واحة الادب

شرح المشكل من شعر المتنبي

)وَمَقانِبٍ بمقانِب غَادَرْتُها    أقوات وحشٍ كُن من أقواتها(

المقِنبُ: القطعة من الخيل، أي صرفتُ مقنب غيري بمقنبي. فهذا معنى قوله: (وَمَقانب بمقانب غادرتها) وقوله: (أقوات وَحشٍ كُن من أقواتها) أي صَرَعتُ هذه لمقانب، فتركتها أقواتا للوحوش، التي كانت من أقوى هذه لمقانب، فعاد الأمر بالعكس، وجعل الوحش الآكلة لهم مما كانوا يقتاتون به، لأن العرب تأكلُ الذئب، والضُبع والهلياع والفهد ونحو ذلك من آكلة الإنسان، وقد شبه بعضهم هذا البيت بقول البحتري:

كلانا بها ذِئبٌ يحدِّث نفسه      بصاحبه والجِدُّ يتبعُه الجدّ

وليس مثله، لأن البحتري لم يأملُ أكل الذئب كما أمل الذئب أكله وإنما قال: كلانا قاتل لصاحبه، الذئب يري أكلي، وأنا أريد قتله.

)أقْبَلْتها غُرر الجِياد كَأنَّما      أيْدِىَ بني عمران في جَبَهاتِهاَ(

الكريم يوصف ببياض اليد، وهي الخيل التي أقبلتها هذه الوجوه. هُن غُرّ، فكان غُروها أيدي هؤلاء موضوعة في جبهاتها. يعني أقبلتها خيلاً سابقة، يُقبلون جباهها كما تقبل أيدي بني عمران. فهذا معنى التشبيه.

)تكْبوُ وَرَاءكَ يا ابْنَ أحمد قُرَّحٌ       لَيْسَتْ قَوائِمهُنَّ من آلاتها(

القُرح هنا: كناية عن الرجال الكهول المُذكين. وأصله في الخيل، واحدها قارح، وهو الذي أتى عليه خمسُ سنين من نتاجه، فشبه الممدوح بفرسٍ جواد، وشبه مبارزيه بخيل قُرح، كقوله:

فدى لأبى المِسْكِ الكرامُ فإنها     سوابقُ خيلٍ يَهتَدينَ بأدْهَمِ

أي بفرسٍ أدهم، وخصه بالدُّهمة، لأنه عنى به كافوراً وقوله: (ليست قوائمهن من آلاتها): أي ليست قوائهما آلات لها لأنها تعثر وتكبو وتضعف عن مجاراتها، فكأن هذه القوائم ليست من آلاتها إذ لو كانت آلا لها لنصرتها ولم تخنها ولا أظهرت فضلك أيها الممدوح على هذه القُرح، وإنما قوائمها من آلاتك أنت، لدلالتها على سبقك، إذا كبت هذه القرح وراءك، فهن آلاُتك المبينة لفضلك لا آلاتها، لأن من نصرك وخذل مناوئك، فإنما هو آلة لا لمناوئك، وإن كان أهلا له، وجزءاً منه، كقوله تعالى (ياَ نُوُح إنهَّ لَيْسَ مِنْ أهْلِك) أي ليس من أنصارك ولا مُعاضديك، إنما هو من أعدائك، ولم ينف أنه ابنه حقيقة، لأن نساء الأنبياء لم يَفْجُرْن.

وذكر القوائم هنا، لذكره الخيل، ذهابا إلى الصنعة، وإنما القوائم هنا كناية عن الخصال والفضائل النفسانية، وقيل: إن الضمير في آلاتها ل (وراءك)، أي لا يتبعك إلا خيلٌ قوائمها أثبت من قوائم هذه القُرح، وأما قوائم هذه فمقصرة عن متابعتك، والصبر على مجاراتك.

)سُقِيتْ مَنابِتُها التي سَقَتِ الورى     بِنَدىَ أبى أيوب خَيِر نَبَاتِا(

الصنعة سارية في هذا البيت، وذلك أنه جعل للنفوس منابت، وليست النفوس نباتية فتنبت، وإذا لم تنبت فلا منبت لها، ومعناه: سقى الله أهل هذا الممدوح بنداه لأنهم أجواد، فإذا أفاض عليهم جوده، أفاضوه على من سواهم وقله: (وخير نباتها) الهاء للمنابت، ودعا للمنابت بُسقيا النبات لها، وتغذيتها إياها، قلبا للعادة، لأن المنبت يغذِّي النبات، والنبات لا يُغذي المنبت، إذ المنبت غير نامٍ، ولكنه أغرب بذلك، وجعل الممدوح خير نبات المنابت التي هو منها، لأنه أشرفها وأوسطها، فالباء التي في قوله: (بندى أبى أيوب) على هذا التفسير متعلقة بـسقيت، وقد يجوز أن يكون متعلقة بسَقت، ويكون سقي المنابت غير مُبَينّ. فكأنه قال: سُقيت منابتها، وأمسك ولم يذكر ما تُسقى به.

وصايا الملوك

وصية مازن بن الأزد

وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن مازن بن الأزد وصى ابنه ثعلبة بن مازن، فقال:

أُوصِيكَ ثعلبةَ بن مازنَ ما بِهِ … وصَّانِي الأزدُ الهُمامُ الأوحدُ

أوصاني الأزدُ الأغرُّ بطاعتي … لمُلُوكِ حميرَ ما استنار الفرقدُ

في مُلكِهِمْ لك نصفُ ما يحوونَهُ … من فيئِهِمْ وخَراجِهِم أو أزيدُ

إن المُتوَّجَ بالعُلا قطنُ الَّذي … لكَ كاهِلٌ فاعلَمْ وأنتَ لهُ يدُ

فأطِعهُ ثعلبُ كي تدُومَ مع العَلا … لك بعديَ العِزُّ اللَّقاحُ الأتلدُ

قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن ثعلبة بن مازن بن الأزد حفظ وصيته أبيه، وثبت عليها، وعمل بها بعد وفاة أبيه، وسمع وأطاع الملك قطن بن عريب، وتقلد له الأعمال التي كان يتقلدها أبوه مازن بن الأزد، وكتب إلى عماله في الثغور والأطراف، فسمعوا له وأطاعوا، ودفعوا إليه الإتاوة التي كانوا يدفعونها إلى أبيه.

ويقال: إن ثعلبة بن مازن بن الأزد جرّد أحمس بن عوف بن أنمار بن دارس بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان إلى الطود، وهي البلاد التي يقال لها السراة، وهي فيما بين الطائف وجرش، جرده إليها في قومه بني أنمار بن دارس بن عمرو بن الغوث وفيمن ضمهم إليه من سائر حمير وكهلان.

قال: وسألت أبا علي الهجري عمن خرج مع أحمس بن عوف بن أنمار من قومه بني أنمار، فقال: خرج معه بنو بجيله بن أنمار وبنو أقيل بن أنمار، وهم من بني عوف بن أنمار، فسألته عن أقيل، فقال: منهم شهران وكرد وناهس والأوس وأس، فسألته عن ولد أحمس فقال: من ولده بنو أمينه بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن عوف بن أنمار. وهذه القبائل تعرف بخثعم وبجيلة وأسد بن الحميس القحافي، وقحافة بطن من شهران: “من البسيط ”

نحنُ الذينَ وَرثنْا العِزَّ عن إرمٍ … أيَّامَ أحمَس وافاها بأنمَارِ

أيَّامَ حِمير تعلُو نارُ عِزَّتها … ما أوقَدَ النَّاس في الآفاقِ من نارِ

أيَّامَ كهلان قومي ضَارِبُونَ لهُم … ما ضمَّتِ الأرضُ منْ بدوٍ وأمصارِ

تُجبَى إليهمْ إتاواتُ البِلادِ ولا … يَعصيهمُ من مُقيمٍ لا ولا سارِ

وتِلكَ آثارُ آبائِيْ بمأرِبَ لا … يفُوقُهَا اليومَ من رسمٍ وآثارِ

ويقال: إن ثعلبة بن مازن بن الأزد لم يزل للملك قطن بن عريب على ما كان عليه أبوه مازن بن الأزد لقطن بن عريب بن زهير، وكذلك لابنه الغوث بن قطن بن عريب.

أمثال العرب

تمرد مارد وعز الأبلق

وكان فيما يذكر من حديث ابنة الزباء: إنها كانت امرأة من الروم، وأمها من العمالقة، فكانت تكلم بالعربية، وكانت ملكةً على الجزيرة وقنسرين، وكانت مدائنها على شط الفرات من الجانب الغربي والشرقي، وهي قائمة اليوم خربة، وكان فيما يذكر قد شقت الفرات وجعلت أنفاقاً بين مدينتها -أنفاق: جمع نفق وهو السرب- وكانت تغزو بالجنود وتقاتل، وهي فيما يذكر التي حاصرت مارداً حصن دومة الجندل فامتنع مها، وحاصرت الأبلق حصن تيماء فامتنع منها، فقالت:

تمرد مارد وعز الأبلق -وهو يضرب مثلاً للعزيز المنيع الذي لا يقدر على اهتضامه-، فأرسلت قولها مثلاً.

خيل بني وائل

خيل بني ذهل بن ثعلبة

قال أبو عبد الله: كانت بنو سدوس بن شيبان بن ذهل وأبو ربيعة بن ذهل بن شيبان أكرم بكر بن وائل رباطاً.

لبني سدوس: صوبة، والمتمطر، وبلعاء.

ولبني أبي ربيعة: الخرماء.

وكان المتمطر لحيان بن مرة بن جندلة بن جسر بن عمرو بن سدوس، وفيه يقول:

وما يجعل العبد اللئيم كربه … وما يجعل البرذون كالمتمطر

ويروى:

وما جعل العبد اللئيم كربه … وما جعل البرذون كالمتمطر

وكانت له صوبة أيضاً. وبقيت صوبة في يدي عبد الله بن حيان.

وكان الحسير بن المتمطر وأمه صوبة لعبد الله بن حيان بن مرة.

فكان بين بني عوف بن سدوس وعمرو بن سدوس لحاءٌ. فشج قطن بن عبد الله بن حيان ابناً لخليفة بن واثلة شجات، فرضيت بنو عوف بن سدوس بالحسير بن المتمطر من شجاجهم ففعل ذلك عبد الله بن حيان ثم ندم وأمكنهم من أبنه فقال الأسود بن رفاعة:

أبو قطن يختار تشقيق رأسه … على مهرة من آل صوبة أو مهر

اراغوه كيما يسلبوا الشيخ مهره … وكان سيكفينا الحسير من الوتر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *