) مَدَدْتَ في راحة الطبيب يداً … وَما دَرَى كيف يُقْطعُ الأملُ(
أي كُّفك مجتمع الآمال قد اتصلت بها، كأن عُروقها قد صارت آمالا، والطبيب لا معرفة له ببعض الآمال، ولا بمعاناتها، إنما يعانى الأبدان، فلا تلحقنه ملاما، لأنك كلفته مالا يُحسن، والانسان إنما بلام على تقصيره فيما يُعزى إليه علمه، فإن قصر فيما ليس من علمه فغير مَلوم.
وقوله:) كيف يقطع الأمل (لم يُرد القطع المُفسد، وإنما أراد كيف يقطع الأمل للإصلاح.
وله أيضا:
) فَماَ حاولتُ في أرض مُقاَماً … ولا أزمعتُ عن ارضٍ زَوَاَلا (
أي أني ملازم لظهر بعيرى، فكأني مقيم، وأنا مع ذلك سائر، فإمكاني يتقسم ما بين الحالين، لأني لا ظاعينٌ ولا قاطن.
) إلى بد بنِ عمار الذي لَمْ … يَكُن في غُرُةِ الشَّهرِ الهلالا)
البدرُ يبدو هلالا ثم يتزايد، ولا يسمى بدراً حتى يكمل، وبدر بن عمار لم يك قط هلالا، بل لم يزل كاملا، وهذا مقطع شعري، لأنه لم يك قط هلالا ولا بدراً، وكأنه لم يزل بدراً، لأن لم يزل اسمه، وهذا البيت وإن كان المقصود به المدح ظاهراً فقد يجوز أن يقصد به الذم باطنا، لأنه لا بدر على الحقيقة إلا وقد كان في غرة الشهر هلالاً، وهذا لم يكُ هلالا، فليس إذن بدراً.
فالحاصل له من ذلك، إنه بدرٌ بالتسمية، لا بالطبيعة، فيكون ذلك مقتضيا للُهزُؤ، فخرج مُشبها لقوله:
وفارقتُ شَرَّ الأرض أهلاً وتُربةً … بها عَلَوىٌّ جَدُّه غيرُ هاشمِ
) جَوابُ مُسائلي ألهُ نَظِيرٌ … وَلا لك في سؤالك لا، ألا، لا)
تقديرُ البيت: جواب مُسائلي: (أله نظير): ألا، لا، أي ليس نظير، فلا جحدٌ، وألا: استفتاح (ولا لك في سؤالك) نظير، لا، أيها السائل، فلا الثانية توكيد، وإنما حاجة الكلام: ولا لك أيها السائل نظير، إذا شككت في إنه لا نظير له، حتى أحوجك ذلك إلى السؤال، فقوله: (ولا لك) معطوف على قوله: (ألاَ، لاَ) فعكس، بأن قدم المعطوف على المعطوف عليه.
) وَقَاَلوا: هل يُبَلِّغُك الثُرياَّ … فقلتُ نعم إذا شئتُ استِفالاَ)
أنا معه فوق الثُريا، فإذا أردت أن يبلغني إياها، فإنما أبلغها بأن يحظنني إليها، فإنا لا أريد منه بلوغ الثريا، إلا أن أشاء التسفٌّل لأن العالي لا يبلغ ما هو أخفض منه إلا بأن يُحط إليه.
وهذا كقوله:
فَوقَ السماءِ وفوقَ ما طَلَبُوا … فإذا أرادوا غايةً نَزَلُوا
أي أن عُلُوهم الآن فوق كل غاية، فإذا أرادوا غاية محدودة، نزلوا إليها، إلا أن هذا البيت الآخر أفخم معنى، وأصل ذلك قول البحتري لمجمد ابن علي:
لمحمدِ بن عليٍّ الشرفُ الذي … لا يَلْحَظ الجَوْزاء إلا مِنْ عَلِى
أي إنه فوق الجوزاء، فإذا لحظها فإنما يلحظها من فوقها.
) فَقَد وَجِلتْ قُلوبٌ مِنكَ حَتَّى … غَدَتْ أوجَالُها فيها وِجَالا)
أي وجلت قلوبهم، حتى عددتْ أوجالهُم؛ فوجلت الأوجال، وهذه مبالغة كقولهم: جُنَّ جُنُونه، وقالوا: شر ٌ شاعر، مثله كثير حكاه سيبويه وسائر أهل اللغة، قال سيبويه: سألت الخليل عن ذلك، فقال: أرادو المبالغة والإشادة، ورجال: جمع وَجل كوجِع ووِجاع ولو قال: وَجَالى؛ يريد جمع وَجِل، لكان كَحنِجٍ وحَبَاجَى وحبط وحَباطَى.
) يُفارِقُ سَهَمُك الرَّجل المُلاقى … فرَاق القَوسِ ما لاقى الرِّجالا)
أي إن سهمك كلما لاقى رجلاً خرقه ونفذ منه على ما هو به من قوته الأولى عند فراق القوس، وذلك دأبُه ما لقى الرجال وإن كثروا، يصفه بجودة الرمي وقوة النزع، فما: منصوبة على الظرف، والقوس: في موضع نصب، أي فراقه القوس، فأضاف المصدر إلى المفعول، كقوله تعالى (لاَ يسْأَمُ الإنْسانُ مِنْ دُعَاء الخَيْر).
وصايا الملوك
وصية زيد بن كهلان
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن مالك بن زيد بن كهلان جرد ابنه ربيعة بن مالك – وهو جد همدان – في الخيل والرجال والعدد، وعقد له الولاية على من معه، وكتب له كتاباً إلى ساكن الأجواف أهل سهولها وجبالها، وهم بقية عاد الصغرى التي تعرف إلى اليوم قبورهم وآثارهم في الجبال والسهول بها. وكان كتابه لربيعة بن مالك: باسمك اللهم.
إلى ساكِنِ الأجوافِ من أيمَن العُلا … ومِنْ مالك القيلِ بن زيدِ بنِ كهلانِ
رَبيعةُ لا يُعصَى لديِهم ويُتَّقى … ربيعةُ ما غالى بِهِ الملوانِ
وَيُجبَى إليهِ الخرجُ عِندَ وُجُوبِهِ … على طاعةٍ تُرضِيهِ مِنهُمْ وإذعانِ
وإلاَّ فلا يلحونَ إلاَّ نُفُوسَهُمْ … إذا داسَتهُمُ رجلي هُناكَ وفُرساني
قال: فلما فرغ من تجهيز ولده الربيعة بن مالك جرد ابنه أدد بن مالك إلى الأعراض والأسواد من نجران وتثليث والشَّروم وبيشة والحنو وما حولها من البلاد المسكونة في الخيل والعدد. وكتب له إلى ساكنها، وهم بقايا إرم بن حام بن نوح النبي صلى الله عليه وسلم، آثارهم بها إلى اليوم، وقبورهم تعرف بالإرميات، وذلك أنها مبنية على هيئة الآكام والقنان. وكان كتابه الذي كتب لأدد إليهم حيث يقول: ” من الرمل
باسمِكَ اللهُمَّ مِنْ أيمنَها بنِ … مالكِ الخيلِ إلى الحَيِّ إرمْ
لِسَاكنِ الأسوادِ والأعراضِ منْ … بطنِ نجرانٍ إلى ما حَيثُ هُمْ
أن يُطيعُوا أُدداً بينهُم … ما نهارٌ لاحَ أو ليلٌ هَجَمْ
ويُوفُّوا أُدداً مسألةً … من ثِمارِ النَّخل والخُور النَّعمْ
أو فلا يلحَونَ يوماً غيرهُم … إنْ علاهُم قَسطلانٌ مُدْلَهِمْ
أمثال العرب
ربّ عجلة تهب ريثا
وربّ فروقة يدعى ليثا
وربّ غيث لم يكن غيثا
زعموا أن ليث بن عمرو بن أبي عمرو بن عوف بن محلم الشيباني تزوج ابنة عمه خماعة بنت عوف بن محلم بن أبي عوف بن أبي عمرو بن عوف بن محلم، فشام الغيث فتحمل باهله لينتجعه، فقال أخوه مالك بن عمرو: لا تفعل فإني أخاف عليك بعض مقانب العرب –جماعة من الناس- أن يصيبك، فقال: والله ما أخاف أحدا، وإني لطالب الغيث حيث كان، فسار بأهله، فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء وقد أخذ، أهله وماله، فقال له مالك: مالك؟ فقال: أصابتني خيل مرّت عليّ؛ قال مالك: رب عجلة تهب ريثا ورب فروقة يدعى ليثا ورب غيث لم يكن غيثا، فذهب كلامه هذا أمثالا.
العرب وفرسانها
خيل عبد القيس بن أفصى
سويد بن خذاق الشني، فرسه: الشموس، قال فيه:
ألا هل أتاها أن شكت حازم … لدي وأني قد ركبت الشموسا
وداويتها حتى شتت حبشيةً … كأن عليها سندسا وسدوسا
حبشية: سوداء أي دهماء. سندساً: اليلنج. والسدوس: شيء أسود.
يزيد بن خذاق، فرسه: صمعر، قال فيها:
أعددت صمعر بعدما قرحت … ولبست شكة حزام جلد
لم تجمعي ودي ومعتبتي … أو يجمع السيفان في غمد
الريان بن حويص، من بني عامر بن الحارث، فرسه: الهراوة، كان يعطيها عزاب قومه، فإذا استغنى الرجل أعطاها آخر.
ولبني عامر بن الحارث: جلوى، قد ذكرها بعض شعرائهم.
مزيدة المحاربي، من عبد قيس، فرسه المتتلع، وكان صاحب خيل.
ثعلبة بن أم حزنة، من بني عامر بن الحارث، فرسه: عجلى قال فيها:
وأعددت عجلى لحسن الدوا … ء يتلمس حشاها طبيب
عروة بن سنان العبدي، فرسه: قدام، قال فيها:
وعلى قدام حملت شكة حازم … في الروع ليس فؤاده بمثقل