قصيدة العدد

قال الإمام الشافعي رحمه الله

دَعِ الأيام تفعـل مـا تشـاء
وطب نفساً إذا حكم القضـاء
ولا تجزع لحادثـة الليالـي
فما لـحوادث الدنيا بقـاء
وكن رجلاً على الأهوال جلداً
وشيمتك السماحـة والوفـاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسَرَّك أن يكـون لهـا غطـاء
تستر بالسخاء فكـل عيـبٍ
يغطيه كمـا قيـل السخـاء
ولا تَرَ للأعـادي قـط ذلاً
فإن شماتـة الأعـداء بـلاء
ولا تَرْجُ السماحة من بخيـلٍ
فما في النار للظمـآن مـاء
ورزقك ليس ينقصه التأنـي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سـرور
ولا بؤس عليـك ولا رخـاء
إذا ما كنت ذا قلـب قنـوعٍ
فأنت ومالـك الدنيـا سـواء
ومن نزلت بساحتـه المنايـا
فلا أرض تقيـه ولا سمـاء
وأرض الله واسعـة ولكـن
إذا نزل القضا ضاق الفضاء

وتلك الأمثال
تَحْسَبُها حَمْقَاءَ وَهْيَ باخِسٌ
ويروى “باخسة” فمن روى باخس أراد أنها ذات بَخْس تَبْخَسُ الناسَ حقوقَهم، ومن روى “باخسة” بناه على بَخَسَتْ فهي باخسة.
يقال: إن المثل تكلم به رجلٌ من بني العَنْبَر من تميم، جاورته امرأة فنظر إليها فحسبها حمقاء لا تعقل ولا تحفظ ولا تعرف مالها، فقال العنبري: ألا أخْلِطُ مالي ومَتَاعي بمالها ومتاعها ثم أقاسمها فآخذ خيرَ متاعها وأعطيها الرديء من متاعي، فقاسمها بعد ما خَلَط متاعه بمتاعها، فلم ترض عند المُقَاسَمة حتى أخَذَتْ متاعها، ثم نازعته وأظهرت له الشكوى حتى افْتَدَى منها بما أرادت، فعُوتِبَ عند ذلك، فقيل له: اخْتَدَعْتَ امرأة، وليس ذلك بِحَسَنِ، فقال: تحسَبُها حَمْقَاء وهي باخسة.
يضرب لمن يتباله وفيه دهاء. (مجمع الأمثال).
فوائد
ذكر بعض الكنى من الأمهات
أم الرأس: الجلدة التي تحت الدماغ. أمُّ مَثْوى الرَّجل: صاحبةُ منزله. وأم النجوم: المجرَّة وأم الكتاب: سورة الحمد وأم القُرى: مكة. وأم الهِنْبِر: الأتان والهِنْبِر هو الجَحْش. وأم كل ناحية: أعظم بلدة وأكثرها أهلا.
وأم اللُّهَيْم وأمُّ الدُّهَيْم: المنية. وكذا أمُّ قَشْعَم. وأم عَوْف: الجَرَادة.
وأم حَنِين: الخمر. وأم جُنْدَب: الظُّلْم تقول: (وقع القومُ في أم جندب) وركبوا أم جندب.
والدنيا يقال لها أم دَفْر.
ويقال للعقرب أم عِرْيَط. وأم الظباء: الفلاة ويقال لها أيضا أم عُبيد.
أم رَاشِد: كنية الفأرة. وأم حَفْصة: الدجاجة. وأم أدْرَاص: اليَرْبوع. (من المزهر مختصرا).

سلسلة أشهر القصائد
بين الحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم
تعتبر معلقتا الحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم من أقدم النماذج لتلك القصائد التي يتنافس بها الشعراء ومن ورائهم القبائل لكسب موقع سياسي أو اجتماعي من خلال موهبة كل شاعر في أسر القلوب وإقناع العقول بفضله، ومنزلة قبيلته، وصدق قضيته.
ذلك أن بكرا وتغلب تحاكما إلى الملك عمرو بن هند بعد ما كان من حرب البسوس ومخلفاتها القاسية، فكان الحارث بن حلزة شاعر بكر، وكان عمرو بن كلثوم شاعر تغلب، فأنشد كل منهما قصيدته بين يدي الملك، وقد ضمنها حججه وبراهينه التي تستميل قلب الملك إلى قبيلته، وتجعله ينصفها ويعلي شأنها.
معلقة الحارث بن حلزة
ارتجلها بين يدي الملك عمرو بن هند وهو غضبان متوكئ على قوس. ولا زال العلماء يعجبون من ارتجال الحارث هذه القصيدة في موقف واحد، حتى قال بعضهم: “لو قالها في حول لم يُلَم”.
يقول في مطلعها:
آَذَنَتنا بِبَينِها أَسماءُ … رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنهُ الثَواءُ
بَعْدَ عَهدٍ لَها بِبُرقَةِ شَمّا … ءَ فَأَدْنَى ديارَها الْخَلْصَاءُ
فَالْمُحيّاةُ فَالصِّفاحُ فَأَعنا … ق فِتاقٍ فَعَاذِبٌ فَالوَفاءُ
فَرياضُ القَطا فَأَودِيَةُ الشُّرْ … بُبِ فَالشُّعْبَتَانِ فَالأَبْلاءُ
لا أَرى مَن عَهِدتُ فيها فَأَبكي الـ … ـيَومَ دَلْهًا وَما يُحِيرُ البُكاءُ
وَبَعَيْنَيْكَ أَوْقَدَتْ هِنْدٌ النَّا … رَ أخيرًا تُلْوِي بِهَا العَلْيَاءُ
فَتَنَوَّرْتُ نَارَهَا مِنْ بَعيدٍ … بِخَزَازَى هَيْهَاتَ مِنْك الصِّلاءُ
أَوْقَدَتْهَا بَيْنَ العَقِيقِ فَشَخْصَيْـ … ـنِ بِعُودٍ كَمَا يَلُوحُ الضِّياءُ
وبعد هذا المطلع المعتاد ينتقل إلى وصف الناقة وصفا عابرا فيقول:
غَيْرَ أني قَدْ أسْتَعِينُ عَلَى الْهَمّ … إِذَا خَفّ بالثَّوِي النَّجَاءُ
بِزَفُوفٍ كَأَنَّهَا هِقْلَةٌ أُ … مُّ رِئَالٍ دَوِّيّةٍ سَقْفَاءُ
آنَسَتْ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا القُـ … ـنَّاصُ عَصْرًا وَقَدْ دَنَا الإِمْسَاءُ
فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْعِ وَالوَقْـ … ـعِ منينا كأنه إهباء
وَطِرَاقًا مِنْ خَلْفِهِنّ طِرَاقٌ … سَاقِطَاتٌ أَلْوَتْ بِهَا الصّحْراءُ
أَتَلَهّى بِهَا الْهَوَاجِرَ إِذْ كُلّ … ابنِ هَمٍّ بَلِيَّةٌ عَمْيَاءُ
ثم يأتي إلى غرض القصيدة، فكذب ادعاءات التغلبيين، وفند أباطيلهم. ثم عرض إلى مخازي التغلبيين، وحالهم مع الملك، فجاء بما يثير الضغائن في قلبه نحوهم. واستمال قلبه نحو البكريين بما عرضه من مآثر قومه، من وقائع التاريخ الدالة على أن البكريين أولياء للملك وما ضمنه القصيدة من التمجيد له. من ذلك قوله:
وَأَتَانَا مِنَ الْحَوَادِثِ والأَنْبَا … ءِ خَطْبٌ نُعْنَى بِهِ وَنُسَاءُ
إنّ إِخْوَانَنَا الأَراقِمَ يَغْلُو … نَ عَلَيْنَا فِي قِيلِهِمْ إِحْفَاءُ
يَخْلِطُونَ البَرِيءَ مِنَّا بِذِي الذَّنْـ … ـبِ وَلا يَنْفَعُ الْخَلِيَّ الْخَلَاءُ
زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ ضَرَبَ العَيْـ … ـرَ مُوالٍ لَنَا وأَنّا الوَلاءُ
أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عِشَاءً فَلَمّا … أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوضَاءُ
مِنْ مُنَادٍ وَمِنْ مُجِيبٍ وَمِنْ تَصْـ … ـهَالِ خَيْلٍ خِلَال ذَاكَ رُغَاءُ
أَيّهَا النّاطِقُ الْمُرَقِّش عَنَّا … عِنْدَ عَمْرٍو وَهَلْ لِذَاكَ بَقَاءُ
لا تَخَلْنَا عَلَى غَرَاتِكَ إنّا … قَبْلُ مَا قَدْ وَشَى بِنا الأَعْداءُ
فَبَقِينَا عَلَى الشَّنَاءَةِ تَنْمِيـ … ـنَا حُصُونٌ وَعِزَّةٌ قَعْسَاءُ
قَبْلَ مَا اليَوْمِ بَيّضَتْ بعُيُونِ النَّـ … ـاسِ فِيهَا تَغَيُّظٌ وَإبَاءُ
وَكَأَنّ الْمَنُونَ تَرْدِي بِنَا أَرْ … عَنَ جَوْنًا يَنْجابُ عَنْهُ العَمَاءُ
مُكْفَهِرًّا عَلَى الْحَوَادِثِ لا تَرْ … تُوهُ للدّهْرِ مُؤَيدٌ صَمَّاءُ
إِرَمِيٌّ بِمِثْلِهِ جَالَتْ الْخَيْـ … ـلُ وَتَأبَى لِخَصْمِهِا الإجْلاءُ
مَلِكٌ مُقْسِطٌ وَأَفْضَلُ مَنْ يَمْـ … ـشِي وَمِنْ دُونِ مَا لَدَيْهِ الثَّنَاءُ
كل ذلك جاء في تناسق تام وترتيب حكيم رفع راية بني بكر عند عمرو بن هند وجعله ينقلب على بني تغلب.

فسحة الواحة
خرج أعرابي قد ولّاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة، فلما كان في بعض الأيام ورد عليه أعرابي من حيه فقدم إليه الطعام وكان إذ ذاك جائعا، فسأله عن أهله وقال: ما حال ابني عمير؟
قال: على ما تحب قد ملأ الأرض والحي رجالا ونساء.
قال: فما فعلت أم عمير؟ قال: صالحة أيضا.
قال: فما حال الدار؟ قال: عامرة بأهلها.
قال: وكلبنا إيقاع؟ قال: قد ملأ الحي نبحا.
قال: فما حال جملي زريق؟ قال: على ما يسرك.
قال: فالتفت إلى خادمه وقال: ارفع الطعام فرفعه ولم يشبع الأعرابي ثم أقبل عليه يسأله وقال: يا مبارك الناصية أعد علي ما ذكرت.
قال: سل عما بدا لك، قال: فما حال كلبي إيقاع؟ قال: مات.
قال: وما الذي أماته؟ قال: اختنق بعظمة من عظام جملك زريق فمات.
قال: أو مات جملي زريق؟ قال: نعم.
قال: وما الذي أماته؟ قال: كثرة نقل الماء إلى قبر أم عمير.
قال: أو ماتت أم عمير؟ قال: نعم. قال: وما الذي أماتها؟ قال: كثرة بكائها على عمير.
قال: أو مات عمير؟ قال: نعم. قال: وما الذي أماته؟ قال: سقطت عليه الدار.
قال: أو سقطت الدار؟ قال: نعم. قال: فقام له بالعصا ضاربا فولى من بين يديه هاربا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *