
لَتَرَيِنَّ وَثْبَةَ الأُسُودِ *** لأَنْسِفَنَّكِ عَنِ الوُجُودِ
قَامَ لَهَا مُجَاوِزاً عَرِينَهْ *** أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالْمِسْكِينَهْ
فَأَقْبَلَتْ أَمَامَهُ تَقُولُ *** مَهْلاً عَلَى رِسْلِكَ يَا جَهُولُ
لأَشْرَبَنَّ مِنْ دِمَاكَ الْجُرَعَا *** وَآكُلَنْ لَحْمَكَ حَتَّى أَشْبَعَا
فَازْدَادَ غَيْظُ اللَّيْثِ قَدْ آذَاهُ *** صُمُودُهَا وَالْهَمُّ قَدْ عَلاَهُ
فَانْهَالَ بِالضَّرْبِ يُرِيدُ قَتْلَهَا *** ذَاتَ اليَمِينِ وَالشِّمَالِ سَفَهَا
لَكِنَّهَا تَحْذَرُ كُلَّ الْحَذَرِ *** تُرَاوِغُ الضَّرْبَ بِحَزْمٍ وَافِرِ
وَتَتَّقِي شَرَّ العُدُوِّ إِذْ عَرَضْ *** وَلَدَغَتْ عَيْنَ الْهِزَبْرِ فَانْتَفَضْ
وَصَاحَ مِنْ فَرْطِ الَّذِي قَدْ نَزَلاَ *** وَأَفْقَأَ العَيْنَ فَأَدْمَى الْمُقَلاَ
وَهَاجَ كَالثَّوْرِ مِنَ الآلاَمِ *** يَخْبِطُ كَالعَشْوَاءِ فِي الظَّلاَمِ
فَانْهَارَ إِذْ قَدْ سَقَطَتْ قُوَاهُ *** سَالَتْ دِمَاهُ وَانْطَفَا سَنَاهُ
بَلْ قَدْ هَوَى الضِّرْغَامُ فِي بَعْضِ الزُّبَى *** فَصَارَ لَحْماً مُسْتَسَاغاً لِلظِّبَا
قَدْ كَانَ حَتْفَهُ بِلاَ ارْتِيَابِ *** فَاعْجَبْ لِهَذَا الْخَبَرِ العُجَابِ
فَلْتَقْتَنِصْ مِنْهُ الدُّرُوسَ وَالعِبَرْ *** وَالأَلْمَعِيُّ مَنْ بِغَيْرِهِ اعْتَبَرْ
فَفِيهِ ذَمُّ الكِبْرِ وَالطُّغْيَانِ *** وَالاِحْتِقَارِ لِبَنِي الإِنْسَانِ
فَالكِبْرُ مَا أَحَبَّهُ الرَّحْمَنُ *** وَلاَ دَعَا لِمَدْحِهِ الإِيـمَانُ
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي ذِي الكِبْرِ *** يُحْشَرُ فِي غَدٍ كَمِثْلِ الذَّرِّ
يَطَأُهُ العِبَادُ بِالأَقْدَامِ *** جَزَاءَ مَا يَفْعَلُ بِالأَنَامِ
مَا عُدَّ فِي الأَخْلاَقِ كَالتَّوَاضُعِ *** فَهْوَ لِنَيْلِ الْمَجْدِ خَيْرُ رَافِعِ
فَالْزَمْ هُدِيتَ غَرْزَهُ الْزَمَنَّهُ *** دَعْ عَنْكَ الاِحْتِقَارَ وَانْبُذَنَّهُ
فَبِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعَمُ *** وَبِالتَّكَبُّرِ تَحُلُّ النِّقَمُ
مَا ازْدَادَ عَبْدٌ فِي الوَرَى تَوَاضُعَا *** إِلاَّ سَمَا بَيْنَ العِبَادِ مَوْضِعَا
وَمَا جَنَى ذُو الكِبْرِ وَالطُّغْيَانِ *** إِلاَّ الْمَذَلَّةَ مَعَ الْهَوَانِ
قَدْ قَالَ أَهْلُ الْحِلْمِ وَالعِرْفَانِ *** مِمَّنْ مَضَى فِي سَالِفِ الأَزْمَانِ
لاَ تَحْقِرَنْ مَهْمَا رَأَيْتَ أَحَدَا *** فَرُبَّمَا أَرْدَى البَعُوضُ الأَسَدَا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *