(مَهْلاً ألا لله ما صَنَع الْقَنا … في عمرِو حَابِ وَضَبَّة الأغتامِ)
أراد عمرو حابي، فرخم المضاف اضطرارا، كقوله أنشده سيبويه:
أودى ابنُ جُلْهم عَبادٌ بصرمته … أن ابن جُلْهُم أمْسى حية الوادي
قال: أراد بن جُلهمه، والعرب يُسمون الرجل جلْهمة، والمرأة جُلْهم كل ذلك حكاه سيبويه.
والأغتام: جمع أغتم. كسر أفعل على أفعال، وهو قليل. ونظيرة أعزل وأعزال، وهو الذي لا سلاح له، وأغزل وأغزال وهو الذي لم يُختن.
(أحْجارُ ناسٍ فَوَقَ أرضٍ من دمٍ … ونُجومُّ بِيضٍ في سماءِ قَتَامِ)
لما استعار للدم أرضاً، استجاز تسنية جُثث القتلى أحجاراً وشبه البيض للمعانها في القتام بالنجوم النيرة في الظلام.
(وذِرَاعُ كل أبى فُلان كُنيةٌ … حالت فَصَاحبُها أبو الأيتام)
أي وفي ذلك المعترك أذرع قطعت من قوم كانوا يُكنون أبا زيد، وأبا عمرو، وأبا عبد الله، وغير ذلك من أنواع الكنى.
فلما قُطعت منهم ماتوا فكنى كل واحد منهم أبو الأيتام.
وله أيضا: (عَذِيري من عَذَارَى من أمُورِ … سَكَن جَوانحي بَدَل الخُدُور)
عذارى: أي خطوب أبكار لم تصب أحداً قبل. هذا معنى العذرة فيهن و(مِنْ) ها هنا للتبيين. أي ليست هؤلاء العذارى من النساء، إنما هي من أمور الدهر، أي أعذرى، أو من عاذرى؟ وقوله: (من أمور) خلص عذارى الخطوب هنا: من عذارى النساء، لا يسكن الجوانح إنما يسكن الخدور. فأقام جوانحه لعذارى الهموم مقام الخُدور لعذارى النساء بدل ظرف، أي مكان الخدور، كما حكاه سيبويه من قول العرب: إن بَدلك زيدا، أي إن مكانك، قال: ويُقال للرجل: اذهب معك بفلان، فيقول: معي بدل فلان، أي يغنى غناء، ويكون في مكانه.
وله أيضا:
(مَناَفِعُها مَاضَرَّ في نفع غيرِها … تَغَذىَ وتَرْوَى أن تْجُوع وأن تَظما)
أي أن ضُرها لنفسها منفعة لها، إذا جر ذلك نفعا لغيرها تغوثاً بالمجد، واحتساب الأجر، كقوله تعالى: (ويُؤثِرُون على أنْفُسِهم وَلَو كَانَ بِهمُ خَصَاصَةٌ). أي طلباً للأجر. ثم فسر قوله: (منافُعها ما ضر في نفع غيرها). بالنصف الثاني، فقال (تَغذَّى وتَرْوَى أن تجوع وأن تظما). أي أنها تجوع لتخص غيرها بطعامها، فهي تَغَذى بذلك الجُوع ولا يُثر فيها، بل هو نماء لجسمها. وتعطش لتخُص غيرها بشرابها، فذلك العطش ري لها، إذا هو في سبيل المجد.
فتلخيص القضية. أنها تغذى بالجوع، وتروى بالعطش. وكان وجه الصنعة – لو استقام له الوزن- أن يقول. تَشْبع وتروي، ليُقابل الجُوع بالشِّبع، كما قابل العطش بالري. ولكن لما كان في التغذي ما يُشعر بأنه ربما كان معه الشِّبع، تَسمَّحَ به، وأراد (أن تَطْمَأ) فأبدل الهمزة إبدالاً صحيحاً، حتى ألحقها بحروف العلة، وذلك لحاجته إلى الوصل، لأن الهمزة لا يُصل بها الروي، ولا يطرد هذا في كل شيء.
وصايا الملوك
الأزد بن الغوث
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن مأرب سمعت للأزد وأطاعت. ومأرب اسم قبيلة من قبائل عاد الصغرى. ويقال: إن الأزد تولى بعد أبيه الغوث جميع ما كان يتولاه لزهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير، وكذلك لابنه عريب بن زهير حين ولي الملك بعد أبيه زهير بن أيمن بن الهميسع.
ويقال: إن الأزد لم يزل والياً للأطراف والثغور للملك عريب بن زهير، تسمع له العمال، وترفع إليه ما يجب عليها لبيت مال الملك. وكان كلما مات في الأطراف والثغور عامل من عمالها تقلد عمله الأرشد من ولده أو من إخوته أو من بني عمه، يرفع الإتاوة ويسمع ويطيع، ويحيي رسم من مضى قبله في طاعة من تقلد الملك من حمير وطاعة من تقلد الأطراف والثغور من كهلان.
ويقال: إن مازن بن الأزد بن الغوث ولي بعد أبيه الأزد بن الغوث الأطراف والثغور للملك عريب بن زهير بن أيمن، وكذلك لابنه قطن بن عريب حين صار الملك إلى قطن بن عريب بعد أبيه.
ويقال: إن مازن بن الأزد رثى عريب بن زهير حين توفي في شعره الذي يقول فيه: “من البسيط”
أمسَى عَريبٌ عنِ المُلكِ اللَّقاحِ وعَنْ … رَعيَّة المُلكِ تحتَ التُّربِ مرمُوسا
وكانَ فيما مَضَى المُلكُ اللَّقاحُ بهِ … مستوسِقُ العِزِّ في الآفاقِ مأنُوسا
لولا أبُو وائِلٍ خَيرُ الورى قطنٌ … لأصبحَ المُلكُ ميَّاداً ومَنْكُوسا
بهِ استقامَتْ لنا الدُّنيا وأسعَد من … بالأمسِ بعدَ عَرَيبٍ كانَ منحُوسا
أمثال العرب
القيد والرتعة.
أسرت همدان عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فحبسوه عندهم زمانا وقيّدوه، وكان رجلا خفيف اللحم لا يكاد يسمن، فلما أسر وطال حبسه كثر لحمه وسمن، فمكث أسيرا في همدان ما شاء الله، ثم افتدى نفسه فرجع إلى قومه وهو بادن كثير اللحم فقالوا: لقد سمنت وكثر لحمك فقال: القيد والرّتعة فأرسلها مثلا.
خيل بني وائل
المنفجر، من بني عامر بن غبر، فرسه النعامة، أدرك بني يشكر حين اقتسموا ملهم من مسيرة يومين في ضحوةٍ ملهم
ماء من اليمامة، قرية فيها قلب مجتمعة قرط بن التوءم العدوي، فرسه: ميار، قال فيه:
كان ابن شماء يعشوه ويصبحه … من هجمة كفسيل النخل دوار
ما زلت أطعنهم شزراً وأضربهم … حتى اتقوا فلهم مني بميار
مهلهل بن ربيعة، فرسه: المشهر، وهو فارس المشهر، قال فيه:
قربا مربط المشهر مني … كل قرن لقنه قتال
الصراع بن قيس بن عدي بن قيس بن المفترق، فرسه: جلوى.
قال فيها زهير بن زبان بن عدي بن قيس بن المفترق:
وقائلة يوم الحفاظ لبعلها … لا يعدل الصراع في الحدثان
فتى رد عنا الخيل تدمى نحورها … حفاظاً وما زلت به القدمان
وقد علمت جلوى بأن ليس ربها … بمعتلث دونٍ ولا بعبان
أراد: بعبام، فقلب الميم نوناً، وهو الثقيل العيي.
ولو أن جلوى لم تكن لابن حرة … لأودى بجلوى أول السرعان