الانحراف العقدي في أدب الحداثة الأدب الحداثي والله والأنبياء أحمد السالمي

إذا كان جنون العظمة رفع أبا الطيب المتنبي -من حيث شعر أو لم يشعر- إلى منزلة احتقر فيها ما سواه من الخلق؛ في قوله:
أيّ محـــل أرتقـــي *** أيّ عظـيــم أتـقـي
وكل ما قد خلق اللـــ *** ـــه ومـا لم يـخلق
مــحتقر في همـتــي *** كــشـعرة فـي مفرقي
فهذا شعور يُستنكر من بشر؛ فكيف يقع ذلك من مسلمٍ الأصلُ فيه أن يتقي الله ولا يحتقر خلقه؟ انظر: ديوان المتنبي: 2/14.
وقال الثعالبي في (يتيمة الدهر): للإسلام حقه من الإجلال الذي لا يسوغ الإخلال به قولاً وفعلاً ونظماً ونثراً، ومن استهان بأمره ولم يضع ذكره وذكر ما يتعلق به في موقع استحقاقه فقد باء بغضب من الله تعالى، وتعرض لمقته في وقته، وكثيراً ما قرع المتنبي هذا بمثل قوله:
يترشفن من فمي رشفات هنّ فيه أحلى من التوحيدِ يتيمة الدهر: 1/481.
وأفحش من قول المتنبي ما جاء في مدح ابن هانئ الأندلسي للخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي عندما قال:
ما شئتَ لا ما شاءت الأقدارُ *** فاحكم فأنت الواحد القهارُ
فقد نسب الشاعر إلى ممدوحه بعض صفات الواحد القهار جل وعلا، وخرج على أصل من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده وهي توحيد الله تعالى، وإفراده بصفات الكمال والجلال.
وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث وجدنا الانحراف في فنون الأدب عن منهج الإسلام ظاهرة تكاد تكون بارزة في أنماط أدبية مؤثرة؛ كالشعر والرواية والمسرحية والقصة وغيرها؛ نجد ذلك بارزاً عند كثير من الأدباء المنتمين إلى الأدب الحداثي المتأثر بالأدب الغربي في أنماط معانيه وأشكال مبانيه.
الحداثيون العرب
فـ”الحداثيون العرب ـكمتلقين يمارسون التنظير الثقافي لمصطلح غامض الدلالةـ لا يكادون يتفقون على تصور واضح لماهية ما يعتقدونه، بل لا يكادون يتفقون على شيء اللهم إلاّ المجابهة والرفض لقيم الأمة وعقائدها!! ..ولعل أبرز رسل الحداثة العرب؛ “أحمد سعيد علي” المعروف اشتهارًا بـ”أدونيس” كان من أكثر المعبرين بجلاء عن هذا القدر من التصور المتواضع عليه عندهم.. بل إن هاجسه الأكبر هو التمييز -كما يزعم- بين “المغايرة الشكلية، والمغايرة الجوهرية”!!..
ويقصد بلفظ “المغايرة”؛ “إنتاج نقيض ما هو سائد” وهي تصبح “شكلية” إذا كان التنقيض لمجرد المغايرة..، أما المغايرة الجوهرية فهي الأساس لأنها كما يقول “تقتضي قطعًا مع التأسلف والتمغرب” وتمارس تهديمًا شاملاً للنظام السائد وعلاقاته أعني نظام الأفكار”..
ولكن حركة الصراع العملي عند هؤلاء لم تمارس هذا “القطع” المزعوم مع “التمغرب” فهي سليلته واللحمة بينها وبينه قوية..”أدونيس” نفسه من أين جلب هذا “اللقب” الذي يعبر عن الهروب والذوبان في الماضي والحاضر الغربي!؟.. أليس “أدونيس الأسطورة” هو إله الخصوبة عند الإغريق القدماء، كما هو رمز الجنس الذي ارتكس في حمأته الواقع الغربي؟!.. لهذا طفحت أخيلة المجون في نصوص “أحمد سعيد” الهارب إلى عبادة الجسد وأيام البغاء المقدس في أعياد أدونيس الإغريق، وفي حمى الأنفاس الملتهبة في حاضر الغرب..” أزمة الهوية وسؤال الماهية في أدب الحداثة.
هل تقدم الحداثة شيئًا لأمتنا؟
يقول الدكتور كريم الوائلي: “إذا كانت الحداثة العربية قد فهمت حداثة الآخر سطحيًا، فإنها في الوقت نفسه مغتربة عن الواقع الاجتماعي العربي ومتعالية عليه.. فيقدم الحداثيون نصوصًا تعكس واقعًا مختلفًا ومغايرًا”. تناقضات الحداثة العربية.
فالفجوة عميقة والهوة ساحقة بين الحداثيين وبين وجدان الأمة، ولا يمكنها أن تنصب جسرًا إلا على أنقاض الأخلاق والإيمان والعقيدة.. وهو ما تحاوله دأباً وهيهات.
سخرية الحداثيين بالله وشتمهم له سبحانه
يقول أدونيس:
“الأخلاق التقليدية هي التي تعيش الخوف من الله، وتنبع من هذا الخوف، الأخلاق التي يدعو إليها جبران هي التي تعيش موت الله”، الثابت والمتحول 3 – صدمة الحداثة: ص 178-179 .
ويقول معين بسيسو:
) باسمك تلك المومس ترقص بقناع الرب، باسمك يتدحرج رأس الرب)، معين بسيسو الأعمال الشعرية الكاملة: ص 251 .تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
يقول محمد الماغوط:
) لماذا خلقني؟ وهل كنت أوقظه بسبابتي كي يخلقني)، محمد الماغوط في الآثار الكاملة: ص:218.
وتقول نوال السعداوي:
)وإذا سأله المدرس سؤالاً تلفّت حوله متحيراً وبدأ بتهتهة، وحين يضحك التلاميذ يقول: لو كانت هناك عدالة في الكون لما خلقني الله، أتهته وجميعهم لا يتهتهون، وهمس في أذني بصوت خافت: الله غير موجود لأن العدالة غير موجودة، وهمست في أذنه بدوري: لو كان الله موجوداً لما كان الوفاء يقابله الخيانة، والخيانة يقابلها الوفاء، وكنت يا أمي تلميذاً في التاسعة من عمري، وهو زميلي وربط بيني وبينه الإيمان العميق بعدم وجود الله، وظلت قدرتي على الإيمان بالله مرتبطة بقدرتك على خيانة أبي…). رواية سقوط الإمام: ص 75.
ويقول محمود درويش:
) نامي فعين الله نائمة عنا وأسراب الشحارير)، ديوان محمود درويش: ص 24.
سخرية الحداثيين بالنبوة والأنبياء
تقول نوال سعداوي عن البنت الشخصية الرئيسية في روايتها سقوط الإمام: (ألا تكون ابنتي هي بنت الله يسمّونها المسيحة، وتصبح واحدة من الأنبياء)، سقوط الإمام ص:9.
أمّا سميح القاسم فيجعل مجموعة من الداعرين أنبياء، وذلك في قوله:
) باختصار
يومها كنا رجالاً أربعة
من صغار الأنبياء
معنا خمس صبايا
حسناً – خمس نساء
حسناً – خمس بغايا!)، ديوان سميح القاسم ص:230.
أمّا نزار قباني فيقول في وصف ثور أسباني في حلبة مصارعة الثيران مشبها له بالأنبياء:
(برغم النزيف الذي يعتريه
برغم السهام الدفينه فيه
يظل القتيل على ما به
أجل وأكبر من قاتليه
نزيف الأنبياء
كوريدا… كوريدا
ويندفع الثور نحو الرداء
قوياً عنيداً
ويسقط في ساحة الملعب
كأي شهيد.. كأي نبي
ولا يتخلى عن الكبرياء)، الأعمال الشعرية لنزار قباني 1/561-562.
وقالت حكيمة الشاوي وهي تسب وتعرض بخير الخلق صلى الله عليه وسلم:
)ملعون يا سيدتي من قال عنك: من ضلع أعوج خرجت ملعون يا سيدتي من أسماك علامة على الرضى بالصمت، ملعون منذ الخليقة من قال عنك: عورة من صوتك إلى أخمص قدميك).

يقول أدونيس:
) الله والأنبياء والفضيلة والآخرة، ألفاظاً رتبتها الأجيال الغابرة، وهي قائمة بقوة الاستمرار لا بقوة الحقيقة،… والتمسك بهذه التقاليد موت، والمتمسكون بها أموات، وعلى كل من يريد التحرر منها أن يتحول إلى حفّار قبور، لكي يدفن أولاً هذه التقاليد، كمقدمة ضرورية لتحرره)، انظر: الثابت والمتحول:3، صدمة الحداثة: ص:136-.137
وفي الأخير نعتذر للقارئ الكريم على هذا الاستهزاء والسب والشتم والقذف الحداثي، وهذه الجرأة في التعبير التي تدنس كل مقدسات الإسلام والمسلمين، ولكن ما سقنا هذا الكلام الهابط إلا “لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ” والله الهادي إلى سبيل الرشاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *