بعد هيجان يمِّ الدماء الفلسطينية على أرض الكرامة والعزة والاستشهاد واليقين بالنصر، بعد الهجمة الهمجية الصهيونية عل إخواننا في قطاع غزة منذ أكثر من عشرين يوما، توالت ردود الأفعال تدين وتجرم “الهولوكوست” وحرب الإبادة الصهيونية على المسلمين العزل من غير الإرادة والصمود.
فبعد الصمت الرسمي بل التواطؤ العربي من بعض الزعماء، باستثناء كلمات لم تثبت في سجل اليقين لقوة رياح الباطل وضعف الموقف الحازم المشرف، تكلم العلماء وأخرجوا البيانات يستنكرون ويشجبون مطالبين بنجدة المسلمين في غزة بالمال والرجال والدواء صادعين بالحق الذي غاب عن الواقع: “نريد المقاومة، افتحوا باب الجهاد”، وجرموا المشاركة في الحصار المضروب على أهلنا الشرفاء في غزة العزة، كما أدان ذلك الحقوقيون والأطباء والسياسيون وكل طبقات المجتمع.. رجالا ونساء كبار والصغار، بل كل العالم من “نيوزيلندا” إلى أمريكا اللاتينية.
مناظر أشلاء الأطفال والنساء وآهات الثكالى والأرامل استفزت قرائح شعراء الأمة فخرجت آهاتهم قوافي تنوء بحملها موازين الشعر تصف العدوان وتدين الخذلان..، فكان من بين مَن تفاعلوا وانفعلوا مع غزة الأبية الشاعر المغربي مولاي عبد الرحمن الزواكي الذي خص جريدة السبيل بنشر ما شارك به من شعر رقيق بليغ، معبرا عما يجيش في صدر كل مسلم، وذلك من خلال قصيدة يستهلها متسائلا “أأحياء ذوونا أم قبور؟” ولنترك قراءنا الكرام مع أبيات القصيدة:
أَأحياءٌ ذوونا أم قبورُ؟
مولاي عبد الرحمن الزواكي
أَأحياءٌ ذوونا أم قبورُ؟ *** قلوبٌ في صدورٍ أم صخورُ؟
أََناسٌ مَنْ نراهم أم وحوشٌ؟ *** ترَى التقتيل فينا لا يَضيرُ
أحق ما رأينا أم خيال؟ *** أحقا قد جرى ذاك السعير؟
أصِرنا مِن مهانتنا خِرافاً *** نذبَّح، لا نقوم ولا نَثُور؟
أنشهَد ذُلَّنا صُبحاً وليلاً؟ *** وتَطحنُنا رحى حربٍ تدور
يُمزَّق أهلُنا دكا وحرقا *** وتَسْبينا الملاهي والسرور
ألا تبًّا لإعلام مريض *** خَؤونٍ همُّه لهوٌ وزور
ُتقطَّع صبية ويَجُوع شعبٌ *** ويسْكُت عالَم نذلٌ غَدورُ
ونقصده ولا نحظى بشيء *** ونبقى في متاهتنا ندور
تغنَّوا بالحقوق لنا نفاقا *** فصدقنا وأغوانا الغرور
تَحاكمْنا إليهم كي يغيثوا *** ولا غوثٌ لديهم أو ضمير
فصرنا بين جانٍ من قرودٍ *** و قاض حكمه فينا يجور
تساقط ما صنعتم من قناعٍ *** وقد كُشفت لنا منكم أمور
وهل في غير مجلسكم ظُلِمنا *** وغُيِّبنا ونحن به حضور
ومن يرْجُ العدالة من عدوٍّ *** سيدركها إذا مُضغت صخور
مَلكنا أمرَنا لما اتَّبعْنا *** رسول الله منهجُه منير
وقام لنا على القرآن حكم *** عظيمُ الشأن ليس له نظير
فبدَّلْنا فَعُوقِبْنا بدهرٍ *** نروم به جِواراً لا يُجير
دعتنا غزةٌ بدم وجُرحٍ *** لفَجْرِ غدٍ له بالنصر نورُ
غلا ثمنا، فواجبنا ثقيل *** فإن خُنّا يُبدِّلْنا القدير
ولَسْنا في القيود كما زعمنا *** فما يُسْطاعُ مِن فعلٍ كثير
دعاءٌ ضارعٌ, وحِمى مَتابٍ *** فبعد الله توبتُنا نصير
____________
حديث من أعاجيب الزمان *** كواني ثم بعدُ لقد شفاني
يحاول سِفْلة أن يدفِنوه *** ليخفى, وهْوَ فجر للعيانِ
أرانا العِزَّ غضا في إباء *** أُناسٌ ذكَّرونا بالأماني
دَعوْنا بالفِعالِ لرفع هامٍ *** ظنناها ستبقى في الهوان
أطاحوا بالمَهانة والتدنِّي *** وأحيوا ما أميت من المعاني
و عضوا باليقين على حقوقٍ *** ولم يخشَوْا لظى الحرب العوانِ
أناروا والظلام بنا محيطٌ *** وشَدُّوا العزم في عصر التواني
وما باعوا ليبقَوا في الكراسي *** وما ذَلُّوا ليحظَوْا بالأمان
ولم يَرضَوا بسلم ذي خِداعٍ *** وكيف سلامُ مقتولٍ وجان ؟
أَسِلمٌ والدماءُ تراق هدْراً؟ *** أسِلْمٌ والمجازِر كلَّ آن؟
فيا لَهْفي يُقتَّلُ ذا ويُفنَى *** وذا رقصًا على وقعِ الأغاني
تَفَصَّمَت العُرَى وامتدَّ ليلٌ *** وصرنا لا نبالي أن نعاني
____________
خجلنا من أُخوَّتِنا وصِرنا *** نُداري الوجه من سوء الفِعال
يَجودُ أولئكُم بدمٍ وروحٍ *** ونعجِزُ أن نُضَحّيَ بالمقال
وجاعوا صامدين ولم يذِلُّوا *** وأعطونا مثالَ الصبر عالي
ضِعافٌ غيرَ أن لهم قُلوباً *** تفُتُّ بعزمها صُمَّ الجبال
قليلٌ غير أن لهم جيوشاً *** من التصميم في يوم الصِّيَالِ
أَعادُوا للبطولة كلَّ معْنىً *** وقد صارت كضربٍ من خيال
فتَحْتُم للمَلاحِمِ بدْءَ عهدٍ *** يُنادي المسلمين إلى النضال
وما أنتم بدأتُم بل يهودٌ *** ستجْني غَدرَها مُرَّ الوبال
سيَنسُل من صلاح الدين يوماً *** أُباةُ الضَّيمِ من بطن الليالي
أغزّةُ أنتِ عِزٌّ وانتصارٌ *** وإن أُثخِنتِ جُرحا بالنصال
أغزّةُ علِّمينا العِزَّ إنا *** دعانا العزُّ لكن لا نبالي
أغزةُ أيقظينا من سُبات *** فقد ماتت أمانينا الغوالي
أغزةُ أنت من ربِّي عطاءٌ *** ليرجع مَن تَمادى في ضلال
_______________
أَأمَّتَنا لقد نال الكتاب *** فما يُغْنِي التلاوم والعتاب
وما قصدي وحاشا أن أنادي *** بِيَأسٍ, أو تُقنِّطني صِعابٌ
فنصرُ اللهِ آتٍ ذاك وعدٌ *** ووعد الله ليس له كِذَاب
ففيكِ الخيرُ أنتِ بكل عصرٍ *** وفيكِ الأُسْدُ إن تزأرْ تُهاب
لديكِ النور في يمناكِ وحياً *** صريحُ الحقِّ ليس به ارتِياب
كتابُ الله فيه هدىً قويمٌ *** وما من دونه للعِزِّ باب
يقوم به شيوخٌ في جلالٍ *** وينصرُه بتعظيمٍ شباب
وتغرِسُهُ بأجيالٍ نساءٌ *** تعِفُّ، لها عن السُّوأى حجاب
يعيدُ العزَّ بعد سنينِ هُونٍ *** ويُصبِح مجدُنا وله إياب
ونُعلِي سُنَّةَ المختار سَمْحاً *** شرائعُها, وطاب لها طِلاب
ألاَ أبْلِغ سَؤولاً عن نجاحٍ *** لمِاَ يبغي فقل هذا جوابُ
ستَبلغُه وتنْعَم في حياة *** بلا دينٍ إذا شاب الغراب
نوَحَّدُ لا على التوحيد يوما *** إذا أَرْوى من الظَّمَإِ السراب