نظرات في الأدب خالد شيري

وتلك الأمثال
“وصف الشعراء المحدثين”

قال ابن دريد سألت أبا حاتم عن أبي نواس فقال: إن جد أحسن وغن هزل ظرف وإن وصف بالغ يلقي الكلام على عواهنه لا يبالي من أين أخذه، قلت فبشار بن برد قال نظار غواص مطيل مجيد يصف ما لم ير كأنه رآه على أن في شعره خللاً كثيراً.
قلت فمروان بن أبي حفصة قال شاعر راض عن نفسه يستحسن كلما جاء منه معجب لا يرى أن أحداً يتقدمه كثير الصواب كثير الخطأ ليس لشعره صنعة.
قلت فمسلم بن الوليد قال خليج صاف ينزع من بحر كدر كالزند يوري تارة ويصلد أخرى، قلت فأبو العتاهية، قال غثاء جم واقتدار سهل وشعر كخرز الزجاج وربما أشبه الياقوت والزبرجد، قلت فعباس بن الأحنف قال يلقي دلوه في الدلاء فيغترف الصفو أحياناً والحماة أحياناً على أن كدره أكثر من صفوه، قلت فمسلم الخاسر، قال مقل مداح شعره ديباج وعهن يموه الرديء حتى يشبه الجيد.
قلت فأبو الشيص قال جده كله فيه حلاوة وبشاعة كالسدرة التي نفضت ففيها المستعذب والمستبشع. قلت فعلي بن جبلة قال بحاث عن الكلام الفخم والمعنى الرائع لا ينال مرتبة القدماء ويجل عن منزلة النظراء.
قلت فأبو تمام قال سيل كثير الغثاء غزير الغمار جم النطاف فإذا صفا فهو السلاف بالماء الزلال.
قلت فعبد الصمد بن المعذل قال خراج ولاج يعتسف تارة ويهتدي أخرى.
قلت فعلي بن الجهم، قال كلام رصين ومسلك وعر عقله أغلب على شعره من طبعه.
قلت فبكر بن النطاح قال تشبه بالأعراب فأفرط وتجاوز حد المولدين فأسهب فهو الساقط بين القريتين.
(من جواهر الأدب)

وتلك الأمثال
يا حاملُ اذكر حلا
زعموا أن قوما تحملوا وهم في سفر، فشدوا عقد حبلهم الذي ربطوا به متاعهم، فلما نزلوا عالجوا متاعهم فلم يقدروا على حله إلا بعد شر، فلما أرادوا أن يحملوا قال بعضهم: يا حامل اذكر حلا، فأرسلها مثلا.
(أمثال العرب: المفضل الضبي)

البديل اللغوي الصحيح
كِيَان (بكسر الكاف ودون شدة على الياء)
ويخطئ من يفتح الكاف. وهو مصدر من مصادر كان التي هي كَوْن، وكِيَان، وكَيْنُونة.
لكنه يعني أيضا هيئة، أو بِنْية، أو مؤسسة. وغالبا ما يراد منه التنقيص من الأهمية. فنقول الكِيَان الصهيوني تجنبا لكلمة دولة. ويعني ذلك عدم الاعتراف بإسرائيل.
ويقال الكِيَانات المصطنعة، والكِيَانات الضعيفة أو الهشة.

لا يجب أن نقول كذا
وهذا تعبير آخر يشيع فيه الخطأ إذ يقول البعض: “لا يجب أن نشتغل بهذا الموضوع” بدلا من القول: “يجب ألاَّ نشتغل بهذا الموضوع”.
والفرق بين التعبيرين واضح: إن تعبير “يجب ألاَّ نفعلَ كذا” يعني تركَ الفعل وجوبا والنهيَ عنه. بينما تعبير: “لا يجب أن نفعل” يعني أن الفعل المتحدَّث عنه غير واجب بل هو جائز أو مقبول.
(معجم تصحيح لغة الإعلام العربي: عبد الهادي أبو طالب)

ألغاز
إجازة عبيد الأبرص وامرئ القيس
لقي عبيد بن الأبرص امرئ القيس فقال له عبيد: كيف معرفتك بالأوابد. فقال: ألق ما أحببت. فقال عبيد:
ما حبة ميتة قامت بميتتها … درداء ما أنبتت سنا وأضراسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الشعيرة تسقى في سنابلها … فأخرجت بعد طول المكث أكداسا
فقال عبيد:
ما السود والبيض والأسماء واحدة … لا يستطيع لهن الناس تمساسا
فقال امرؤ القيس:
تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها … روى بها من محول الأرض أيباسا
فقال عبيد:
ما مرتجات على هول مراكبها … يقطعن طول المدى سيرا وإمراسا
فقال امرؤ القيس:
تلك النجوم إذا حالت مطالعها … شبهتها في سواد الليل أقباسا
فقال عبيد:
ما القاطعات لأرض لا أنيس بها … تأتي سراعا وما يرجعن أنكاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الرياح إذا هبت عواصفها … كفى بأذيالها للترب كناسا
فقال عبيد:
ما الفاجعات جهارا في علانية … أشد من فيلق مملوءة باسا
فقال امرؤ القيس:
تلك المنايا فما يبقين من أحد … يكفتن حمقى وما يبقين أكياسا
فقال عبيد:
ما السابقات سراع الطير في مهل … لا يشتكين ولو ألجمتها فاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الجياد عليها القوم قد سبحوا … كانوا لهن غداة الروع أحلاسا
فقال عبيد:
ما القاطعات لأرض الجو في طلق … قبل الصباح وما يسرين قرطاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الأماني يتركن الفنى ملكا … دون السماء ولم ترفع به راسا
فقال عبيد:
ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر … ولا لسان فصيح يعجب الناسا
فقال امرؤ القيس:
تلك الموازين والرحمن انزلها … رب البرية بين الناس مقياسا
((من مجاني الأدب))
* حل الماضي: الطماطم.

سلسلة أشهر القصائد

وصلنا في هذه السلسلة إلى عبيد بن الأبرص آخر العشرة أصحاب المعلقات. وهو من فحول الشعراء المجيدين. لكن معلقته وقع فيها اختلال كثير في الوزن، حتى قال بعضهم مبالغا: “إنها نثر استقام أكثر” هذا الاختلال ذهب برونقها وجعلها تتخلف عن النسق الجميل الذي سارت عليه قصائد ابن الأبرص.
أما من حيث المضمون فالمعلقة جمعت حِكَماً بليغة وأوصافا رائعة، وحكمها تدور حول مكارم الأخلاق واجتناب الرذائل وشكر النعم. وإليك أبياتا منها:
أقفر من أهله ملحوب … القطبيات فالذنوب
وبدلت منهم وحوشا … وغيرت حالها الخطوب
أرض توارثها الجدوب … فكل من حلها محروب
إما قتيلا، وإما هلكا … والشيب شين لمن يشب
عيناك دمعهما سروب، … كأن شأنيهما شعيب
واهية، أو معين معن … من هضبة دونها لهوب
تصبو، وأنى لك التصابي … أنى، وقد راعك المشيب
فكل ذي نعمة مخلوس … وكل ذي أمل مكذوب
وكل ذي إبل موروث … وكل ذي سلب مسلوب
وكل ذي غيبة يؤوب … وغائب الموت لا يؤوب
أعاقر مثل ذات رحم … أو غانم مثل من يخيب
من يسأل الناس يحرموه … وسائل الله لا يخيب
بالله يدرك كل خير … والقول في بعضه تلغيب
والله ليس له شريك، … علام ما أخفت القلوب
أفلح بما شئت قد يبلغ … بالضعيف، وقد يخدع الأريب
لا يعظ الناس من لا يعظ … الدهر ولا ينفع التلبيب
ساعد بأرض تكون فيها … ولا تقل: إنني غريب
والمرء ما عاش في تكذيب … طول الحياة له تعذيب

فسحة الواحة
من أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي
* قال حمزة بن بيض لغلام له: أي يوم صلينا الجمعة في الرصافة؟ ففكر الغلام ساعة ثم قال: يوم الثلاثاء.
* وعزى أبا أسيد رجل عن مصيبته فقال له: رزقنا الله مكافأتك.
* ومر جحا يوماً بصبيان يلعبون ببازي ميت، فاشتراه منهم بدرهم وحمله إلى البيت، فقالت أمه: ويحك ما تصنع به وهو ميت؟ فقال لها: أسكتي فلو كان حياً ما طمعت في شرائه بمائة درهم.
* وذكر محمد بن أحمد الترمذي قال: كنت عند الزجاج أعزيه بأمه وعنده الخلق من الرؤساء والكتاب، إذ أقبل ابن الجصاص فدخل ضاحكاً وهو يقول: الحمد لله قد سرني والله يا أبا إسحاق، فدهش الزجاج ومن حضر، وقيل له: يا هذا، كيف سرك ما غمه وغمنا؟ فقال: ويحك، بلغني أنه هو الذي مات، فلما صح عندي أنها هي التي ماتت سرني ذلك. فضحك الناس جميعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *