شرح المشكل من شعر المتنبي
) عظُمت فَلَماَّ لم تُكَلَّمْ مهابةً … تواضعت وهو العُظْم عُظماً عن العُظْمِ (
فأرحت ما بالناس من تهيُّبهم لك، تواضعت عظما عن التعظيم، وهو العُظم في الحقيقة، لأن العظمة والكبرياء إنما يليقان بالأعظم وهو البارئ سبحانه.
و(عَن) في قوله: (عن العُظم)، متعل بقوله عُظماً: بمعنى تعاظم وهو نصب على الحال أو المصدر. وتقدير تالي: تواضعت عُظماً عن العُظم وهو العُظم أي ذلك التواضع هو العُظم الحقيقي.
وله أيضا:
) أحادٌ أم سداسٌ في أحَادِ … لُيَيْلَتُنا المُنوضَةُ بالتَّنادي
أي أواحدة لُييلتنا هذه أم ستٌ في واحدة. لُييلتنا: صغرها تصغير التعظيم، كقول أوس:
فُويق جُبيلٍ شاهِق الرأسِ لم يكن … ليبلُغهُ حتى يَكَلَّ ويعملا
فقال جُبيل، والجبلُ الذي هذه حاله ليس بجبيل، إنما هو جَبَل.
وإنما وجه تصغير التعظيم، أن الشيء قد يعظم، في نفوسهم، حتى ينتهي إلى الغاية، فإذا انتهى إليها، عكس إلى ضده، لعدم الزيادة في تلك الغاية، وهذا مشهور من رأي القدماء الحكماء: أن الشيء إذا انتهى انعكس إلى ضده، ولذلك جعل سيبويه الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، وهي نهاية التعدي بمنزلة الفعل الذي لا يتعدى إلى مفعول، قال: لأنه لما انتهى فلم يتعد صار بمنزلة ما لا يتعدى، وهذا منه ظريف جداً.
والتنادي: القيامة، لما جعل الليلة ستا استطالها بعد ذلك، فجعلها هو أكثر مدة، فقال: إنها منوطة بالبعث.
وأحاد: خبر مبتدأ مقدم، ولا يكون مبتدأ لأنه نكرة، ولُييلتنا معرفة، فهو أولى بالابتداء، وصغر الليلة على القياس.
) مَتى لَحظتُ بياض الشَّيبِ عَيْنيِ … فقد لَحَظتْه مِنْها في السوادِ)
أي حزني على بياض شيبي كحزني عليه لو رأته عيني في سواد ناظرها، كقول أبي دلف:
في كل يوم أرى بيضاء قد طلعت … كأنما طلعت في ناظر البصر
) مَتى ما ازْددتُ من بعد التَّناهي … فقد وَقَع انتْقِاصِي في ازْديادي)
أي إذا ازددتُ عمراً بعد تناهي الأشُد، فتلك الزيادة في سني نقصان مني، لأنه قد بلغ غاية النماء ببلوغ الأشُد، فهو آخذ بعد ذلك في التحلل إلى بسيط العنصر، كقوله هو وقد مدح بعض الأمراء بشعر عدد أبياته أربعون:
فبعثنا بأربعين مهاراً … مُهرٍ ميدانه إنشادُه
عَدَدٌ عشته يرى الجسمُ فيه … أرباً لا يراه فيما يُزادُه
أي عدد عشته أيها الممدوح، لأن سن الممدوح حينئذ، كانت أربعين فسوى عدة الأبيات بعدة سنيه، وقال: (يرى الجسمُ فيه أرباً لا يراه فيما بُزاده) يعنى بالأرب: النماء، ولا يكون إلا إلى الأربعين. فإذا زيد عليها عمرا لم ير الجسم في ذاته نماءً، إنما هو راجع عن التركب إلى التحلُّل.
) وأبعَدُ بُعْدنا بعد التدانى … وأقربُ قُرْبنا قُرب البعادِ)
يقول: كنت منه بعيداً، فكان البُعد مني حينئذ قريباً، والقربُ بعيداً.
فلما جئتهُ وقربت منه، انعكست الحال، فعاد البعد بعيداً وكان قريباُ وعاد القرب قريباً وكان بعيداً.
ونسب الإبعاد والتقريب إلى هذا الممدوح، لأن انعكاس الحال، إنما كان بسببه، فلولا هو لم يَبْعُد البعُد الذي كان قريباً، ولا قرب القرب الذي كان بعيداً، وإخراجه مصدر أبعد وقرب على بُعد وقُرب، إنما مصدراهما إبعاد وتقريب، على قوله تعالى: (واللهُ أنْبتكُمْ مِن الأرْضِ نباتاً) أي: نبتُّم نباتا، وكذلك أبعد وقرب، مطاوعهما بَعُد وقرُب، فأخرج المصدر عليهما، مثله كثير.
وصايا الملوك
وصية يوسف ذا نواس
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن يوسف ذا نواس لما انتقل الملك إليه ظهر له الحسد من بعض قومه وبلغه عنهم قوارص مما يلفظون به ويخوضون فيه من أمره، قال فأقبل عليهم وقال: يا أيها الناس، ما من رئيس حقد فأفلح، ولا من رائم أمر يستعجل فيه فأنجح، ألا وكأني بمن يقول: إن يوسف ذا نواس ملك هذا الأمر وليس من ورثته ولا من أبناء من حازه من قبله. وكلا، ليس الأمر كما زعم الزاعم، ولكن للملك أساس، من حازه حاز الملك.
ثم أنشأ يقول: “من الوافر”
أساسُ المُلكِ ويحكُمُ رِجَالٌ … إذا ما المُلكُ زالَ عنِ الأساسِ
بلِ المُلكُ الأثيلُ لهُم مُثنَّى … وفيهم كل ذي عزٍّ وباسِ
ومنْ يُعطِ الرِّجالَ … ويُطعنَ دونهُ يومَ الحماسِ
ينالُ بها من الدُّنيا الذِي قد … حواهُ المرءُ يوسفُ ذُو نُواسِ
فَكَمْ من تاجِ مُلكٍ قد رأيتُمْ … تحوَّلَ من أُناسٍ في أناسِ
ألا يا للقبائِلِ أنصِتُوا ليْ … لأُخبركُم فإنَّ الطَّبَّ آسِ
وإنَّ وصيتيْ ما زِلتُ قِدماً … لها يا للقبائلِ غيرَ ناسِ
أطيعُوا الرَّأسَ مِنكُمْ كي تسُودُوا … وهل ذنبٌ يَسُودُ بغيرِ راسِ
فإنَّ النَّاس مِثلُ الأرضِ أرضٌ … وإنَّ مُلُوكهمْ مثلُ الرَّواسيْ
ولولا الرَّاسياتُ إذاً لمادتْ … روابيْ الأرضِ حقَّاً
وأجناسُ الرَّواسي الشُّمِ ستٌّ … فذو تبرٍ يصانُ وذو نُحاسِ
وذو ماءٍ وذُو زرعٍ وضرعٍ … وذو ثقلٍ كأمثالِ
أمثال العرب
أعن صبوح ترقّق.
وأما هذا المثل: أعن صبوح ترقّق فإن العرب يدعون شراب الليل الغبوق، وشراب النهار الصبوح، فزعموا أن رجلا نزل ببيت من العرب ليس لهم مال، فآثروه على أنفسهم فغبقوه غبوقا قليلا فبات بهم ليستوجب أن يصبحوه، فقال: أين أغدو إذا صبحتموني- أي أنه لا بد من أن يصبحوه فقالوا: أعن صبوح ترقق، فذهب قولهم مثلا.
الصبوح: شراب النهار، والغبوق: شراب الليل.
أعن صبوح ترقّق: يعني عن الغداء، وترقق: معناه ترقق كلامك وتحسنه.
أسماء خيل العرب وفرسانها
خيل غطفان بن سعد
ويقال: كان له فرس يقال له: الأبجر أو لغيره منهم، قال:
لا تعجلي أشدد حزام الأبجر إني إذا الموت دنا لم أضجر
ولم أمن النفس بالتأخر
شداد بن معاوية عم عنترة، فارس جروة قال فيها:
من يكن سائلاً عني فإني … وجروة لا ترود ولا تعارُ
حذيفة بن بدر، فرساه: الخطار والحنفاء.
حجر بن معاوية بن حذيفة، فرسه: الحنفاء.
شبيب بن معاوية بن حذيفة فارس السكب، وهو اسم فرسه.
يزيد بن سنان المري، فرسه: وجزة، قال فيها:
إذا نفذتهم كرت عليهم … كأن فلوها فيهم وبكري
سنان بن أبي حارثة، فرسه: برجة.
مزاحم: فرس طلحة بن أبي محجن العدوي.
ولغطفان: العسجدي، ولاحق. قال النابغة:
فيهم بنات العسجدي ولاحق … ورقاً مراكلها من المضمار
حزام بن وابصة، فرسه: الرقيم، قال:
وخيل كالقطا قد رعت فيها … سوام الحي يقدمني الرقيم
ضبيعة بن الحارث العبسي، فرسه: الأغر.