واحة أدب

أمثال العرب
أينما أوجه ألق سعدا
في كل واد بنو سعد

زعموا أنّ الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم كان يرى من قومه وهو سيدهم بغيا عليه وتنقصا له فقال: ما في مجامعة هؤلاء خير، ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقص له والبغي عليه، فارتحل عنهم وحلّ بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريبا بعضهم من بعض، فانصرف نحو قومه وقال: أينما أوجّه ألق سعدا فأرسلها مثلا.
ألق سعدا أي أرى مثل قومي بني سعد.
ومما زاده قوله: في كل واد بنو سعد.
التعازي
أكثر ما تكلم فيه الناس، لأنه لم يعر أحد من مصيبة بحميم، ذلك قضاء الله على خلقه، فكل تكلم إما متعزياً وإما معزياً، وإما متصبراً محتسباً.
قال أبو الحسن المدائني: كانت العرب في الجاهلية وهم لا يرجون ثواباً ولا يخشون عقاباً يتحاضون على الصبر، ويعرفون فضله، ويعيرون بالجزع أهله، إيثاراً للحزم وتزيناً بالحلم، وطلباً للمروءة، وفراراً من الاستكانة إلى حسن العزاء، حتى إن كان الرجل منهم ليفقد حميمه فلا يعرف ذلك فيه، يصدق ذلك ما جاء في أشعارهم، ونثى من أخبارهم -شاع-، قال دريد بن الصمة في مرثيته أخاه عبد الله: الطويل
قليل التّشكّي للمصيبات حافظٌ … مع اليوم أدبار الأحاديث في غد
صبا ما صبا حتّى إذا شاب رأسه … وأحدث حلماً قال للباطل أبعد
قال أبو عبيدة: كان يونس بن حبيب يقول: هذا أشعر ما قيل في هذا الباب.
وقال أبو خراش الهذلي: الطويل
تقول أراه بعد عروة لاهياً … وذلك رزءٌ لو علمت جليل
فلا تحسبي أنّي تناسيت عهده … ولكنّ صبري يا أميم جميل
وقال أبو ذؤيب: الطويل
وإنّي صبرت النّفس بعد ابن عنبسٍ … وقد لجّ من ماء الشّؤون لجوج
لأحسب جلداً أو لينبأ شامتٌ … وللشّرّ بعد القارعات فروج
وقال أوس بن حجر: المنسرح
أيّتها النّفس أجملي جزعا … إنّ الّذي تحذرين قد وقعا
وقال أبو ذؤيب: الكامل
وتجلّدي للشّامتين أريهم … أنّي لريب الدّهر لا أتضعضع
نوادر من غريب اللغة
قال الأصمعي قال سمعت أعرابيّا يقول: جاءت فقيم تفايش بقبائلها، أي تفاخر، كما قال جرير: ولا تفخروا إن الفياش بكم مزر.
وحدّثني الأصمعي قال: سيف قساسيّ: منسوب إلى معدن، وأنشدني لرجل يصف معولا:
أخضر من معدن ذي قساس … كأنه في الحيد ذي الأضراس
يرمي به فى البلد الدهاس
وأنشدنى أبو عثمان:
لو عرضت لأيبليّ قسّ … أشعث في هيكله مندسّ
حنّ إليها كحنين الطسّ
جاء به على الأصل، وذلك أن أصله الطسّ، وإنّما التاء بدل من السين، كما قالوا: ستّة، وأصله سدسة، وجمع السدس أسداس مبنيّ عن أصله، والسدس مبنيّ عن ستّة، والطّست يجمع على طساس، ويصغّر على طسيسة.
وأنشدنى أبو عثمان المازني: وما البتوت غير صوف بحت … مصبوغة ألوانها بالزّفت
فضمّ الزاي، كقولهم: الضعف والضعف، والفقر والفقر.
ويقال: قلوت الإبل إذا سقتها سوقا شديدا، ودلوتها إذا هوّنت عليها السير، وأنشدنى عن أبى زيد:
لا تقلواها وادلواها دلوا … إنّ مع اليوم أخاه غدوا
وأخبرني الرياشيّ عن الأصمعيّ، يقال: حبض السهم إذا قصّر عن الهدف ثم سقط، وأنشد:
والنّبل تهوي خطأ أو حبضا
وقال أبو زيد: حبض السهم إذا خرج عن الوتر فوقع بين يدي الرامي، والناقر: السهم الذي يصيب الهدف ثم يسقط، والعاصد: المائل عن الهدف، والحابض: الذى يقع قدّام الرامي، والقاصر: الذي يقصر عن الهدف، والزالج: الذى يصيب الأرض ثم يرتفع فيصيب الهدف، والمعظعظ: الذي يمرّ ملتويا غير مستقيم، وأنشدني التّوزيّ لعنترة: وعظعظ ما أعدّ من السهام ويقال: فوّق له بسهم، وأفوق له بسهم إذا وضعه في الوتر. قال المازنىّ: قال أبو زيد: أصابه سهم غرب وسهم غرب، والغرب: الذى يأتيك من حيث لا تدرى، فأمّا سهم غرب فإذا رمى غيره فأصابه، والغرب: الذي يرمي غيره فأصابه هو.
فائدة لغوية
قولهم أَرْغَمَ الله أَنْفَه
قال الأصمعي: الرَّغْم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه ويُذِلّه، وقال أبو عمرو وابن الأعرابي: أرغْمَ الله أنفَه، أي عفَّره بالرَّغام، وهو تراب يختلط فيه رملٌ دقيق فمعنى أَرْغَم الله أنفَه أي أهانه، ومنه حديث عائشة في المرأة تتوضأ وعليها خضابها فقالت: اسْلُتيِه وأَرْغِميه، أي أهينيه وارمي به عنك في الرَّغام، وقال لَبِيد:
كأنَّ هِجَانَها مُتَأَبِّضات … وفي الأقْران أَصْوِرَة الرَّغام
وأما قولهم: فعله على رَغْمِه، فمعناه على غضبه ومساءَته، يقال: أرغمتُه إذا أغضبته، قال المرقّش:
مَا ذَنْبُنَا فِي أَنْ غَزَا مَلِكٌ … مَنْ آل جَفْنَة حَازِمٌ مُرغَمْ
أي مُغضب والرِّغم: المذلَّة والهوان، قال أبو خِراشٍ الهُذَليّ:
مَخَافَةَ أَنْ أَحْيا بِرَغْمٍ وَذِلَّةٍ … وَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ حَياَةٍ على رَغْم
شرح المشكل في شعر المتنبي
شابَ من الهجر فرْقُ لِمَّتِهِ … فصار مثل الدِّمَقْسِ أسْودُها
وفي هذا البيت ثَرْمَلَة صنعة، قال: (فَرقْ لمِته) فخص جزءاً من اللمة ثم قال: أسودُها، فعَمَّ، لكن قد يجوز أن يعود الضمير إلى الفرق، وإن كان الفرق مذكراً، لأن المذكر إذا كان جزءاً من ذات المؤنث جاز تأنيثه.
أنشد سيبويه:
وَتَشْرَقٌ بالقول الذي قَدْ أذعْتَهُ … كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدَّمِ
وقد يجوز أن يريد بياض اللمة كلها، وخص الفَرْقَ، لأنه معظم الرأس، تم أعاد الضمير إلى اللِّمة. وإنما وجهُ استواء الصنعة لو اتزن له، وحسُن في القافية أن يقول:
شابتْ من الهَجْر لِمَّتُهُ … فصار مثل الدمَقْسِ أسودُها
أو يقول: (أسودُه) بعد قوله (لِمتَّه) وأسودُها هنا: ليست مفاضلة، إذ لو كان ذلك، لكان أشد سواداً
وقد يجوز أن يكون أراد المفاضلة، فقد جاء ذلك شاذاً، فقوله أسودها بريد به مُسوَدها كما يقول: هو أسود القوم أي الأسود فيهم.
) كيف يحيك المَلامُ في هِمَمٍ … أقربُها منك عَنْكَ أَبعْدُها)
كيف يكون أقرُب شيء أبعدَ شيء! هذا خُلْفٌ إذا حُمل على ظاهره لكن لو قال: أقربها منك بعيد عنك، كان حسناً، ولكن الذي أراده: أقربها عندك مثل أبعدُها. فالجملة في موضع الصفة لهمم. أي أقربها منك عندك أبعدُها منك على الحقيقة.
) أَحْيَيْتُهَا واّلدُّموعُ تُنْجِدُنى … شُئُونُها والظَّلامُ يُنْجِدُها)
أحييتها: يعني الليالي. تنجدنى: تعيننن. والشؤن: مجارى الدموع، واحدها شأن. أي أحييت الليالي بالسهر والبكاء.
ومعنى البيت: إن شأن الدمع أن يخفف الحزن، كقول البحتري:
إن الدموع هي الصبابة فاطرحح … بعض الصبابة واسترح بهمومها
وهذا مثير في أشعار العرب. وهو عندنا موجود بالمشاهدة، فكأن الدمع يعينه على طول الليل، وإعانة الدمع للمحزون على الحزن ليلاً، أجدى من إعانته عليه إياه نهاراً، لأن المحزون يتسلى نهاراً بما يتأمله، وينظر إليه، والظلام يقصر الطرف عما يتشاغل به المحزون نهاراً، فيفرغ الحزين عند ذلك إلى الدمع، لا يجد مُعيناً غيره. قال:) والظلام ينجدها (أي أن الظلام إذا قَصَر الطرف عما يتشاغل به المحزون، زاد الليل بذلك طولاً. فكأن الظلام أنجد الليل عليه بقَصْره طرفه عن النظر إلى ما يتشاغل به. ولذلك قال الشاعر:
بلى إن للعينين في الصبح راحة … لطرحيمها طَرْفيهما كل مَطرَحٍ
وقوله: (والدموع تنجدني) جملة في موضع الحال من التاء في أحييت.
وقوله: (والظلام ينجدها) جملة في موضع الحجال من الهاء التي في أحييتها، أي أحييت الليالي وأنا تنجدنى دموعي بالتسلية، وهي ينجدها الظلام بالتطويل لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *