شرح المشكل من شعر المتنبي

(فإذا نَوتْ سفراً إليك سَبَقْتَها … فَأضَفْتَ قبل مُضَافِها حَالاَتها)
هذا البيت متعلق بهذا البيت الذي قبله: أي أن الرجال إذا نوت سفراً إليك سبقتها بإضافتك أحوالها، قبل إضافتك إياها. وإضافته لحالاتها قبوله لها بجسمه، لأنه في ذكر المرض، عَرَض، والعرض يطلب محلاً ومحله الجسم، ويشبه ذلك قوله بعد هذا:
(ومنازل الحُمى الجسُومُ فقتل لنا … ما عذرها في تركها خيراتها)
أي إذا كانت الأمراض أعراضاً، ولم يكن للعرض بد من جسم وأمكن العرض جسمُك الذي هو خير الجسوم، فكيف يعذر على تركه.
(فاليومَ صِرتُ إلى الذي لو أنه … مَلَكَ البرية لا سْتَقَل هباتها)
هذه الهاء في موضع المفعول به، أي لا ستقل أن يهبها لعالم آخر، فكان يجب على هذا أن يقول: لاستقل هبتها، لأن الهبة هنا المصدر، لا الموهوب ولكنه جمع المصدر، لأنه عنى به الموهوبين، ولأنه مصدر متنوع، لأنه كان يهبها فُرادى ومثنى، وما زاد على ذلك من الكم، فقد تنوع المصدر باختلاف الأعداد، فاستجاز الجمع لذلك.
(مُسْتَرخَصُ نظر إليه به … نَظَرَتْ وَعثَرةُ رِجلهِ بدياَتها)
(ما به نظرت): يعني أعين البرية، أي أن النظر إليه رخيص بأعينها يعني بفقدها الأعين، وكذلك عثرة رجله لو اشتُريت بديات البرية لكانت رخيصة.
وله أيضا:
(وَتركُكَ في الدُّنيا دَويا كأنما … تَداوَل سَمْعَ المرء أمْمُلهُ العشرُ)
يعني لا يسمع شيئا، كقول النابغة: (وتلك التس تستك منا المسامعُ) والدوي: الصوت، وهذا البيت مضمن بما قبله، أي إنما المدُ السيوف، والفتكة البكر، وأيام حرب يُسمع لها من اجتماع الأصوات المختلطة الواصلة إلى الآذان، مثل صوت البحار الذي يسمعه الإنسان إذا إطبق أذنيه بأنمله.
والأنمل هنا: الأصايع، واحدتها أنملة، من باب تَمْرة وتمر، وليس بتكسير أنملة لأن هذين البناءين إنما يكسران على (أفاعل)، وقوله (تداول سمع المرء): يجوز أن يكون السمع اسما للأذن، فلا يحتاج في هذا القول إلى حذف، ويجوز أن يكون السمع هنا: الحس لا الجوهر الذي يُحسن به، فإذا كان ذلك، فلا بد من حذف، كأنه قال: تداول موضع سمع المرء وإلى هذا ذهب أبو علي في قوله تعالى: (خَتَم اللهُ على قلوبِهم وعَلَى سَمْعِهم) وجهة على الوجهين جميعاً.
(إذا الفَضلُ لم يرْفَعْك عن شُكر ناقصٍ … عَلَى هبةٍ فالفضلُ فيَمنْ لَه الشُّكْرُ)
أي إذا اضطرت إلى ناقص فتفضل عليك فشكرته فقد حصل الفضل لذلك الناقص فمن الحق أن تتحامى رجاء الناقص، لئلا يتيح لك فضلا منه عليك، فيكون الفضل له، وقال: (الفضل فيمن له الشكر) أي: الفضل للشاكر لا للمشكور، لأنه يُشرف هذا الناقص بشكره، أو بنفعه به.
وصايا الملوك
وصية ثعلبة بن مازن
فيقال: إن حارثة بن امرئ القيس ولي الأطراف والثغور في حياة أبيه وبعد وفاته في طاعة الملك جشم بن عبد شمس وفي طاعة الملك عمرو بن عبد شمس وفي طاعة الملك الفظاظ بن عمرو بن عبد شمس.
ويقال: إن حارثة بن امرئ القيس عمر ثلاثمائة سنة ونيفاً وثمانين سنة.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وصى ابنه عامر بن حارثة فقال: “من البسيط ”
يا عَامرَ الخيرِ إنِّي قد وَهَي بصري … ورابِني ما يَريبُ المُسترِبينا
ورابني ما يَرِيبُ ابن الثَّلاثةِ من … عد المئاتِ الخواليْ والثَّمانِينا
قُلِدتُ أعمالَ أسلافي وقُلِّدها … قبلي أبي للَّهَاميمِ الأغرِّينا
فاثبُتْ على كُلِّ ما أُوصِي إليكَ وما … قد كانَ قِدماً بِهِ الآباءُ يُوصُونا
لا تعدُ عن طاعةِ الفظَّاظ إنَّكَ ما … لم تعصِهِ لم تخف …
لمْ يَعْصِ آباؤُنَا آباؤهُمْ ولقد … كانُوا لآبائنا قِدماً مُطِيعينا
إنَّا نُجِيبُ بنَي أعمامِنَا وهُمُ … إذا دعونَاهُمُ يوماً يُجيبُونا
نُعِزُّهُمْ فيُعِزُّونَا وننصرُهُمْ … فيَنصُرُونَا ونِكفيهمْ فَيَكفُونَا
نسعى لهُم بين أيديهِمْ إذا نَهَضُوا … وإن نَهَضنا يكُونُوا بينَ أيدِينَا
إذا مَضَى سيِّدٌ مِنَّا يقومُ لَنَا … مقامهُ سيِّدٌ لَمْ نَعدُهُ فِينَا
يحكِي أواخِرُ أقواميْ أَوائِلهُمْ … وإنَّ من بَعدنَا مِنَّا سَيَحكِينَا
يا عامِرَ الخيرِ لا تَنسَى الوصاةَ وكُنْ … بعدِيْ لِقومِكَ منْ خَيرِ المُوَصِّينا
أمثال العرب
هذا حظّ جدّ من المبناة
زعموا أن رجلا من عاد كان لبيبا حازما يقال له جدّ نزل على رجل من عاد وهو مسافر فبات عنده، ووجد عنده أضيافا قد اكثروا من الطعام والشراب قبله، وإنما طرقهم جد طروقا، وبات وهو يريد الدلجة من عندهم بليل، ففرش لهم رب البيت مبناة والمبناة: النطع- فناموا عنده، فسلح بعض القوم الذين كانوا يشربون، فخاف جد أن يدلج فيظنّ ربّ البيت أنه هو فعل، فقطع حظه من النطع الذي نام عليه، ثم دعا رب المنزل حين أراد أن يدلج وقد طواه فقال: هذا حظّ جدّ من المبناة «1» ، فأرسلها مثلا، يقول انظر إليه ليس فيه شيء مما تكره.
وقد ذكرته العرب في أشعارها، وقال مالك بن نويرة:
ولما أتيتم ما تمنّى عدوّكم … عدلت فراشي عنكم ووسادي
وكنت كجدّ حين قدّ بسهمه … حذار الخلاط حصّه بسواد
وقال خراش بن شمير المحاربي:
ألا يتقي من كاس إن ضاع ضائع … وكلّ امرىء لله باد مقاتله
فيأثر بالتقوى ويحتاز نفسه … إذا بادر الميقات حينا يغاوله
كما احتاز جدّ حظه من فراشه … بمبراته في أمره إذ يزاوله
خيل بني وائل
خيل بني ذهل بن ثعلبة
وكان لمؤرج فرس يقال له: الظليم، وهو الذي طرد عليه النعمان بن زرعة يوم ذي قار، وله يقول:
وأفلتنا النعمان فوت رماحنا … وعند قطاة المهر أسمر لهذم
فوت الرماح: قدامها قليلاً، يقول: فاتها ولم تتباعد. والقطاة من الدابة: موضع الردف.
وكان فرس عبد عمرو بن راشد بن جزء بن كعب يقال له: هيدب. وكانت امرأته حذام بنت قيس بن صفارة بن خزاعي بن الأعور بن سدوس عذلته في إيثاره إياه فقال:
لحت في هيدب أصلاً ولولا … علالة هيدب عامت حذام
وكان فرس خزز بن لوذان بن عوف بن سدوس يقال له: الغراف، وفيه يقول:
لا تذكري مهري وما أطعمتها … فيكون لونك مثل لون الأجرب
ويروى: مثل جلد الأجرب. وفيه يقول:
ويكون مركبك القعود وحدجه … وابن النعامة عند ذلك مركبي
قال أبو عبد الله: وهو الغراف ابن النعامة، وكانت النعامة لخزز بن لوذان.
حسان بن مسلمة بن الخزز بن لوذان، فرسه يقال لها: الغشواء وفيها يقول:
علام حبستم الغشواء فيكم … تلوح كأنها الشعرى العبور
فريق منعم منكم لديها … وآخر عندها غلق عسير
فرس أُبي بن واثلة بن لأي بن عوف: زياد، وأمه: بلعاء، وهو الذي اشتراه بعشرة آلاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *