شرح المشكل من شعر المتنبي

(أحبُّك أو يقُولوا جَرَّ نملٌ … ثَبِيراً وابنُ إبراهيم ريعْا)
معنى هذا البيت الأبدية؛ أي أنى أحبك حتى يجر النمل ثبيراً. وهذا لا يكون عند أحد أبداً. وحتى يقال: ربع ابن إبراهيم، وابن إبراهيم على هذا المنزع لا يُراع عنده.
وقد أحسن هذا الاستطراد وإن كان قرنه إمكانيا، أعنى بقوله: وابنُ ابراهيم (فتناهى وهو قوله:) أو يقولوا جر نمل ثبيرا، لكن الثاني عنده في الامتناع كالأول، وإن كان في تحصيل الحقيقة ليس مثله، وكذلك حبُّه إياها إلى أن يجر النمل ثبيراً شعر كذب.
(وليس مُؤدباً إلا بنصلٍ … كفى الصَّمْصامةُ التَّعَبَ القَطيعا)
أي أرهب سيفه الناس، حتى ليس تفعل في أيامه ما تستحق عليه السوط فضلا عن غير ذلك فقد كفى سيفُه السوط التعب. وإن شئت قلت: إنه لا ينزل عقوبة بجبان إلا القتل، لا يضربه بسوط، فقد استغنى بالسيف عن السوط. وكفى التعب لذلك.
(فلا عزلٌ وأنت بلا سلاحٍ … لحاظُكَ ما تكُون به مَنِيعا)
العزلُ: عدم السلام عامة. واللحاظ: جمع لحظة، وقد يكون مصدر (لاحظ)، أي ملكت هيبتُك القلوب، فنظرتك تغني عن السلاح، فان هيبتك إذا نظرت قاتلة، لإقدامك وإن كنت بلا سلاح.
فقوله: (بلا سلاح) جملة في موضع الحال، أي فلا عزل بك، وإن كنت غير متسلح. وقوله: (لحاظك) ما تكون به منيعا (يجوز أن تكون فيه) ما (بمعنى الذي، فيكون على هذا ما بعدها صلة لها. ويجوز أن تكون نكرة بمنزلة شيء، فما بعدها في موضع الصفة، لأنها إذا كانت نكرة لزمتها الصفة، كما أنها إذا كانت معرفة لزمتها الصلة. ونظيره في الوجهين قوله تعالى: (هذا ما لَدىّ عَتِيدٌ).
ويجوز أن تكون (ما) زائدة كأنه قال: لحاظُك تكون به منيعا. ومنيع. يجوز أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول، أي ممنوعاً محمياّ، وأن يكون فاعل ككريم. يقال: منُع مناعة فهو مَنِع كرفُع رفاعةً فهو رفيع.
(وجاودَنيِ بأن يُعطى وأحوى … فأغْرق نَيلهُ أخذى سريعا)
أي نازعني الجود: بأن يعطى هو، وآخذ أنا، ولم يكن للمتنبي هنالك جُود، لكن الآخذ لما كان: يجودُ هذا الجود، صار كأنه جُود. وهو أحسن عندي ممن قال: إن جود المتنبي إنما كان بالأخذ.
ونظير هذا القول الذي أنا اليه قوله تعالى:) فَمن اعتْدَى عَليكُم فاعتدوا عليه) وليس قتل هؤلاء المأمورين للمعتدين عليهم اعتداء. ولكنها مكافأة اعتداء، فسُمي باسم السبب الذي هو الاعتداء. وكقول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يَجْهَلْنَ أحدٌ عليناَ … فَنجهل فوقَ جهلِ الجاهليناَ
(فأغرق تيله أخذي سريعا): أي مللتُ الأخذ ولو يمل هو العطاء.
وصايا الملوك
وصية ذا رعين
وحدثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن ذا مقار أقبل على عشيرته وولده، فقال لهم: ما الاثنان منكم وإن قرب أمرهما مثل الواحد وإن عظم أمره، اجتمعوا تعزُّوا، ولا تتفرقوا فتذِلُّوا، فإن القداح واحدها يهون كسره، والاثنان منها يصعب أمرهما وكسرهما، والثلاثة منها يمتنع عن الكسر، ثم أنشأ يقول: “من البسيط”
ما يغلِبُ الواحدُ الاثنينِ في سببٍ … ولا يحيدُ عن النَّجدِ الضعيفانِ
ما ساعدٌ أبداً كالساعدينِ وإنْ … لم يبلُغاهُ ولا كالقدحِ قدحانِ
فردُ الرِّجالِ ذليلٌ لا نصيرَ له … وذُو الشَّراكة في عزٍّ وسلطانِ
إن القِداح إذا لا ويتهُنَّ معاً … عزَّتْ ولما تحُكْ فيها الذِّراعانِ
ولا تقرَّ إذا ما إن فرَقتَ لها … تحتَ الرَّواجبِ من مثنى ووحِدانِ
هاتا ضربتُ لكُمْ قومي بِها مثلاً … وقد عِلمتم لكُمْ سِرِّيْ وإعلاني
أُوصيكُمُ بالَّذي ما للرِّجال بهِ … أوصى الأوائِلُ من أملاكِ قحطانِ
أمثال العرب
عرفتني نسأها الله
زعموا أن رجلا في الجاهلية كانت له فرس مربّبة معلمة قد تألفها وعرفته، فبعثه قومه طليعة فمرّ بروضة فأعجبته، وهو لا يدري أن العدوّ قريب منه، فنزل فخلع لجام فرسه وخلّى عنها ترعى، فبينا هو على ذلك إذ طلعت عليه خيل العدو دواس- أي يتبع بعضهم بعضا- فأخذوه، وطلبوا الفرس فسبقتهم، فلم يقدروا عليها، فتعجبوا منها ومن جودتها فقالوا: إن دفعتها إلينا فأنت آمن وإلا قتلناك، فظنّ الرجل أنهم قاتلوه إن لم يفد نفسه، فدعاها فجاءت فقال عرفتني نسأها الله أي أخّرها وزاد في أجلها، فصار مثلا.
أسماء خيل العرب وفرسانها
خيل بني سليم
فرس عمير بن الحباب: الزعفران، قال فيه:
فأصبحت قد شارفت أرضاً أحبها … إذا شئت خب الزعفران وقربا
العباس بن مرداس السلمي، فرسه: العبيد، قال فيه:
أتجعل نهب العبي … د بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس … يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهما … ومن تضع الحرب لا يرفع
وله أيضاً: زرة، أخذها سفيان بن عوف النصري فاستنقذت منه.
وله أيضاً: صوبة، قال فيها
أعددت صوبة والصموت ورم … حي والفضول تلوح كالسحل
فرط العنان كأن ملجمها … في رأس نائية من النخل
بين الحمالة والقريط لقد … أنجبت من أم وفحل
القريط، والحمالة: فرسان.
فرس معاوية بن مرداس يقال له: زامل، قال فيه:
لعمري لقد أكثرت تعريض زامل … لجرح أو ليقدع عائرا
ولا مثل في أيامه وبلائه … كيوم له بالجر لو كنت خابرا
تشك عوالي السمهري لبانه … ويرمون فيه بالسهام المفاقرا
يعني فقار عنقه.
فهل يشكرن أبو سلامة نعمتي … وظني به أن سوف يوجد شاكرا
أبو سلامة: رجل من بني سليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *