شرح المشكل من شعر المتنبي

(ومن ينفق الساعات في جمع مالهِ … مخافة فقرٍ فالذي فعل الفقر)
يقول من جمع المال خوف الفقر كان ذلك هو الفقر لأنه إذا جمع منع والمنع فقر وهذا كما قيل قديما الناس في الفقر مخافة الفقر.
عليّ لأهل الجور كل طمرةٍ … عليها غلامٌ مل حيزومهِ غمرُ
الطمرة الفرس الوثابة نشاطا والحيزوم الصدر والغمر الحقد يقول أنا كفيل لهم بخيل فرسانها هؤلاء.
يدير بأطراف الرماح عليهم … كؤوس المنايا حيث لا تشتهي الخمر
وكم من جبالٍ جبت تشهد أنني ال … جبال وبحرٍ شاهدٍ أنني البحر
يريد أن الجبال تشهد لي بالوقار والحلم والبحار بالجود وسعة القلب.
وخرقٍ مكان العيس منه مكاننا … من العيس فيه واسط الكورِ والظهرُ
قال ابن جنى معنى البيت أن الإبل كأنها واقفةٌ في هذا الخرق وليست تذهب فيه ولا تجيء وذلك لسعته فكأنها ليست تبرح منه، أي فكما أنا نحن في ظهور هذه الإبل لا نبرح منها في أواسط أكوارها فكذلك هنّ كأن لها من أرض هذا الخرق كوار وظهرا فقد أقامت به لا تبرحه، هذا كلامه وقد خلط فيما ذكر إنما يصف مفازةً قد توسطها وهو على ظهر البعير في جوزه فمكانه من ظهر الناقة مكانها من الخرق والمعنى أنا في وسط ظهور الأبل والإبل في وسط ظهر الخرق ولم يتعرض في هذا البيت لوقوفها ولا لبراحها ثم ذكر سيرها في البيت الثاني فقال:
يخدن بنا في جوزه وكأننا … على كرةٍ أو أرضه معنا سفرُ
كيف يتجه قول أبي الفتح مع قوله يخدن بنا وهذا يحتمل معنيين أحدهما أنا وإن كنا نسير فكأننا لا نسير لطول المفازة وأنه ليس لها طرف والكرة لا يكون لها طرف والكرة لا يكون لها طرف ينتهي إليه السير لذلك قال كأننا على كرة أو كان أرض الخرق تسير معنا حيث كانت لا تنقطع كما قال السريّ، وخرقٍ طال فيه السير حتى، حسبناه يسير مع الركابِ، والثاني أنه يصف شدة سيرهم والكرة توصف بكثرة الحركة والتنزي كما قال بشار، كان فؤاده كرة تنزى، حذار البين لو نفع الحذار، والإنسان إذا اسرع في السير أو في الركض رأى الأرض كأنها تسير معه من الجانبين لذلك قال أو أرضه معنا سفر.
ويوم وصلناه بليلٍ كأنما … على أفقه من برقهِ حلل حمرُ
يصف إدآبهم للسير ووصلهم فيه اليوم بالليل والضمير في أفقه يعود إلى الليل ولا يكون لليل أفق إنما أراد أفق السماء في ذلك الليل
وليل وصلناه بيوم كأنما … على متنه من دجنه حلل خضر
أي كأن على متن ذلك اليوم من ظلمة السحاب حللا سودا والسواد يسمى خضرة ومنه، في ظل أخضر يدعو هامه البوم، أو يريد أنه سافر في أيام الربيع
وغيث ظننا تحته أن عامرا … علا لم يمت أو في السحاب له قبر
عامر جد الممدوح يقول كأنه في السحاب قد ارتفع إليه ولم يمت فهو يصب المطر علينا صبا أو قبره في السحاب فقد اعداه بجوده
أو ابن ابنه الباقي علي بن أحمد … يجود به لم أجز ويدي صفر
يقال صفرت اليد تصفر صفرا فهي صفر ولا يقال صفرة يقول لو لم أجز هذا الغيث ويدي خالية لقلت أن الممدوح كان في السحاب ولما جزت ويدي صفر علمت أنه جود لا جود
وأن سحابا جوده مثل جوده … سحاب على كل السحاب له فخر
يعني أن تشبيه جود ذلك السحاب بجود مدح للسحاب وفخر له
فتى لا يضم القلب همات قلبه … ولو ضمها قلب لما ضمه صدر
يقول ما تجمع في قلبه من الهمم لا يجمعه قلب غيره ولو ضمها قلب لكان عظيما مثلها ولو كان كذلك لما وسعه الصدر لعظم القلب وهذا مما أجرى فيه المجاز مجرى الحقيقة لأن عظم الهمة ليس من كثرة الأجزاء حتى يكون محلها واسعا لسعتها ألا ترى أن قلب الممدوح قد وسعها وصدره قد وسع قلبه وليس بأعظم من صدر غيره وقد قال ابن الرومي، كضمير الفؤاد يلتهم الدنيا ويحويه دفتا حيزوم، فبين أن الفؤاد يستغرق الدنيا بالعلم والفهم ثم يحويه جانيا الصدر.
وصايا الملوك
وصية ثعلبة بن مازن
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن عامر بن حارثة بن امرئ القيس حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وعمل بها فيما بينه وبين قومه، وتولى ما كان يتولاه أبوه من الأطراف والثغور للفظاظ بن عمرو، ولمن قبله من ملوك حمير.
ويقال: إن عامر بن حارثة بن امرئ القيس، هو الذي تسميه العرب ماء السماء، وهو الذي افتخر به أحد الأنصار في قوله حيث يقول: ” من الوافر ”
أنا ابن مِزيقيا عمرو وجدّي … أبوه عامرٍ ماء السَّماءِ
نماني الفيض ثعلبة المرجى … وقيلةُ تلكَ سيَّدةُ النساءِ
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد جرد إلى الشام بأمر الملك الفظاظ بن عمرو، وولى عليهم زيد بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير، وعقد له الولاية وأمرهم بالسمع والطاعة له. وزيد هذا هو أبو عذرة وأبو جهينة ونهد ويحمد والحميس وشحمة وأخوه بلي ويهوى أبناء عمرو بن الحارث.
ويقال: إن ماء السماء كتب لزيد بن عمرو إلى أهل الشام كتاباً. وكان كتابه:
لزيدٍ إلى من حلَّ بالشَّامِ حُجَّةٌ … مِنَ المَلكِ الفَظَّاظِ والقيلِ عامرِ
لى أنَّ زَيْداً لَيسَ يُعصَى وَينتَهيْ … إلى أمرِ زيدٍ كُلُّ بادٍ وحاضِرِ
ويُعطُونَهُ الخَرجَ الذي يُسألُونَهُ … وفاءً ولا يلقونَهُ بالمَعَاذِرِ
وإلاَّ فلا يَلحونَ إلاَّ نُفُوسَهُمْ … إذا ما مُنُوا بالسَّابحاتِ الضَّوامِرِ
أمثال العرب
سمّن كلبك يتبعك
زعموا أنه كان لرجل من طسم كلب فكان يسقيه اللبن ويطعمه اللحم ويسمنه ويرجو أن يصيد به أو يحرس غنمه، فأتاه ذات يوم وهو جائع فوثب عليه الكلب فأكله فقيل: سمّن كلبك يأكلك، فذهب مثلا.
وقال بعض الشعراء:
ككلب طسم وقد تربّبه … يعلّه بالحليب في الغلس
ظلّ عليه يوما يفرفره … إلّا يلغ في الدماء ينتهس
يفرفره: أي يحركه برأسه ويقطعه. وقال مالك بن أسماء:
هم سمّنوا كلبا ليأكل بعضهم … ولو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلب
وقال عوف بن الأحوص لقيس بن زهير العبسي:
أراني وقيسا كالمسمّن كلبه … فخدّشه أنيابه وأظافره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *