عندما نتناسى كل الهزائم بانتصارات وهمية ويغزو شعوبنا شر العصبية إبراهيم بيدون

انتصرت الجزائر على مصر، وتأهلت لشيء يخص العالم، فغضب شعب البلد المصري وأزته بعض الانفعالات المتهورة من بعض الجزائريين، فقابل ذلك بغضبة وصلت سدة الحكم، وزين شرّها الإعلاميون وأهل التمثيل والمغنى، بل وخرج العديد من أفراد الشعبين في مظاهرات، أخطرها ما كان في مصر حيث تم اعتبار خسران التأهيل، بمثابة مس بالسيادة المصرية..
هذا الانتصار لا يعدو انتصارا في مباراة لهو تسمى كرة قدم تأهل بعد فوزه على أشقائه المنتخب الجزائري لإقصائيات كأس العالم.. وقد يكون أول الفرق مغادرة لجنوب إفريقيا البلد المنظم للنهائيات.
الأحداث التي تلت المباراة والتي اتسمت بالاحتراب والاقتتال وما شابها من سباب وشتائم وطعن في الأعراض والأنساب، وهذا الاستغلال من طرف النظامين لحدث لا يعدو في النهاية أن يكون لهوا ولعبا، كل ذلك يمكن اعتباره مؤشرا على أن شعوب الأمة الإسلامية صار همّها وشغلها الشاغل مثل هذه التفاهات، حيث تخرج الجماهير لتهتف بالنصر الكروي، وتنسى قضاياها الكبرى التي انشغلت عنها بالدنيا، وباللهو واللعب، وتستعيض بذاك النصر التافه على النصر الحقيقي، الذي نرجع به عزتنا ومجدنا الذي فقدناه يوم تخلينا عن تسييد الشرع، وإسلاس القياد للحق سبحانه وتعالى..
نسي أهل مصر والجزائر ما تعيشه الأمة في بقاع شتى من العالم الإسلامي، حيث الشيوخ والنساء والأطفال والأسرى يذبحون ويقتلون، حيث أهل غزة يبادون، حيث النساء تهتك أعراضهن، حيث القرى الأفغانية تقذف بالطائرات الصهيو-أمريكية، وحيث المسلمون ببلاد الغرب يهانون وتداس كرامتهم..
لقد فقدت الأمة الإسلامية صورة البطل الحقيقي الذي كان يتجسد زمن العزة والمجد والسيادة وقبل الاحتلال الفكري للغرب وقيمه الممسوخة، في العالِم الذي ينير للناس طريقهم للجنان، ويعلمهم عبادة الرحمن، وفي القائد الذي يقود المسلمين للنصر من أجل إعلاء كلمة الله، أو من أجل رد صائل العدو الذي يغير منار الأرض التي خلقت مسجدا وطهورا للصلاة والعبادة، أو من أجل نشر عدل وأخلاق الإسلام..
ليصير البطل في زمننا مع الثقافة والفكر المتشبعين بالقيم الغربية العلمانية المادية في الفنان والممثل والمغني، ولاعب الكرة الذي يهز القلوب الخواء بلعبه، بعد أن كان البطل يشرق نوره حيث بلغ اسمه وفضله!!
تلك الحروب والصراعات التافهة القائمة على العصبية للفرق الكروية ليست حاصة بمصر والجزائر، فحروب وشغب الملاعب الكروية تعمر الملاعب الرياضية المغربية، وكثيرا ما يتم الصراع بين جمهوري الفريقين، وليس عنا ببعيد ما وقع بين الجمهور الودادي والجمهور الرجاوي الذين يتشكل أغلبهما من سكان المدينة نفسها، بل تكاد تجد البيت الواحد منشطر في التشجيع بين الفريقين، وكم تكون الساعات عصيبة والأمن في أوج استعداده يوم يلتقي الفريقان، خشية قيام حرب داحس والغبراء ، حيث يغبر الجو، ويدهس الأخ أخاه، والجار جاره، والرجل بلديه..
بل لقد صار الكثير من الشباب المغربي، بدل التعلق بما ينفعهم والإعراض عن هذه العصبية -التي استبدلت النخوة والقوة في مقابل العدو، ليمارسوها على إخوتهم-، يتعصبون للفرق الغربية حتى انقسم غالب جمهور المقاهي بين مشجع لفريق “البارصا” ومشجع لفريق “ريال مدريد”، وأعرضوا حتى عن فرقهم المحلية، لأن التفاهة لا تعلم التعلق بالهوية والوطنية، بل تجعل الهم تحقيق الانتشاء بنصر مخذول ليس للمرء فيه حظ سوى الوقت الذي ضيعه، ولربما وجد نفسه بالمستشفى بعد صراع محموم بين جمهور الفريقين، تصير فيه كراسي وموائد المقاهي آلات حرب..
لقد نهى الشرع الحنيف عن العصبية مهما كان نوعها لما تؤدي إليه من نتائج ومآلات سلبية، تهدم أصولا جاء الإسلام ليقررها وعلى رأسها أصل الوحدة والاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف، بل لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة رضوان الله عليهم أن يتركوا التعصب لاسم المهاجرين والأنصار رغم الفضل المكتوب لهما، بعد أن تنادى بهما صحابيان أرادا الاستنصار والاستقواء بعصبتهم من أجل الصراع والفرقة، فنادى المهاجري: “يا للمهاجرين”، ونادى الأنصاري: “يا للأنصار”، فكان حق هذه العصبية الزجر والتحريم، إذ قام النبي المختار صلى الله عليه وسلم فصاح فيهما قائلا: “أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم؟ ذروها فإنها منتنة” رواه البخاري، فاعقل يا من يحرص على اجتماع الصفوف ووحدة القلوب على نبذ العصبية أيا كان سببها، فإن خطرها عظيم، وهي مدعاة المنازعة، وجزاء المنازعة الضعف والفشل، قال المولى سبحانه وتعالى: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”.
كل هذا أجج وجدان الشاعر والأديب عبد المجيد آيت عبو لينظم لنا هذه القصيدة التي تصف تداعيات ما آل إليه الأمر بين البلدين الشقيقين، الذين نسيا في غمرة قوة انتشار ثقافة الانتصار الفارغ، أواصر الأخوة والمحبة والإيمان، فأين نحن اليوم من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرر لنا بعضا من سلوكيات المؤمن تجاه أخيه المؤمن، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا” وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، “بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ” أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. ولأترك القارئ الكريم مع الشاعر عبد المجيد آيت عبو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *