هو أبو المواهب العالم الأديب السلطان عبد الحفيظ بن الحسن بن محمد بن عبد الرحمن العلوي، سلطان المغرب من 1908 حتى 1912م، ولد بفاس سنة 1280هـ ونشأ وترعرع بقبيلة بني عامر (في الجنوب الغربي من مراكش) وهو من أكابر علماء وأدباء المغرب، بويع له بالحكم سنة 1325هـ فقضى فيه خمس سنوات، ثم تنازل عن العرش لأخيه مولاي يوسف، وذلك بعد أن وقع معاهدة الحماية مرغما للفرنسيين عام 1330هـ، ثم بعد ذلك أقام بالمهجر بين فرنسا وإسبانيا إلى أن توفي بباريز بعد زوال يوم الأحد 22 محرم 1356هـ موافق 4 أبريل سنة 1937م، ونقل جثمانه لبلاده المغرب، حيث دفن في مهرجان كبير، ورثاه عدد من الشعراء من ضمنهم العلامة سكيرج بقصيدة قال في مطلعها:
دمع أفاضته عيني بعدما جمدت *** ونار قلبي ثارت بعدما خمدت
الله في مهجتي فقد ألم بـهــــــــا *** عن بغتة ألم وصبرها فقــــدت
وللسلطان عبد الحفيظ رحمه الله تآليف كثيرة منها: السبك العجيب في نظم مغني اللبيب، الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع، العذب السلسبيل في حل ألفاظ خليل، كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع (في الرد على بعض المتصوفة وذم البدع)، نظم مصطلح الحديث، ياقوتة الحكام في مسائل القضاء والأحكام (نظم)، نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح (نظم). انظر ترجمته في الدرر الفاخرة لابن زيدان ص 118 وفي الأعلام للزركلي ج 3 ص 277.
عامله الاحتلال الفرنسي بمنتهى الغلظة والفظاظة وعدم احترام شخصيته بعد فرض معاهدة الحماية عليه فرضا كما قال الكاتب الفرنسي بول بوتان في كتابه (مأساة المغرب) قال: “لقد فرضنا المعاهدة على السلطان فرضا”، فلو رضي السلطان عبد الحفيظ بالحماية وركن إلى فرنسا واطمأن إليها لناله منها خير كثير.
وهذه المعانات عبر عنها في رسالة أرسلها إلى السيد أحمد الرهوني وهذا نصها:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه محبنا الأعز الأرضى الفقيه العلامة الأحضى وزير العدلية بالثغر التطواني السيد أحمد الرهوني، سلام عليكم ورحمة الله.
“وبعد فقد تعين إعلامك بأن موجب مفارقتنا ثغر طنجة عندما ظهرت الحرب الأرباوية القساوة التي عوملت بها، والإهانات التي تجرعت غصصها، ولم أزل مدة الانتقال من ذلك الثغر أتجرع ألم الهجرة، لأن شأنها عظيم، وأنتظر انفراج الأزمة بانتهاء الحرب الأورباوية، ولما انتهت وخلصت قابت من قوب، وظن كل مبتل أن الفرج مرقوب، بادرنا بالكتب لرجال الدولة الجمهورية أسألهم السلم والصفح عن الذنب الذي ما اقترفناه، بتركهم سبيل أهلنا ليمكن لنا نقلهم للشام أو مصر لقربهما من الحرمين الشريفين، والتخلي عن أموالنا وحقوقنا، فلم يفتح الله بشيء، فجددنا الطلب مرارا فأجبنا شفاهيا لا كتابة بقبول العفو على شرط سكناي بباريز، فأجبناهم باستحالته شرعا، ومنافاته لقصدنا الأول من التخلية عن الملك، لا نالم نحد عنه إلا للتمتع بكمال الحرية، فلم يلق جوابنا آذانا مصغية، فطلبنا منهم رفع المسألة للشرع، فرفض قبول حكم الرفع، ومن ذلك تبين لي أنني أنفخ في غير ضرم، وإن سعيي لا يأتي إلا بما هو أطم، ثم وجهنا على أبنائنا بقصد صلة الرحم معهم، فأجبنا بالمنع، فظهر من ذلك أنهم أسارى وإن كانوا في غير حرب، وبموجبه قطعت المسنونة التي أوجهها لكم حتى يتبن هل هم أهل أم لا، ونفدت لهم من الدراهم التي استحقها بكوني من العائلة الملوكية وبالمواجب الشرعية النصف ليكن لهم معه المعيشة.
وأشهدكم وليبلغ الشاهد الغائب، لأن الله جعلكم “أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”، إنني ما أتيت بجريمة شرعية توجب استحلال مالي، ومفارقة أهلي، وتركي عرضة للضياع، لأني أقر لله بالوحدانية، ولرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة وكمال التبليغ، وفي الحديث: “فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها” وإني أحفظ حق القيام بالطلب فيما أخذ مني قبل وبعد، لأن سيادتكم كانت تسمع في التصريح بعدم القبول عند الإشهاد على البيع وأبرأ من كل دعوى تجعل سلما لمنعي ما ذكر.
وسأكتب لسائر المسلمين بالأنحاء بشرح هذه القضية، والقصد بيانها لا النكاية أو حب الانتقام، لا أنا أهل البيت وكل بنا البلا، كما علمتم، لأن الجامعة الإسلامية والأخوة الدينية تلزمني بالتصريح دون التلويح، وتبيح لي إظهار ما كان السبب في مفارقتي الأهل من غير ذنب يبيح، وأعلمناكم لئلا يبلغكم الخبر على غير وجهه ممن لهم الغرض في تحريف الكلم عن مواضعه وعليكم السلام ورحمة الله. في 27 ذو الحجة 1338-عبد الحفيظ.
وله رحمه الله عدت قصائد منها لسع العقارب والأفاعي في رد إفشاء من كان خبيث المساعي التي أرخ فيها موقفه شعرا من العدو الفرنسي الغاصب حيث قال رحمه الله:
تذكرت الديار ديار ليلى وأحنوا للوصال إذا بعيني يهيجني تباعد كل خل متى رمت التلذاذ بعد هذا وإذا ما رمت نأيا من رباها ينهنهني تذكر نجل أضحى أنفسي هل رضيت بذل خزي وهل أضناك بالتذكار حب ولم أعهد طبيعتك التصابي وعهدي أن نفس الحر تهوى وتأبى الملك في أرض بذل فلم يرضى السري نقيض هذا فمن يهوى الركون لأرض ذل أجابت بالبدار عقيب هذا ألم تسمع مقالة أهل جحد بأنك بائع الأحرار ظلما ففاض الدمع بالتسكاب فيضا فإن أبتغ بملك ربح بذل
|
|
|
فهام الدمع بين الوجنتين ترى الأنوار شبه الظلمتين وأحرى نخبة بالروضتين يهيم القلب وجدا كرتين وقلت الصبر عند الصدمتين ضجيع الأرض بين الجدتين منوط حكمه بالكابتين وهل أغراك شجو الباعثين ولا الإفراط عن الرحلتين مناخ العز إرث الماجدين ولو كانت مقر الوالدين وإلا فانتهاج القارظين خليق أن يؤب بخيزتين أترضى أن تؤب بخسرتين بناد رافض للأطيبين بإفشاء لأردى الناقلين بمقلتين لي نضاختين إذن يدعى رجوعي بالحنين |
وقال في قصيدة أخرى:
لا مرحبا بديار فوقها علم أبان شرا وأفشى الفحش بينهم
لا بارك الله في أرض بها قطنوا ولا سقى الغيث ربعا فيه حكمهم
لا خير في العيش في الأصقاع قاطبة إذا تأمر في العلياء منتقم
أنى تكون لهم في الأرض مكرمة وبيت مجدهم في العز منهدم
وله أيضا:
كم لي أجادل عن ذا الحي من ناس وكم طغى من أقوال أجناس
وكم علتني كروب كنت أحسبها في قلب نفثة وسواس وخناس
وكم سقتني أهيل البغي من علل لم يستطع دفعها في الحال من آس
ماذا عليهم إذا ما الحب خامرني وهل علي عاشق المختار من باس
وله رحمه الله:
يا سطوة الله أهل الزيغ قد غلطوا قوم خبيثون في الأحكام قد شططوا
إذ صيروا الظلم والفحشاء مفخرة وبيدوا لشرع بالأهوال قد خبطوا
وقوموا السهم بالعدوان واحتقروا ظلما جموع حماة الدين واهتمطوا
ظنوا الحصون مع التحصين واقية فشيدوا البغي بالانحاء وانبسطوا
وما لنا حيلة للأمر دافعة تخفف الضيق عنا وقتما ضغطوا
واستصغرونا بمحو كل محمدة وذا شعار عداة الدين ما اختلطوا
إلى غير ذلك من آثار أدبية تركها هذا السلطان رحمه الله رحمة واسعة.