درر وفوائد

متى اهتمت الولاة بإصلاح دين الناس صلح للطائفتين دينهم ودنياهم، وإلا اضطربت الأمور عليهم، وأعظم عون لولي الأمر خاصة ولغيره عامة ثلاثة أمور: أحدها: الإخلاص لله، والتوكل عليه بالدعاء. الثاني: الإحسان إلى الخلق بالنفع والمال الذي هو الزكاة. الثالث: الصبر على أذى الخلق وغيره من النوائب.

مجموع فتاوى 28/368

ما صبر عليه يوسف عليه السلام من مراودة امرأة العزيز أمر صعب جدا لقوة الداعي؟ فما قوة الداعي فيه؟
أحدها: ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة كما يميل العطشان إلى الماء والجائع إلى الطعام.
الثاني: أن يوسف كان شاباً وشهوة الشاب وحدته أقوى.
الثالث: أنه كان عزباً لا زوجة له ولا سرية تكسر حدة الشهوة.
الرابع: أنه كان في بلاد غربة لا يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما يتأتى لغيره في وطنه وأهله ومعارفه.
الخامس: أن المرأة كانت ذات منصب وجمال، بحيث أن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى موافقتها.
السادس: أنها غير آيبة ولا ممتنعة، فإن كثيراً من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها.
السابع: أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد، فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها.
الثامن: أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها، بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له.
التاسع: أنه لا يخشى أن تنم عليه هي، ولا أحد من جهتها، فإنها هي الطالبة الراغبة.
العاشر: أنه كان مملوكاً في دارها، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا ينكر عليه.
الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال.
الثاني عشر: أنها توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوع إكراه.
الثالث عشر: أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما ويبعد كل منهما عن صاحبه، وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع.

 الجواب الكافي  298

هل يمكن أن يكون هناك تعارض بين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟
لا تعارُض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة. فإذا وقع التعارضُ، فإما أن يكون أحدُ الحديثين ليس مِن كلامه صلى الله عليه وسلم وقد غَلِطَ فيه بعضُ الرواة مع كونه ثقةً ثَبتاً، فالثقةُ يَغْلَطُ، أو يكونُ أحدُ الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يَقْبَلُ النسخ، أو يكونُ التعارضُ في فهم السامع، لا في نفس كلامه صلى الله عليه وسلم، فلا بُدَّ مِن وجه من هذه الوجوه الثلاثة. وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان مِن كل وجه، ليس أحدُهما ناسخاً للآخر، فهذا لا يُوجد أصلاً.
زاد المعاد 4/149
 
حكم ومواعظ
حياة الفرح والسرور، وقرة العين بالله
هذه الحياة إنما تكون بعد الظفر بالمطلوب الذي تقر به عين طالبه؛ فلا حياة نافعة له بدونه، وحول هذه الحياة يدندن الناس كلهم، وكلهم قد أخطأ طريقها، وسلك طرقاً لا تفضي إليها بل تقطعه عنها؛ إلا أقل القليل؛ فدار طلب الكل حول هذه الحياة وحرمها أكثرهم .
وسبب حرمانهم إيَّاها: ضعف العقل والتمييز والبصيرة، وضعف الهمة والإرادة؛ فإن مادتها بصيرة وقَّادة، وهمة نقَّادة، والبصيرة كالبصر؛ تكون عَمَىً، وعَوَراً، وعمشاً، ورمداً، وتامة النور والضياء.
وهذه الآفات قد تكون لها بالخلقة في الأصل، وقد تحدث فيها بالعوارض الكسبية.
والمقصود أنَّ هذه المرتبة من مراتب الحياة هي أعلى مراتبها؛ ولكن كيف يصل إليها من عقله مَسْبِيٌّ في بلاد الشهوات؟! وأمله موقوف على اجتناء اللذات؟! وسيرته جارية على أسوأ العادات؟! ودينه مستهلك بالمعاصي والمخالفات؟! وهمَّته واقفة مع السفليات؟! وعقيدته غير متلقَّاة من مشكاة النبوات؟!
فهو في الشهوات منغمس، وفي الشبهات منتكس، وعن الناصح معرض، وعلى المرشد معترض، وعن السراء نائم، وقلبه في كل واد هائم.
فلو أنه تجرَّد من نفسه، ورغب عن مشاركة أبناء جنسه، وخرج من ضيق الجهل إلى فضاء العلم، ومن سجن الهوى إلى ساحة الهدى، ومن نجاسة النفس إلى طهارة القدس لرأى الإِلف الذي نشأ بنشأته، وزاد بزيادته، وقويَ بقوَّته، وشرف عند نفسه، وأبناء جنسه بحصوله، وسد قذىً في عين بصيرته، وشجاً في حلق إيمانه، ومرضاً مترامياً إلى هلاكه .
فإن قلتَ: قد أشرت إلى حياة غير معهودة بين أموات الأحياء، فهل يمكنك وصف طريقها؛ لأصل إلى شيء من أذواقها، فقد بان لي أن ما نحن فيه من الحياة حياة بهيمية، ربما زادت علينا فيها البهائم بخلوِّهَا عن المنكرات والمنغِّصات، وسلامة العاقبة .
قلتُ: لعمر الله إن اشتياقك إلى هذه الحياة، وطلب علمها، ومعرفتها لدليلٌ على حياتك، وأنك لست من جملة الأموات!
فأول طريقها: أن تعرف الله، وتهتدي إليه طريقا يوصلك إليه، ويحرق ظلمات الطبع بأشعة البصيرة؛ فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة، فينجذب إليها بكلِّيَتِه، ويزهد في التعلُّقات الفانية، ويدأب في تصحيح التوبة، والقيام بالمأمورات الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات الظاهرة والباطنة، ثم يقوم حارساً على قلبه؛ فلا يسامحه بخطرة يكرهها الله، ولا بخطرة فضولٍ لا تنفعه؛ فيصفو بذلك قلبه عن حديث النفس ووسواسها؛ فيُفْدَى من أسرها، ويصير طليقاً.
فحينئذ يخلو قلبه بذكر ربه ومحبته، والإنابة إليه، ويخرج من بين بيوت طبعه ونفسه، إلى فضاء الخلوة بربه وذكره؛ كما قيل:
(وأخرج من بين البيوت لعلَّني          أحدِّثُ عنك النفس بالسرِّ خاليا)
فحينئذ يجتمع قلبه وخواطره، وحديث نفسه على إرادة ربه، وطلبه والشوق إليه .
فإذا صدق في ذلك رزق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستولت روحانيته على قلبه؛ فجعله إمامه ومعلمه، وأستاذه وشيخه وقدوته؛ كما جعله الله نبيه ورسوله، وهادياً إليه .

مدارج السالكين 3/266-270

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *