إعداد: خالد شيري
الكلمة الطيبة
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.
ألم تعلم -أيها الرسول- كيف ضرب الله مثلا لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بشجرة عظيمة، وهي النخلة، أصلها متمكن في الأرض، وأعلاها مرتفع علوًّا نحو السماء؟
{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
تعطي ثمارها كل وقت بإذن ربها، وكذلك شجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن علمًا واعتقادًا، وفرعها من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية يُرفع إلى الله وينال ثوابه في كل وقت. ويضرب الله الأمثال للناس؛ ليتذكروا ويتعظوا، فيعتبروا.
{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.
ومثل كلمة خبيثة -وهي كلمة الكفر- كشجرة خبيثة المأكل والمطعم، وهي شجرة الحنظل، اقتلعت من أعلى الأرض؛ لأن عروقها قريبة من سطح الأرض ما لها أصل ثابت، ولا فرع صاعد، وكذلك الكافر لا ثبات له ولا خير فيه، ولا يُرْفَع له عمل صالح إلى الله. (التفسير الميسر).
فضل علوم البلاغة
إنّ أحقّ العلوم بالتعلّم، وأولاها بالتحفّظ- بعد المعرفة بالله جلّ ثناؤه- علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة، الذى به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى، الناطق بالحقّ، الهادي إلى سبيل الرّشد، المدلول به على صدق الرسالة وصحّة النبوة، التي رفعت أعلام الحقّ، وأقامت منار الدّين، وأزالت شبه الكفر ببراهينها، وهتكت حجب الشكّ بيقينها.
وقد علمنا أنّ الإنسان إذا أغفل علم البلاغة، وأخلّ بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصّه الله به من حسن التأليف، وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللطيف؛ وضمنّه من الحلاوة، وجلّله من رونق الطّلاوة، مع سهولة كلمه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها، وتحيّرت عقولهم فيها.
وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب عنه، وقصورهم عن بلوغ غايته، في حسنه وبراعته، وسلاسته ونصاعته، وكمال معانيه، وصفاء ألفاظه. وقبيح لعمرى بالفقيه المؤتمّ به؛ والقاري المهتدي بهديه، والمتكلّم المشار إليه في حسن مناظرته، وتمام آلته في مجادلته، وشدّة شكيمته في حجاجه؛ وبالعربي الصّليب والقرشي الصريح ألّا يعرف إعجاز كتاب الله تعالى إلّا من الجهة التي يعرفه منها الزّنجي والنّبطي، أو أن يستدلّ عليه بما استدلّ به الجاهل الغبيّ”.
سحر البيان
الصبر
يقال الصبر أوكد أسباب الظفر. وقال بعض العلماء: الصبر جنة المؤمن وعزيمة المتوكل وسبب درك النجح في الحوائج. فمن وطن نفسه على الصبر لم يجد للأذى مسا. ومن استعف بالله عفه. ومن استعان به يعنه ولن تجدوا حظاً خيراً من الصبر. وقال حكيم: تابع الصبر متبوع النصر .
وقال أبو تمام:
إذا اشتَمَلَت على اليأس القلوب … وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت … وأرست في مكامنها الخطوب
فلم تر لانشكاف الضر وجها … ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منه غوث … يمن به اللطيف المستجيب
فكل الحادثات وإن تناهت … فموصول بها فرج قريب
” مجاني الأدب”
سلسلة أشهر القصائد
لامية السموءل
هذه قصيدة السوءل بن عادياء الذي يضرب به المثل في الوفاء. يفخر فيها بقومه وما لهم من العز التليد والأخلاق الكريمة، ويعرض بهجاء بني عامر وبني سلول. وهي من أجمل القصائد العربية تتميز بلغة سهلة وأسلوب متين مع القصر ووحدة الموضوع الشيء الذي لم نعهده في قصائد الشعر الجاهلي، لذلك رأيت أن أثبتها هنا كاملة. يقول:
إذ المرءُ لمْ يدنسْ من الُّلؤمِ عرضهُ … فكلُّ رداء يرتديهِ جميلٌ
وإن هوَ لمْ يحمل على النَّفسِ ضيمها … فليسَ إلى حسنِ الثناءِ سبيلُ
يعيرنا أنا قليلٌ عديدنا … فقلت لها إنّ الكرامَ قليلُ
وما قلَّ من كانتْ بقاياهُ مثلنا … شابٌ نتسامى للعلا وكهولُ
وما ضرَّنا أنا قليلٌ وجارنا … عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذليلُ
لنا جبلٌ يحتلهُ منْ نجيره … منيعٌ يردُّ الطَّرفَ وهو كليلُ
رسا أصلهُ تحتَ الثرى وسما بهِ … إلى النجمِ فرعٌ لا ينالُ طويلُ
هوَ الأبلقُ الفردُ الذي شاعَ ذكره … يعزُّ على منْ رامهُ ويطولُ
وإنا لقومٌ لا نرى القتلَ سبّةٌ … إذا ما رأتهُ عامرٌ وسلولُ
يقربُ حبُّ الموتِ آجالنا لن … وتكرمهُ آجالهمْ فتطولُ
وما ماتَ منّا سيّدُ حتفَ انفهِ … ولا ظلّ منا حيثُ كان قتيلُ
تسيلُ على حدّ الظُّبات نفوسنا … وليستْ على غيرِ الظَّباتِ تسيلُ
صفونا فلم نكدرْ وأخلصَ سّرنا … إناثٌ أطابتْ حملنا وفحولُ
علونا إلى خيرِ الظُّهور وحظنا … لوقت إلى خيرِ البطونِ نزول
فنحن كماءِ المزنِ ما في نصابنا … كهامٌ ولا فينا يعدُّ بخيلُ
وننكر إن شئنا على الناس قولهم … ولا ينكرون القولَ حين نقول
إذا سيدٌ منّا خلا قام سيدٌ … قوولٌ لما قال الكرامُ فعول
وما أخمدتْ نارٌ لنا دون طارقٍ … ولا ذمّنا في النازلينَ نزيلُ
وأيامنا مشهورةٌ في عدّنا … لها غررٌ معلومةٌ وحجول
وأسيافنا في كلَ شرقٍ ومغرب … بها من قراعِ الدَّارعينَ فلول
معوَّدةٌ ألا تسلَّ نصالها … فتغمد حتى يستباحَ قبيلُ
سلي إن جهلتِ النّاس عنّا وعنهم … فليسَ سواءٌ عالمٌ وجهولُ
فإن بنى الدَّيَّانِ قطبٌ لقومهمُ … تدورُ رحاهم حولهمْ وتجولُ
فسحة الواحة
قصيدة هزلية بعنوان
يوم الإمتحان
شعر: خالد شيري
للغشاش أمَانٍ أعظم من الجبال، لكنه يوم الامتحان يريد أن يرتقي إليها بخيوط العنكبوت، كلما تشبث بأحدها خذله وأسلمه للآخر، حتى يسلمه آخرها للخزي والعار.
أهْـلاً بيـوم الامتحـان ومَرْحبا….. قـد أشرفَـتْ أيَّامـه وتأهَّب
أظهـرتُ تَرْحِيبي بِبَسْمةِ كاذبٍ….. مُتجلِّدا والسَّيْلُ قدْ بَلَـغَ الزُّبَـى
لكـنْ قَطَعْـتُ حِبال يَأْسِي بالمُنُى….. لولا المُنى شَقِيَ السَّعيد وعُذِّب
يُرجُى السَّقيم ما سرى في صَدْرِه….. رَمَـقٌ وقَبْـل مَوْتَِهِ لـنْ يُنْدَبَ
إنِّـي بِنَظْـرَةِ لَوْذَعِـيٍّ أجْتَنِـي….. فِكْرَ الكِتَـابِ وأُثْبِتُ المُـتَقَلِّبَ
باسـم الإلـهِ فَتَحت أوَّل دِفتـر….. ونَفَضْتُ عَنْـهُ غُبـارَهُ مُتَأَدِّبَا
أمَـلِي بَعِيـدٌ يا حِسابُ وفَتْحُكَ….. فَتْحٌ عَليْنَـا يا حَكيمًا مُجْتَبَـى
يَمَّمْتُـهُ فـإذا الطَّـلاسِمُ عُمِّيَتْ….. كَحُرُوزِ دَجَّالٍ بَنَـتْ لِتُخَرِّبَ
أرْقَامُـهُ كَسُيُوفِ حَرْبٍ شُبِّكَتْ….. رَمْـزٌ نَحَا شَرْقـًا وَآخَرُ غَرَّبَ
فَصَـرَفْتُ هَمِّي لِلكلام الأعْجمي….. عَزْمًا فَفَكُّ سِحْـرِه لنْ يَصْعُب
لمَّا قـرأتُ مُحـاذِرا تَصْحيفـه….. ألْفَيْـتـه تَغَمْغُـمًا مُـتَشَعِّبَا
فَقُلـت مَالِـي والرَّطَانَـةَ إنَّنِـي ابْنُ حَضَـارَةٍ عَرَبِيَّـةٍ لـنْ تُغلب
هَـاتِ العُلـوم أصَالـةً ورَصَانَة….. مَيْسُورَةً لِلألْمَـعِـيِّ وَأقْـرَبَ
أخَذْتُهَا فَـإِذَا هِيَ الصَّفَحَاتُ لَوْ…. مَضَى الدُّجى في عَدِّها لن تُحْسَبَ
يا وَيْلَتـي مَنْ للمصيبـة من لها …..أَأصيـرُ من دون السِّلاح مُحاربا
ذَكَـرْتُ والخُطُـوبُ مُدْلهِـمَّـةٌ….. خِلاًّ قـديما للأمُـورِ مُجـربا
إبليـسَ يلبـسُ ثَوْبَنَـا وحَيَّـةً….. إذا الْتَـوَى وحيثُ راغَ فَـثَعْلَبَا
قَصَدْتُـهُ مُسْتًـنْجِـدًا لِيَـمُدَّنِي …..مِن مَكْرِهِ حِيَلاً تُسَوِّي الأَصْعَبَ
قـال السُّعود أتَتْـكَ حينَ أتَيْتني….. هيهات إن تبِعْتَـني أن تَـرْسُبَ
فجـاءَني بِتَمَـائمٍ كأنَّـما….. خَـطَّ الـذُّرى حُـرُوفَـهَا ورَتَّبَ
مَطْويَّـةٌ وإذا الجَـوانِحُ مُدِّدَتْ….. ألْـفَـيْتَ سِفْرًا جَامِعًا قَدْ هُذِّبَ
يـا فَـرْحَتي بَعد الشَجا يا فرحتي….. حَلَّ الشَـذَا بِسَاحتي وتَطَرَّب
وفـي الصباح قَصَدْت فَصْلِي زاهِيا….. مُتَبَخْتِـرًا في مِشْيَتِي مُتًطَيِّـبَا
جلسـت جِلسة واثِـقٍ فـي جَيْبِهِ….. فتَميمَتِي بهـا انْجَلى ما غُيِّب
طُرِحَـت مسائلُ ليس لي قِبَلٌ بها….. عَوِيصَـةٌ وهَوَى الجَمِيعُ لِيَكْتُبَ
فنَزَعْـتُ سَيْفـي صارمًا مِنْ غِمْدِهِ….. مُتَأنِّيًا فـي نَزْعِـهِ مُتحَسِّبا
ثـمَّ انْحَنَيْتُ أجولُ في غَمْرِ الوغى….. إذا يُبَارِزُنِي سُـؤالٌ كُبْكِـبَ
حتى انْجلى غُبارُ مَعْركتي بصَرْخَةٍ….. كصَـوتِ هِزَبْـرِ غَابٍ أُغْضِبَ
فـإذا المُراقِـبُ عِنْدَ رَأسـي قائِمٌ….. بِسَوْطِهِ مُؤَدِّبـًـا وَمُؤَنِّبَــا
فسَـاقَنِي حتـى انْتَهَى بي خَارِجًا….. وَكُنْتُ ثَعْلَبًـا وكـانَ عَقْرَبَا
وبِـبَـيْتِـنَا لِلْغاضِبِينَ سِيَاطُهُمْ….. لاَ أُمَّ تَرْحَمُكَ الغَـدَاةَ ولاَ أبَـا
يا لَلْحِـوارِ ضاعَ فِي زَمَنٍ الرَّدى….. ألاَ تَـرَوْنَ سِوَى السِّيَاطِ مَذْهَبَا