مناظرة بين الماء والهواء

احتكم الماء والهواء عند قاضي عرف بحكمته وفض الخلافات العسيرة وإرضائه الأطراف وبدأ الاحتكام والجدل وأخذ كل منهما يخبر عن صفاته ومميزاته إذ قال الماء: أنا شيخ هذه الأرض وكبيرها، لي الوقار والهيبة الذي يظهر عندما أروي ظمأ الكائنات الحية وظمأ هذه الأرض التي تخرج منها النباتات.
الهواء: أنا أفضل منك فأنا أساس الحياة البشرية وأساس الحياة عامة على هذا الكون كما أني لم أجد لك فضلاً يقدر فضلي على الإنسان والكائنات الحية.
الماء: لم أجد لك فضلاً علي فأنا يستخدمني الإنسان في جميع جوانب حياته، في شربه وطعامه ونظافته الشخصية ونظافة ما حوله لقوله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
الهواء: أنا فعلاً مهم في حياة الإنسان والحيوان والنبات إذ يتنفسون من غازاتي كما أن النبات يستفيد من بعض غازاتي في صنع غذائه، يستفاد مني في تلقيح النباتات لقوله تعالى: (وأرسلنا الرياح لواقح).
الماء: أنت تحصر الإنسان والكائنات الحية في تنفس غاز واحد إن تنفس غيره تصبح حياته مهددة بالهلاك أما أنا فيجدني في كل مكان أنزل من السماء على هيئة أمطار وتنفجر الأرض وأخرج منها على هيئة ينابيع وعيون وأكون على أشكال مختلفة: كالرطوبة والسائل كالماء والجامد كالثلج والجليد.
الهواء: صحيح أنك مفيد ولكنك مضر في نفس الوقت إذ أن الثلوج التي تتحدث عنها تُهدم وتجرف ملايين من الأشخاص وبعض القرى وذلك عند حدوث الانهيارات الثلجية وعند تكوين السيول التي تحدث وتتكون من كثرة الأمطار، أما أنا فقوي مطيع لله سبحانه وتعالى عندما أهلك القوم الظالمين بأمر منه لقوله تعالى: (وأما عادٍ فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية).
فازداد النقاش بين الماء والهواء وكلاً منهما يصف مميزاته فتدخل القاضي وقال إن كلاً منكما مفيد ولكن الله سبحانه وتعالى خلقكما كي تكونا مفيدين للإنسان والكائنات الحية وأن كل ما تسببانه من أضرار لها حكمة عند رب العالمين في علم الغيب.
وبعد أن سمعا كلام القاضي اعتذر كل منهما للآخر وأقر بفضل صديقه.
شلشلة الأعشى، وسلسلة مسلم، وقلقلة المتنبي، وبلبلة الثعالبي
يقول الواحدي في شرح ديوان المتنبي:
سمعت الشيخ أبا منصور الثعالبي رحمه الله يقول: قال لي أبو نصر بن المرزبان: ثلاثة من رؤساء الشعراء شلشل أحدهم، وسلسلَ الثاني، وقلقلَ الثالث أما الذي شلشل فالأعشى وهو من رؤساء شعراء الجاهلية قال:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبُعني         شاوٍ مشلٌّ شلول شلشلٌ شولُ
وأما الذي سلسل فمسلم بن الوليد وهو من رؤساء المحدثين وهو الذي قال:
سلَّت وسلت ثم سلَّ سليلُها فأتى سليلُ سليلها مسلولا
وأما الذي قلقل فهو المتنبي وهو من رؤساء العصريين وهو الذي يقول:
فقلقلتُ بالهمّ الَّذي قلقلَ الحشا        قلاقلَ عيسٍ كلُّهنّ قلاقلُ
فبلبلْ أنت أيضا فقلت له أخشى أن أكون رابع الشعراء أعني قول من قال:
الشعراء فاعلمن أربعة:
شاعرٌ يجري ولا يجرى معهْ
وشاعرٌ ينشدُ وسطَ المعمعةْ
وشاعرٌ من حقه أن تسمعه
وشاعرٌ من حقه أن تصفعه
فقال: بل لا تكون رابع الشعراء. قال: ثم قلت بعد حينٍ من الدهر:
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها       فانفِ البلابلَ باحتساءِ بلابل

طَالَ الأبَدُ عَلَى لُبَدٍ‏

يعنون آخِرَ نسور لقمان بن عاد، وكان قد عُمِّر عُمْرَ سبعة أنسُر، وكان يأخذ فَرْخَ النسر، فيجعله في جوبة في الجبل الذي هو في أصله، فيعيش الفرخُ خمسمائة سنة أو أقل أو أكثر

، فإذا ماتَ أَخَذَ آخَرَ مكانه، حتى هلكت كلها إلا السابع أَخَذَه فوضعه في ذلك الموضع، وسماه لُبَداً، وكان أطولَهَا عُمْراً، فضربت العربُ به المثلَ فقالوا‏: ‏ طال الأبَدُ على لُبَد، قال الأعشى‏: ‏

وأَنْتَ الَّذِي أَلْهَيْتَ قَيْلاً بكاـَسِهِ      ولُقْمَانَ إذ خَيّرْتَ لُقْمَانِ فيِ الْعُمِرْ

لِنَفْســِكَ أن تختار سَبْعَةَ أَنْـسُرٍ     إِذَا مَا مَضَى نَسْرٌ خَلَوْتَ إلى نَسْرِ

فَعُمـِّرَ حتــَّى خَـالَ أنَّ نُسوُرَه      خلُودٌ، وَهَلْ تَبْقَي النُّفُوسُ عَلَى الدَّهْرِ‏؟ ‏

فعاش لقمان -زعموا- ثلاثَةَ آلافٍ وخمسمائة سنة، قال النابغة:‏

أَخْنَي عليها الَّذِي أَخْنَى على لُبَدِ

وقال لبيد: ‏

ولقد جَرَى لُبَدٌ فأدْرَكَ جَرْيَهُ        رَيْبُ الَمُنونِ وَكاَنَ غَيْرَ مثقَّلِ

لَمَّا رَأَى لُبَدُ النسورَ تَطَايَرَتْ       رَفَعَ الْقَوَادِمَ كالْفَقِيرِ الأعْزَلِ

مِنْ تَحْتِهِ لُقْمَانُ يَرْجُو نَهْضَهُ       وَلَقَدْ يَرَى لُقْمَان أن لا يأتَلِي

قال أبو عبيدة‏: ‏ هو لقمان بن عاديا بن لجين بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، كأنه جعل عادياً وعاداً اسمَيْ رجلٍ، والعربُ تزعم أن لقمان خيِّرَ بين بقاء سَبْع بَعَرَاتٍ سُمْر، من أَظْبٍ عُقْرٍ، في جَبَل وَعْر، لا يمَسُّها القَطْر وبين بقاء سَبْعَة أنْسُرٍ، كلما هلك نسر خلف بعده نسر، فاستحقر الأبعار واختار النسور، فلما لم يبق غير السابع قال ابن أخ له: يا عمِّ ما بقي من عمرك إلا عمر هذا‏؟ ‏ فقال لقمان‏: ‏ هذا لبد، ولبد بلسانهم الدهر، فلما انقضى عمر لبد رآه لقمان واقِعاً، فناداه‏: ‏ انْهَضْ لُبَد، فذهب لينهض فلم يستطِعْ، فسقط ومات، ومات لقمان معه، فضرب به المثل، فقيل: ‏ طال الأبد على لبد، وأتى أبَد على لُبَد‏. ‏
الأصمعي والأعرابي
قال الأصمعي لأعرابي: أتقول الشعر؟ قال الأعرابي: أنا ابن أمه وأبيه.
فغضب الأصمعي فلم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل (لَوْ) قال فقلت: أكمل، فقال: هات فقال الأصمعي:
قــومٌ عهدناهــم سقاهم الله من النو
الأعرابي:
النو تلألأ في دجا ليلةٍ حالكة مظلمةٍ لـو
فقال الأصمعي: لو ماذا؟
فقال الأعرابي:
لو سار فيها فارس لانثنى على به الأرض منطو
قال الأصمعي: منطو ماذا؟
الأعرابي:
منطوِ الكشح هضيم الحشا كالباز ينقض من الجو
قال الأصمعي: الجو ماذا؟
الأعرابي:
جو السما والريح تعلو به فاشتم ريح الأرض فاعلو
الأصمعي: اعلو ماذا؟
الأعرابي:
فاعلوا لما عيل من صبره  فصار نحو القوم ينعو
الأصمعي: ينعو ماذا؟
الأعرابي:
ينعو رجالاً للقنا شرعت      كفيت بما لاقوا ويلقوا
الأصمعي: يلقوا ماذا؟
الأعرابي:
إن كنت لا تفهم ما قلته        فأنت عندي رجل بو
الأصمعي: بو ماذا؟
الأعرابي:

البو سلخ قد حشي جلده    بأظلف قرنين تقم أو

الأصمعي: أوْ ماذا؟
الأعرابي:

أو أضرب الرأس بصيوانةٍ        تقـول في ضربتها قـو

قال الأصمعي: فخشيت أن أقول قو ماذا، فيأخذ العصى ويضربني!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *