تقع جزيرة صقلية بالقرب من الحذاء الإيطالية وهي كما في الخريطة مثلثة الشكل تقريباً دخلها الإسلام سنة (212هـ) في ولاية بني الأغلب، وقد أطال في ذكرها الشريف الإدريسي في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الأفاق” وابن جبير في رحلته.
خرج منها الإسلام بالكلية سنة (484هـ) على ما ذكره أهل التاريخ (تاريخ ابن الأثير عند أحداث سنة: 484 هـ) وقيل أن فيها اليوم بقايا لآثار المسلمين لكنها لا تجد عناية من الباحثين.
والجدير بالذكر في هذا المقام هو كثرة الشعراء والعلماء في هذه الجزيرة وقت وجود الإسلام فيها، فقد ذكر ابن القطاع الصقلي في كتابه “الدرة الخطيرة” ص: 106، شعراء ختمهم بنفسه وهذا على حسب الطبعة الموجودة، وأما على ما ذكره ياقوت الحموي في ترجمة ابن القطاع عند ذكر كتاب “الدرة” فقال: (اشتملت على مائة وسبعين شاعراً وعشرين ألف بيت شعرٍ) معجم الأدباء، ياقوت الحموي 12/279 طبعة أحياء التراث، وهذا يدل على وجود سقط في المطبوعة عن الأصل.
وسوف نذكر بعض الشعراء مع بعض أشعارهم المستحسنة:
أبو عبد الله محمد بن علي الصباغ له مقطوعة في وصف شخص ذكي:
أذكى الورى كلهم وأعلمهم *** فمــا يرى مثل لبّه لبُّ
يوضـح بالفهـم كلَّ مشــكلة *** كأنمــا كلُّ جسمه قلبُ
ومنهم عبد الجبار بن عبد الرحمن بن سرعين الكاتب له في ذم حاسد في ثلاثة أبيات:
وحاسدٍ لا يزال مــنِّي *** فؤاده الدهر في اشتعالِ
كاتب يمناه مثل حالي *** ومثــــله كاتبُ الشمــالِ
ذاك فــي راحةٍ وهذا *** في تعبٍ مــنه واشتغالِ
ومنهم أبو حفص عمر بن خلف بن مكي فقيه محدث لغوي له تصنيف في اللغة سماه “تثقيف اللسان وتلقيح الجنان” له شعر رائق منه قوله في القناعة:
يا حريصــاً قطع الأيــام في *** بُؤس عيش وعناءِ وتعبْ
ليس يعدُوك من الرزق الذي *** قسمَ اللهُ فأجمل في الطلب
وله في ذم إبداء النصيحة قبل طلبها:
لا تبادر بالرأي من قبل أن تُسـ *** ـأل عنــه وإن رأيــتَ عـوارا
أحمق الناس من أشار على النا *** س برأي من قبل أن يُستشارا
ومنهم أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن الطوبي صاحب ديوان الإنشاء فيه دعابة له شعر كثير وأغلبه مقطوعات منها قوله في ذم بخيل:
أتيـــته زائـــراً أحــدّثهُ *** ولست في مـــاله بذي طمعِ
فظن أني أتيــت أسـألهُ *** فكاد يقضي من شدة الجزعِ
وقال في الزهد وترك المعاصي:
لو قلت لي: أي شيء *** تهوى؟ لقلت خلاصي
النــاس طــرّاً أفـــاعٍ *** فلات حـين منـــاص
نسوا الشــريعة حتى *** تجاهروا بالمعــاصي
فشرهـم في ازديـــاد *** وخيرهم في انتقـاصِ
ومنهم ابن الكموني أبو الحسن علي بن عبد الجبار له أبيات يرثي بها صقلية بعد خروج المسلين منها يقول فيها:
قد كانت الدار وكنا بها *** في ظل عيش ناعم رطبِ
مدَّ عليه الأمن أستاره *** فسار ذكراها مع الركبِ
لم يشكروا نعمة ما خوِّلوا *** فبُدلوا الملح من العذبِ