خالد شيري قصيدة العدد

موعظة مؤثرة كثيرة الفوائد غزيرة المعاني من عيون الشعر العربي
للشاعر الأندلسي: ابن عبدون

الدَّهُر يفجَع بعد العين بالأثرِ … فما البكاءُ على الأشباح والصّور
أنهاكَ أنهكَ لا آلُوك موعظةً … عن نومةٍ بين نابِ اللّيث والظُّفُر
فالدّهر حربٌ وإن أبدي مسالمّةً … والبيضُ والسودُ مثلُ البيِض والسُّمُر
ولا هوادةَ بين الرّأس تأخُذُه … أيْدي الضِّرابِ وبين الصّارِمِ الذّكر
فلا يغرنّك من دنياك نومتُها … فما صناعةُ عينيها سِوَى السَّهر
مَا للّيالي أقالَ الله عْثَرتَنا … من اللَّيالي وخَانَتْها يَدُ الغِيرَ
في كلّ حينٍ لها في كلّ جارحة … منّا جراٌح وإن زَاغَت عن النّظر
تّسُرُّ بالشّيء لكن كي تَغُرَّ به … كالأيْمِ ثَار إلى الجانِي من الزَّهر
كم دوله وليَت بالنّصر خدمتَها … لم تُبق منها وسَلْ دنياك عن خَبر
هوت بَدارا وفلَّت غَرب قَاتِلِه … وكان عَضْباً على الأملاك ذا أثُر
واستَرجَعت من بني ساسان ما وهَبَت … ولم تدع لبني يُونَان من أثَر
وأتْبَعت أختَها طسْماً وعادَ على … عادٍ وجُرهَم مِنها ناقضُ المِرَر
وما أقَالت ذَوي الهيئات من يَمن … ولا أجارَت ذوي الغَايات من مُضر
ومزّقت سَبأً في كلِّ قاصيٍة … فما التقَى رائٌح منهم بمُبتكر
وأنْفَذَت في كُليب حكمها ورمَت … مُهَلْهلاً بين سمعِ الأرض والبَصر
ودوَّخَت آلَ ذُبيان وإخوتَهم … عَبْسا؛ وعَضَّت بني بدر على النَّهر
ولم تَرُدَّ على الضّلّيل صِحَّتَه … ولا ثَنَت أسداً عن رَبِّها حُجُر
وألحقَت بِعَديٍّ في العراق على … يَدِ ابنْه الأحمر العينين والشَّعَر
وأهلكت أبرويزاً بابنه ورمت … بيزَدجردَ إلى مَروٍ فلم يُحِر
وبلَّغت يَزْدَجِردَ الصّينَ واخْتزلَت … عنه سِوىَ الفُرس جمَع التُّرك والخَزَر
ولم تَكُفَّ مواضي رُسْتمٍ وقَنَا … ذِي حَاجِبٍ عنه سَعداً في ابْنَةِ الغَير
يومَ القَليب بنُو بدر فَنُوا وسَعى … قَليبُ بدرٍ بمن فيه إلى سَقَر
ومزَّقت جعفراً بالبيضِ واختلست … من غِيله حمزَة الظَّلاَّمَ للجَزَر
وأشْرفَت بخُبيب فوق فارعةٍ … وألْصَقَت طَلحةَ الفياضَ بالعفَر
وخَضَّبَتْ شَيبَ عُثْمانٍ دَماً وخَطت … إلى الزُّبَير ولم تَستَحْيِ من عُمر
ولا رَعت لأبي اليَقْظان صُحبَتَه … ولم تُزَوِّده إلاَّ الضَّيْح في الغُمَر
وأجْزَرَت سيف أشْقاها أبَا حسنٍ … وأمْكَنَتْ من حُسين راحَتَي شَمِر
وليتَها إذ فَدَت عمراً بخَارِجَةٍ … فَدت عَليًّا بمن شاَءت من البَشر
وفي ابنِ هِند وفي ابن المصطفى حَسَنٍ … أتت بمُذْهِلة الألبابِ والفِكَر
فبعضُها قائلٌ: ما اغتاله أحدٌ … وبعضُها ساكتٌ لم يُؤْت من حَصَر
وأرَدْت ابنَ زيادٍ بالحُسين فلم … يَبُؤْ بِشِسْعٍ له قد طاحَ أو ظُفر
وعَمَّمت بالظُّبا فَوْدَىْ أبِي أنٍس … ولم تَرْدَّ الّردى عنه قَنا زُفَر
وأنْزلَت مُصْعَباً من رأس شاهِقةٍ … كانت به مُهجة المختار في وَزَر
ولم تُراقب مكان ابن الزُّيبر ولا … رَعَت عياذَتَه بالرُّكن والحَجر
وأعمْلَت في لَطيم الجنّ حيلتَها … واستوثَقت لأبي الذِّبَّان ذي البَخر
ولم تَدع لأبي الذِّبَّان قائمةً … ليس اللّطُيم لها عمرٌو بمُنتصر
وأحْرقَت شلْو زَيدٍ بعد ما احترقت … عليه وجداً قلوبُ الآي والسّور
وأظْفَرت بالوَليد بنِ اليزيد ولم … تُبق الخلافةَ بين الكأسِ والوَتَر
حبَابةٌ حبُّ رمّان أتيحَ لها … وأحمرٌ قطَّرته نفحةُ القُطر
ولم تَعُدْ قُضُبَ السَّفَّاحِ نابية … عن رَأْس مروانَ أو أشياعه الفُجُر
وأسْبلت دمعةَ الرُّوح الأمين على … دمٍ بفَخّ لآل المصطفى هَدَر
وأشْرقت جعفراً والفضلُ ينظره … والشَيخ يحيى بكأس الصّاب والصّبر
وأخْفَرت في الأمينِ العهدَ وانتدَبت … لجعَفرٍ بابنه والأعبُدِ الغُدُر
ولا وَفَت بعهود المستعين ولا … بما تأكّد للمعتّز من مِرَر
وأوثقت في عراها كلّ مُعتمد … وأشْرقت بقذاها كلَّ مُقْتدر
وروَّعَت كلَّ مأمُون ومؤتمن … وأسلَمت كلَّ منصور ومنتصر
وأعثرت آل عبَّاسٍ – لعًالهم … بِذَيلِ ريَّاَء من بيضٍ ومن سُمُر
بني المظفَّر والأيّامُ ما برحت … مراحلاً والوَرى منها على سَفَر
سُحقاً ليومكم يوماً ولا حملت … بمثله ليَلٌة في غَابِر العمر
من للأسّرة أو من للأعنّة أو … من للأسنّة يهديها إلى الثُّغَر
من للظُّبا وعوالى قد عُقدت … أطرافُ ألْسُنها بالعِّي والحَصر
وطُرِّزَتْ بالمنايَا السُّود بيضُهم … أعجْب بذاك وما منها سوى الذِّكر
من لليَراعة أو من للبراعة أو … من للسّماحة أو للنّفع والضّرر
أو دفع كارثة أو دع رَادِفَةٍ … أو قمع حَادثة تُعيي على القَدر
ويحَ السَّماحِ وويح البأس لو سلماَ … واحسرةَ الدّين والدّنيا على عمر
سَقَت ثَرى الفضل والعبّاسِ هاميةٌ … تُعزي إليهم سمَاحاً لاَ إلى المَطرِ
ثلاثةٌ ما ارتَقى النَّسران حيثُ رَقُوا … وكلُّ ما طَار من نَسْر ولم يَطِر
ثلاثة ما رأى العصران مثلهُم … فضلاً ولو عُزِّزَا بالشمس والقَمر
ثلاثة كذوِات الدَّهر مُنْذُ نأوْا … عنّي مضي الدَّهر لم يربع ولم يَحُر
ومرَّ من كلّ شيء فيه أطيُبه … حتى التمُّتع بالآصالِ والبُكرَ
أين الجلال الذي غَضَّت مهابَتُه … قلوبَنا وعيونَ الأنْجُمِ الزُّهُر
أين الإباءُ الذي أرسَوْا قواعِدَه … على دَعائَم من عزّ ومن ظَفَر
أين الوفاءُ الذي أصْفَوا شرائعه … فلم يَرِد أحدٌ منها على كَدَر
كانوا رَواسي أرض الله مُنذ نَأوْا … عنها استَطارَت بمن فيه ولم تَقِر
كانُوا مصابيحها فيها فمنذ خَبوا … هَوَى الخليقُة ياللهِ في شَرَر
كانوا شَجَى الدهر فاستهوتهمُ خُدَعٌ … منه بأحلام عادٍ في خُطا الخطر
ويلُ امّه من طَلوِب الثأر مُدرِكة … منهم بأسْدٍ سواهم في الوغى صُبُر
مَن لي ومن لهُم إن أظلمت نُوَبٌ … ولم يكن ليلُها يُفضي إلى سَحَر
من لي ومن لهُم إن عطلِّت سُنن … وأخْفَيِتْ ألسن الآثار والسّير
من لي ومن لهُم إن أطبقَت محنٌ … ولم يكن ورْدها يدعو إلى صَدَر
على الفضائل إلا الصّبَر بعدَهم … سلامُ مُرتقب للأِجرِ مُنْتَظر
يرجُو عَسى، وله في أختها أمل … والدّهُر ذو عُقَب شَتَّى وذُو غِيَر
قَّرطت آذانَ من فيها بفاضِحَةٍ … علَى الحسَانِ حصَا الياقوت والدُّرَر
سيارةٍ في أقاصي الأرض قاطعةٍ … شَقَاشِقاً هَدرَت في البَدْو والحَضَر
مُطاعِة الأمر في الألباب قاضيةٍ … من المسامع ما لم يُقْض من وطَر

فائدة لغوية

عوقب الكسول من المعلم أو من طرف المعلم
متى حذف الفاعل وناب عن نائبه، فلا يجوز أن يذكر في الكلام ما يدل عليه، فلا يقال: (عوقب الكسول من المعلم، أو الكسول معاقب من المعلم) بل يقال: (عوقب الكسول) أو (الكسول معاقب)؛ وذلك لأن الفاعل إنما يحذف لغرض، فذكر ما يدل عليه مناف لذلك. فإن أردت الدلالة على الفاعل أتيت بالفعل معلوماً، (فقلت عاقب المعلم الكسول).

أغراض حذف الفاعل
العلم به، فلا حاجةَ إلى ذكره، لأنه معروفٌ نحو: {وخُلِقَ الإنسان ضعيفاً}.
وإما للجهل به، فلا يمكنْك تعيينُه، نحو “سُرِقَ البيتُ”، إذا لم تعرفِ السارق.
وإما للرغبة في إخفائه للابهام، نحو رُكبَ الحصانُ، إذا عرفت الراكب غير أنك لم تُرد إظهاره.
وإما للخوف عليه نحو “ضُرب فلانٌ” إذا عرفتَ الضاربَ غير أنك خفت عليه، فلم تذكره.
وإما للخوف منه، نحو “سُرق الحصان” إذا عرفتَ السارق فلم تذكره، خوفاً منه، لأنه شري مثلاً.
وإما لشرفه، نحو “عُمل عَملا منكرٌ”، إذا عرفتَ العامل فلم تذكرهُ، حفظاً لشرفه.
وإما لأنه لا يتعلقُ بذكره فائدةٌ، نحو “وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو رُدُّوها”، فذكر الذي يُحيَى لا فائدةَ منه، وإنما الغرضُ وجوبُ ردِّ التحية لكل من يُحيِّي. (جامع الدروس العربية: الغلاييني).

فسحة الواحة
من نوادر أشعب:
هو أشعب بن جبير مولى عبد الله بن الزبير، وكان أحلى الناس مفاكهةً.
– وكان قد نشأ في حجر عائشة بنت عثمان بن عفان رضي الله عنه مع أبي الزناد. قال أشعب: فلم يزل يعلو وأسفل حتى بلغنا الغاية.
– قيل له: لقد لقيت التابعين وكثيراً من الصحابة، فهل رويت مع علو سنك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، حدثني عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلتان لا تجتمعان في مؤمن إلا دخل الجنة. قيل: وما هما؟ قال: نسيت واحدةً، قالوا: والثانية؟ قال: نسيها عكرمة.
– وغاضبت مصعب بن الزبير زوجه عائشة بنت طلحة، فاشتد ذلك عليه وشكا أمره إلى خاصته. فقال له أشعب: فما لي إذا هي كلمتك؟ قال: عشرة آلاف درهم؛ فأتى إليها فقال: يا ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفضلي بكلام الأمير؛ فقد استشفع بي عندك، وأجزل لي العطية إن أنت كلمته. قالت: لا سبيل إلى ذلك يا أشعب؛ وانتهرته. فقال: جعلت فداك! كلميه حتى أقبض عشرة آلاف درهم، ثم ارجعي إلى ما كنت عليه، فضحكت فقامت فصالحته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *