الخصائص الصوتيـة للغة العرب

إن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروفا أكثر عدداً ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة (الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق.
وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات. ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي. فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء ، ولا النون قبل الراء، ولا اللام قبل الشين.
وأصوات العربية ثابتة على مدى العصور والأجيال منذ أربعة عشر قرناً. ولم يُعرف مثل هذا الثبات في لغة من لغات العالم في مثل هذا اليقين والجزم. إن التشويه الذي طرأ على لفظ الحروف العربية في اللهجات العامية قليل محدود، وهذه التغيرات مفرقة في البلاد العربية لا تجتمع كلها في بلد واحد. وهذا الثبات، على عكس اللغات الأجنبية، يعود إلى أمرين : القرآن، ونزعة المحافظة عند العرب .
وللأصوات في اللغة العربية وظيفة بيانية وقيمة تعبيرية، فالغين تفيد معنى الاستتار والغَيْبة والخفاء كما نلاحظ في: غاب، غار، غاص، غال، غام.
والجيم تفيد معنى الجمع: جمع، جمل، جمد، جمر. وهكذا.
وليست هذه الوظيفة إلا في اللغة العربية، فاللغات اللاتينية مثلاً ليس بين أنواع حروفها مثل هذه الفروق، فلو أن كلمتين اشتركتا في جميع الحروف لما كان ذلك دليلاً على أي اشتراك في المعنى.
فعندنا الكلمات التالية في الفرنسية مشتركة في أغلب حروفها وأصواتها ولكن ليس بينها أي اشتراك في المعنى Ivre سكران، oeuvre أثر أو تأليف، ouvre يفتح،livre كتاب، lèvre شفة .
(اللغة العربية ومكانتهـا بيـن اللغات؛ أ.ذ فرحان السليم).

“لامية العرب” و”لامية العجم”
[قال الصفدي]: أما هذه القصيدة اللامية فإنما سميت “لامية العجم” تشبيها بـ: “لامية العرب”، لأنها تضاهيها في حكمها وأمثالها. و”لامية العرب” هي التي قالها “الشنفرى” وأولها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم *** فإني إلى قوم سواكم لأميل

وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “علموا أولاد كم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق”، ورأيت لها “شرحا” حسنا، تام المقاصد، كثير الفوائد، وهو مجلد جيد، وحسبك أن الناس قالوا في هذه القصيدة إنهـا: “لامية العجم”، في نظير تلك، بمعنى إِنْ كان للعرب قصيدة لامية مشهورة بالأدب والأمثال والحكـم فإن للعجم لامية مثلها تناظرها. وإضافة الشيء إلى شيء مشهور أو عظـيم يدل على شرف المضاف، ألا ترى قوله تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته} أشرف لهم من قوله: والملائكة، لإضافتهم إليه.
وزعم بعضهم أن بعض الشعراء غَيَّرَ قوافي هذه القصيدة من اللام إلى العين، وهذا عندي يتعذر، لأن ألفاظ هذه القصيدة في غاية الفصاحة، وتراكيب كلماتها كلها منسجمة عذبة، غير قلقة ولا نافرة، ومعانيها بليغة غير ركيكة، وقوافيها قي غاية التمكن، فهي كما قال “ابن عنين”:
معنى بليغٌ وألفاظٌ مُنَقَّحَةٌ — غريىةٌ وقوافٍ كلها نُخَبُ
(الغيث المنسجم شرح لامية العجم 1/27).

صبية شاعرة
قال الأصمعي: اجتمع عدةٌ من الشعراء، منهم: حميد بن ثور، ومزاحم بن مصرف العقيلي، والعجير السلولي، فقالوا: ائتوا بنا منزل يزيد بن الطثرية نتهكم به، فأتوه فلم يكن في منزله، فخرجت صبيةٌ له تدرج، فقالت: ما أردتم؟ قالوا: أباك، قالت: وما تريدون منه؟ قالوا: أردنا أن نتهكمه، فنظرت في وجوههم ثم قالت:

تجمعتم من كل أفقٍ وجانبٍ — على واحدٍ لا زلتم قرن واحد
قالوا: فغُلِبْنَا والله.

(منتقى من أخبار الأصمعي للربعي ص:15).

مفاضلة بين شاعرين
قيل: حضر المتنبي مجلس أبي علي الحسن بن نصر البازيار وزير سيف الدولة، وهناك ابن خالويه، فتماريا في أشجع السلمي وأبي نواس، فقال ابن خالويه: أشجع أشعر إذ قال في هارون الرشيد:
وعلى عدوّك يا ابن عمّ محمد … رصدان ضوء الصبح والإظلام
فإذا تنبّه رعته وإذا غفا … سَلَّت عليه سيوفك الأحلام

فقال المتنبي: لأبي نواس ما هو أحسن من هذا قوله في آل برمك:
لم يظلم الدهر إذ توالت … فيهم مصيباته دراكا
كانوا يجيرون من يعادي … منه فعاداهم لذاكا
ثم قال المتنبي: أبو نواس أشهر في الدنيا من الدنيا:
قل للذي قاس به غيره … أَقِسْتَ يُسرَاك إلى اليُمنى
فابكِ على عقلكِ من نَقْصِهِ … بُكاء قيس من هَوَى لبنى

كلمة أما بعد
أما بعد: ظرف مكان مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى، ولذلك بُني على الضم، والتقدير: وبعد حمد الله والصلاة على رسوله.
وهي كلمة تستعمل في الخطب والكلام الفصيح لقطع ما قبلها عما بعدها.
قال بعض الشافعية: ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد عَقَد لها البخاري بابا في كتاب الجمعة، وذكر فيه أحاديث كثيرة.
وتستعمل مقرونة بأما والواو، ومع إحداهما دون الأخرى، ودخول الفاء بعدها مع أما واضح لما تضمنته أما من معنى الشرط، وأما مع عدمها فتدخل على توهم وجود أما، وتكون الواو استئنافية، أو على تقدير أما محذوفة والواو عوض منها، أو دون تعويض، وعلى الأول فالعامل في “بعد” الفعل المقدر، إذ التقدير وبعد كذا وكذا، فأقول: وعلى الثاني فالعامل في “بعد” أما المحذوفة لنيابتها عن فعل الشرط المقدر، إذ التقدير مهما يكن من شيء بعد حمد الله والصلاة على رسوله فقد سألني إلى آخره، والعامل في “بعد” الفعل المقدر.
واختلف في أول من نطق بـ: (أما بعد) فقيل:
1- داود -عليه الصلاة والسلام- وأنها فصل الخطاب الذي أوتيه
2- وقيل: قيس بن ساعدة
3- وقيل: كعب بن لؤي
4- وقيل: يعرب بن قحطان
5- وقيل: سحبان وائل وأبان
(مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 1/23).

أسماء أسنان الإنسان
قال ابن قتيبة: قال أبو زيد: للإنسان أربع ثنايا، وأربع رباعيات، الواحدة رباعية مخففة، وأربعة أنياب، وأربعة ضواحك، واثنتا عشرة رحى، ثلاث في كل شق، وأربعة نواجذ وهي أقصاها.
وقال الأصمعي مثل ذلك كله، إلا أنه جعل الأرحاء ثمانيا: أربعا من فوق، وأربعا من أسفل.
والناجذ: ضرس الحلم، يقال: رجل منجذ: إذا أحكم الأمور، وذلك مأخوذ من الناجذ، والنواجذ للإنسان بمنزلة القارح من الفرس، وهي الأنياب من ذوات الخف.
وقال أبو بكر الأنباري: النواجذ: آخر الأضراس، واحدها نجذ، ولا تبدو إلا عند الشديد من الضحك، وفي الفم اثنان وثلاثون سنا: ثنيتان من فوق، وثنيتان من تحت، ورباعيتان من فوق، ورباعيتان من تحت، ونابان من فوق، ونابان من تحت، وضاحكان من فوق، وضاحكان من تحت، وثلاث أرحاء من فوق، وثلاث أرحاء من تحت في الجانب الأيمن، وفي الجانب الأيسر، وناجذان في الجانب الأيمن، وناجذان في الجانب الأيسر. ويقال لما بين الثنية والأضراس: العارض، قال جرير:
أتذكر يوم تَصْقُلُ عارِضَيْها بِفَرْعِ بَشامَةٍ سُقيَ البَشـامُ
وقد رتبها بعض أهل اللغة، فقال: الثنايا أربع: اثنتان من فوق، واثنتان من تحت، ثم يليهن الرباعيتان: اثنتان من فوق، واثنتان من تحت، ثم يليهن الأنياب وهي أربع، ثم يليهن الأضراس وهي عشرون، من كل جانب من الفم خمسة من أسفل، وخمسة من فوق، منها الضواحك وهي أربعة أضراس تلي الأنياب، إلى جنب كل ناب من أسفل الفم وأعلاه ضاحك، ثم بعد الضواحك الطواحن، ويقال لها: الأرحاء، وهي اثنا عشر طاحنا من كل جانب ثلاثة، ثم يلي الطواحن النواجذ، وهي آخر الأسنان، من كل جانب من الفم، واحد من فوق، وواحد من أسفل.
( كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/238).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *