(تَلَجُّ دُمُوعي بالجُفونِ كأنما … جُفُونِيِ لِعَيْني كُلِّ باكيةٍ خد)
أي أن جفوني مساربُ للدمع لا يخلو منها، حتى كأنها خدٌ لكل باكية.
فالدمع يلازمها كما يلازم خد الباكية.
وإن شئت قلت: ذهب في ذلك إلى غزر الدمع، أي أن جفون دموعي مُجتمع الدموع، حتى كأنها خد لعيني كل باكية.
(سَرَى السِّيفُ مما تَطبع الهندُ صَاحِبيِ السيفِ مشما يَطْبَعُ اللهُ لا الهِند)
صاحبي: نعت للسيف، ولا يكون على حد قولك (ضاربي) المنقولة من قولك: زيد ضارب عمراً؛ لأنه لا يقال: زيد صاحبٌ عمرا، وذلك أن هذه الصفة جُردت من معنى الفعل، فلم يعدوها من المصادر، وقولهم: (لله درُّك) فدرك: مصدر وقد أجمده حتى قال سيبويه: هو بمنزلة قولهم: (له بلادك) وقوله: (مما تطبع الهند)، يعني السيف الذي عنصره الحديد، وهو الذي يطبعُ الهند. والسيف الثاني: هو الممدوح، وهو الذي يطبعُه الله لا الهند، لأن الهند لا تخلُق وإنما الخالق الله وحده:
(يَكادُ يُصيبُ الشيءَ من قَبْلِ رمْيه … وَيُمكنُه في سَهْمِه المُرْسلِ الردُّ)
يصفه بالقوة في الرماية، والعلم بها، فيقول: يصرف سهمه كيف شاء، حتى لو أراد رده بعد إرساله مثلاً، أمكنه ذلك. و(يمكنه): يجوز أن يكون معطوفا على (يصُيب). فيكونان جميعا داخلين تحت (يكاد)، ويجوز أن يكون من الفعل الذي هو خبر (يكاد) فيكون ذلك أبلغ.
وكلتا القضيتين داخلة في الامتناع، لا يجوز أن يصيب شيئاً قبل رميه له، ولا أن يقارب ذلك وكذلك القول في القضية الثانية، والهاء في (رميه) يجوز أن تكون ضميراً لشيء فيكون مجروراً في موضع نصب، كأنه قال: من رميه هو. ويجوز أن يكون ضمير لفاعل، والمفعول على هذا محذوف، أي من قبل رميه إياه.
وله أيضا:
(حَوْلىِ بكُلِّ مَكِانٍ مِنهُمُ خِلقٌ … تُخطى إذا جِئْتَ في اسْتِفْهامها بِمَن)
أي أنهم لا يعقلون و(مَنْ) إنما يستفهم بها عمن يعقل، فإذا استفهمت عن هؤلاء بمن فأنت مخطئ، إذ لا حظ لهم فيها وإنما حظُّهم (ما) التي هي لما لا يعقل، وإن شئت قلت: إنهم وإن كانت صُورهم صُور الناس، فهم بهائم، لجهلهم، وإنما تُعامل الأنواع بطبائعها لا بأشكالها، وذلك أخذت الحكماء في حدودها طبائعها دون صورها، حتى إن بعضهم قال استضعافا للحد المأخوذ من الصورة: (فإنه لا يُستنكر أن يكون إنسان على شكل سمكة، كما لا يستنكر أن تكون سمكة على شكل إنسان). وأراد (تُخطئ)، فأبدل إبدالا صحيحاً للضرورة، كما أنشد سيبويه: (فارعى فزارةُ لا هناك المرتعُ) ولو خفف تخطى قياسيا بين بين، لا نكسر البيت، لأن الهمزة المخففة بَيْن بين عند سيبويه بُرمتها مخففَّة.
(ومُدْقعينَ بسبروتٍ صَحِبْتُهمُ … عارين من حُللٍ كَاسِينَ من دَرَن)
أي ورب فقراء بأرض قفر صحبتهم وبُليت بهم (عارين من حلل): أي هم اللصوص لا يتسربلون، (كاسين من دَرَن): يصف شعثهم وقشفهم.
وإنما يُعدد ما مُني به وبلي، من مكاره الأيام، وصحبة من لم يكن أهلا للصحبة.
(كم مخلصٍ وعلا في خوض مهلكةٍ … وَقَتْلةٍ قُرنت بالذم في الجُبُن)
أي: كم إنسان أقدم، فسلم وعلا مع إقدامه، ولم يضره اقتحامه الهلكة، وآخر جُبن، فقُتل مع جُبنه، ومات مع ذلك، مذموماً على نكوله ملوماً. قوله: (في الجُبُن) متعلق بقتلةٍ، كأنه قال: وقتلة في الجُبن قُرنت بالدم، كما أن قوله (في خوض مهلكة) مُتعلقة بمخلص وعُلا.
وصايا الملوك
وصية ماء السماء
يقال: إن أم بلقيس بنت الهدهاد امرأة من الجن، كان سبب تزويجها للهدهاد بن شرحبيل أنه خرج للصيد في جماعة من خدمه وخاصته، فرأى غزالة يطردها ذئب وقد أضافها إلى مضيق ليس للغزالة منه مخلص، فحمل الهدهاد بن شرحبيل على الذئب حتى طرده عن الغزالة، وخلصها منه، وانفرد يتبعها، لينظر أين منتهى ما به.
قال: فسار في أثر الغزالة، وانقطع عنه أصحابه، فبينما هو كذلك إذ ظهرت مدينة عظيمة، فيها من كل شيء دعاه الله باسمه من الشاء والنعم والنخل والزرع وأنواع الفواكه. قال: فوقف الهدهاد بن شرحبيل دون تلك المدينة متعجباً مما ظهر له، إذ أقبل عليه رجل من أهل تلك المدينة التي ظهرت له يسلم عليه، ورحب به وحياه.
ثم قال له: أيها الملك إني أراك متعجباً مما ظهر لك في يومك هذا. قال: فقال الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن يشدد بن الفظاظ بن عمرو بن عبد شمس: إني لكما ذكرت، فما هذه المدينة؟ ومن ساكنها؟ قال له: هذه مأرب، سميت باسم بلد قومك، وهي مدينة عرم، حي من الجن، وهم سكانها، وأنا اليلب بن صعب ملكهم وصاحب أمرهم، وأنت الهدهاد بن شرحبيل ملك قومك وسيدهم وصاحب أمرهم.
قال: فبينما هو معه في هذا الكلام إذ مرت بهما امرأة لم ير الراؤون أحسن منها وجهاً، ولا أكمل منها خلقاً، ولا أظهر منها صباحة، ولا أطيب منها رائحة. قال: فافتتن بها الهدهاد بن شرحبيل، وعلم ملك الجن أنه قد هويها وشغف بها. فقال له: يا ابن شرحبيل، إن كنت قد هويتها فهي ابنتي وأنا أزوجكها. قال: فجزاه الهدهاد بن شرحبيل خيراً على كلامه، وقال له: من لي بذلك؟ فقال اليلب: أنا لك بما عرضت عليك من تزويجي إياها منك، وجمعي بينكما على أسر الأحوال وأيمنها، فهل عرفتها؟ فقال له الهدهاد: ما عرفتها قبل يومي هذا، فقال اليلب للهدهاد: هي الغزالة التي خلصتها من الذئب، ولأكافئنك على جميع فعالك أبداً بأحسن منه، فتأهب لدخولك عليها، فقد زوجتك إياها بشهادة الله وشهادة ملائكته، فإذا أردت ذلك فقدم إلينا بخاصتك من قومك وأهل بيتك وملوك قومك ليشهدوا ملاكك ويحضروا وليمتها، وميعادك الشهر الداخل. قال: فانصرف الهدهاد بن شرحبيل على الميعاد، وغابت المدينة عنه، فإذا هو بأصحابه حوله يدورون. فقالوا له: أين كنت؟ فنحن في طلبك مذ فارقتنا، ولم نترك شيئاً من هذه الفلوات إلا وقد قلبناه عليك وطلبناك فيه. فقال لهم: لم أبعد ولم أغب وأقبل يسير …التتمة في العدد القادم
خيل بني ذهل بن ثعلبة
فرس مالك بن عبدة بن ربيعة بن عمرو بن شيبان بن ذهل تسمى رغوة، قال فيها:
أرسلت رغوة والفرسان جائلة ولم يكن ربها وغلًا ولا غمرا
قال: الوغل: الذي يدخل على القوم وهم يشربون فيشرب معهم.
فرس القعقاع بن شور كان يسمى المطامير، وكان مشهورًا.
قال أبو عبد الله: قال المنذر بن ماء السماء يوم هرب من بكر بن وائل يوم كاظمة: إني قد جربت خيل بكر بن وائل، إن لهم أربعة أفراس: فأما فرس رويم بن ربيعة فبحر، وأما فرس ثمامة بن القريم فبالحري أن تأثم، تأثم: تقصر عن المدى، وأما السيد فإن طعنته يوم أوارة تقعد به، وأما الجمازة فرس أمية بن حنتم بن عدي بن الحارث بن تميم الله فهو أول لاحقٍ.
السيد: فرس مجالد بن يثربي بن الزبان.
فرس الحارث بن وعلة: المتفجر، قال يحيى بن منصور:
منا ابن كومة حين أخطر نفسه والشعثمان وفارس المتفجر
حويص بن بجير بن مرة، فارس الناصب، قال رجل من بني عبد شمس يمتن على قومه:
نفضت لكم وترًا بفارس ناصب وغادرت أقوامًا تداوى كلومها
فارس خصاف: حمل بن بدر بن عوف بن عامر بن ذهل، قال الشاعر:
تالله لو ألقى خصاف عشية لكنت على الأملاك فارس أشأم
فرس الكلج: الدخيل، قال يوم كلب:
أبدلتكم منه الدخي ل يكوس فاحتلوا حباله
يكوس: يمشي على ثلاثٍ، وكان قتل فضالة وعقروا فرسه، وفضالة: أبو دحية الكلبي.
فرس قيس بن سباع: شعلة، قال حلزة بن عباد:
ولولا شأو شعلة لم تؤوبوا بفوزة غانم يوم العناب
فرس وعلة بن شرحيل بن زيد: العمرد، قال المضارب بن نعيم:
إن العمرد يوم الخوع جاد به من آل أعنق عرق غير موصوم
أعنق: فرس عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة.