ما فائدةُ الأدب ربيع السملالي

ما فائدةُ الأدب إن لم يخاطب وِجدانَ الإنسان، ويبعثُ في قلبه السَّكينَة والاطمئنان، ويحمله على النّظر إلى الحياة نَظرة تفاؤلية رغمًا عن بشاعتها، وتقلّب أحوالها..
وما فائدته إن لم يُعبِّر عن خَلَجات النّفوس الضّعيفة التي أرهقها الألمُ، وأتعبها المسيرُ بين منعرجات الدّنيا..
ما فائدته إن لم يبشّر بغدٍ أفضلَ يُلَملمُ أشلاء الماضي الأسيف حيثُ الذّلُ والخَسْفُ والضّيم والعارُ والرّضا بالهوان..
ما فائدته إن لم يمسح عن الأرواح اليائسة تلك القتامة التي لا تريم..
ما فائدته إن لم يكن مفتاحَ خير وحبّ وجمال، مغلاقَ شرّ وظلم وفساد..
ما فائدته إن لم يجعل من الحبّة قُبّة ويعبّر عن الحياة بعبارة تأخذ القارئ إلى قصور البلاغة والملكوت وحدائق البيان..
ما فائدته إن لم تكن عنده رسالة ومبدأ ومنهج سويّ، ويكون نبراسًا يهتدي بنوره أصحاب القلوب النّقية والفِطَر السّليمة..
ما فائدته حين يتحوّلُ إلى مِعولٍ للهدم، ومنبرٍ للشّتم والسّب والهجاء..
ما فائدته حين يكرّس للحِقد والسّخرية والاحتقار..
ما فائدته حين يكون سرابًا حتّى إذا أتيته لم تجده شيئًا، فتموت بظمَئِك..
ما فائدته إن لم تكن لغته سهلة ميسورة لا تحوجك إلى الفزع إلى القواميس عند كلّ لفظة..
ما فائدته إن لم يُحرّر العُقولَ والطّباعَ من تلك الأوهام والأباطيل والتّقاليد البالية التي أصبحت كصنم يُعبد من دون الله..
ما فائدتُه إن لم يجعلك تَعشقُ لغتك الأمّ، وتشعرُ في قرارة نفسك أنّها هُويتك، لحمك ودمك، وفي غيابها ليس لك إلا التّشرّد والتّيه والضّياع..
ما فائدته إن لم يدفع عنك قلقَ الاغتراب الكامن في فؤادك الكسير..
ما فائدته إن لم يخبرك أنّ الدّنيا ساعة فلتجعلها طاعة..
ما فائدته إن لم يحرّك الأشجان الرّاكدة ويثير الغرام نحو بيوتات الله المُقدّسة..
ما فائدته إن لم يكن لسانَ صدقٍ في الأوّلين والآخرين..
ما فائدته إن لم يكن النّاطقَ الرّسميَّ للإنسانية المعذّبة على هذه الأرض…
ما فائدته إن لم يكن مِنحةٌ ربّانية يجودُ بها الله على أرباب القلوب..
ما فائدته إن لم يجعل صموتًا، لا تتكلّم إلا فيما يعود عليك بالنّفع..
ما فائدته إن لم يعلّمك كيف تُقري الضّيف وتعين على نوائب الدّهر وصروف الأيّام، وتمدّ يدك لإخوانك في الله لتنتشلهم من تعاستهم وبؤسهم وكآبتهم ولو بكلمة طيّبة، أو قصيدة بديعة تشرق لها الصّدور الضّائقة، والقلوب المرتجفة حَزَنًا..
ما فائدته حين يجعل منك بوقًا للباطل، تدبّج الكلام، وتنمّق الأساليب، وتتصنّع الإنصاف بدعوى حرّية الفكر، وأنت عار على أهلك ومجتمعك ووطنك شعرت أم لم تشعر…
ما فائدته إن لم ينأَ بك عن مواطنَ الزّلل والكلام الفارغ وفتنته الذي تعوّذ منه أبو عثمان الجاحظ في مقدّمة بيانه، والحريري في مقدّمة مقاماته..
ما فائدته حين تجعل منه وسيلةً للاعتراف بفسقك وفجورك وانحلالك، وذِكر تفاصيل حيوانيتك وضَعفك الإنساني.. كما فعل الهالكُ محمد شكري..
ما فائدته حين يجعل منك رجلا أنانيا، لا يرى في الوجود أجمل وأحكم وأسلم من ذاته المُقدّسة التي تكتب مئات الصّفحات في تبجيلها وتضخيمها، وأنت لا تساوي في ملكوت الله ذرّة من رماد .
ما فائدة الأدب -دُلّني إن كنتَ صادقًا- إن لم يهذّب أخلاقك السّيئة التي ورثتها عن مجتمعك المُنحلّ وبِيئتك الغارقة في وحْل الشّبهات والشّهوات..
الأدبُ يا صاح إن كنت لا تعرفه فهو الذي يتأدّب به الأديبُ من النّاس، سُميّ أدبًا لأنّه يأدِبُ إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح. وهذا هو تعريف أجدادِنا له، فإن كان لك تعريف آخر لا يمتّ لهذا التّعريف بسبب فدع عنك الأدبَ فلستَ منه ولو لطّخت وجهك بالمداد .
فالهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرّع مسائله وترجع إليه: فالأدْب أن تجمع النّاس إلى طعامك كما يقول ابن فارس في مقاييسه.
فأحسِن القِرَى وأنت تَدعو النّاسَ إلى كلماتك ونثرياتك وكلماتك وقصائدك وحذارِ أن تغشّهم وتخدعهم، فتسِيء إليهم من حيث جاءوا يطلبون الإحسان من لئيم.. فإنّك لا تأمن أن تُسام الخسف بعد ذلك وتُحمل على ما تكره، ثمّ تتلمّس العون فلا تجده.. والعاقبة للمتّقين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *