سحر البيان

وتلك الأمثال
القصيدة الزينبية من شعر الحكمة لصالح بن عبد القدوس :
صرمت حبالك بعد وصلك زينب … والدهر فيه تصرم وتقلب
وكذاك وصل الغانيات فإنه … آل ببلقعةٍ وبرق خلب
فدع الصبا فلقد عداك زمانه … وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشباب فما له من عودة … وأتى المشيب فأين منه المهرب
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا … واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
واخش مناقشة الحساب فإنه … لا بد يحصى ما جنيت ويكتب
والليل فاعلم والنهار كلاهما … أنفاسنا بهما تعد وتحسب
لم ينسه الملكان حين نسيته … بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها … ستردها بالرغم منك وتسلب
وعرور دنياك التي تسعى لها … دار حقيقتها متاع يذهب
وجميع ما حصلته وجمعته … حقاً يقيناً بعد موتك ينهب
تباً لدار لا يدوم نعيمها … ومشيدها عما قليل يخرب
فاسمع هديت نصائحاً أولاكها … بر نصوح للأنام مجرب
أهدى النصيحة فاتعظ بمقاله … فهو التقي اللوذعي الأدرب
لا تأمن الدهر الخؤون لأنه … ما زال قدماً للرجال يؤدب
وعواقب الأيام في غصاتها … مضض يذل له الأعز الأنجب
ويفوز بالمال الحقير مكانة … فتراه يرجى ما لديه ويرغب
ويبش بالترحيب عند قدومه … ويقام عند سلامه ويقرب
فاقنع ففي بعض القناعة راحة … ولقد كسي ثوب المذلة أشعب
لا تحرصن فالحرص ليس بزائد … في الرزق بل يشقي الحريص ويتعب
كم عاجز في الناس يأتي رزقه … رغداً ويحرم كيس ويخيب
فعليك تقوى الله فالزمها تفز … إن التقي هو البهي الأهيب
واعمل بطاعتك تنل منه الرضا … إن المطيع لربه لمقرب
وارع الأمانة والخيانة فاجتنب … واعدل ولا تظلم يطيب لك مكسب
واحذر من المظلوم سهماً صائباً … واعلم بأن دعاءه لا يحجب
واخفض جناحك للأقارب كلهم … بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا
وإذا بليت بنكبة فاصبر لها … من ذا رأيت مسلماً لا ينكب
وإذا أصابك في زمانك شدة … أو نالك الخطب الكريه الأصعب
فادع لربك إنه أدنى لمن … يدعوه من حبل الوريد وأقرب
واحذر مؤاخاة الدني لأنه … يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً … إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً … وإن الكذوب يشين حراً يصحب
وذر الحقود ولو صفا لك مرة … وأبعده عن رؤياك لا يستجلب
إن الحقود وإن تقادم عهده … فالحقد باق في الصدور مغيب
واحفظ لسانك واحترز من لفظه … فالمرء يسلم باللسان ويعطب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن … ثرثارة في كل ناد تخطب
والسر فاكتمه ولا تنطق به … فهو الأسير لديك إذ لا ينشب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى … فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها … شبه الزجاجة كسرها لا يشعب
واحذر عدوك إذ تراه باسماً … فالليث يبدو نابه إذ يغضب
وإذا الصديق رأيته متملقاً … فهو العدو وحقه يتجنب
لا خير في ود امرئ متملق … حلو اللسان وقلبه يتقلب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة … ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلف أنه بك واثق … وإذا توارى عنك فهو العقرب
وإذا رأيت الرزق عز ببلدة … وخشيت فيها أن يضيق المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا … طولاً وعرضاً شرقها والمغرب
فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي … فالنصح أغلى ما يباع ويوهب
خذها إليك قصيدة منظومة … جاءت كنظم الدار بل هي أعجب
حكم وآداب وجل مواعظ … أمثالها لذوي البصائر تكتب
فاصغ لوعظ قصيدة أولاكها … طود العلوم الشامخات الأهيب

وتلك الأمثال

بَرِّقْ لِمَنْ لا يَعْرِفُكَ:
أي هَدِّد مَنْ لا علم له بك، فإن من عرفك لا يعبأ بك، والتبريق: تحديدُ النظر ويروى “برّقي” بالتأنيث، يقال: بَرَّقَ عينيه تَبْرِيقاً، إذا أوسعهما، كأنه قال بَرّق عينيك، فحذف المفعول، ويجوز أن يكون من قولهم: رَعَد الرجل وَبَرَق إذا أوعد وتهدَّد، وشدد إرادة التكثير، أي كثر وعيدَك لمن لا يعرفك.
بَيْنَهُمْ دَاءُ الضَّرائِر:
هي جمع ضَرَّة، وهو جمع غريب، ومثله كَنَّة وكَنَائن. يضرب للعداوة إذا رَسَخت بين قوم، لأن العصبية بين الضرائر قائمة لا تكاد تسكن.
من مجمع الأمثال

فوائد
يَقُولُونَ: زيد أفضل إخوته فيخطئون فِيهِ، لِأَن أفعل الَّذِي للتفضيل لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى مَا هُوَ دَاخل فِيهِ، ومنزل منزلَة الْجُزْء مِنْهُ، وَزَيْد غير دَاخل فِي جملَة إخوته، أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَك قَائِل: من إخوة زيد لعددتهم دونه، فَلَمَّا خرج عَن أَن يكون دَاخِلا فيهم امْتنع أَن يُقَال: زيد أفضل إخوته كَمَا لَا يُقَال: زيد أفضل النِّسَاء لتميزه من جنسهن وَخُرُوجه عَن أَن يعد فِي جملتهن.
وَتَصْحِيح هَذَا الْكَلَام أَن يُقَال: زيد أفضل الإخوة، أَو أفضل بني أَبِيه لِأَنَّهُ حينئذٍ يدْخل فِي الْجُمْلَة الَّتِي أضيف إِلَيْهَا بِدلَالَة أَنه لَو قيل لَك: من الإخوة أَو من بَنو أَبِيه لعددته فيهم وأدخلته مَعَهم. درة الغواص في أوهام الخواص للحريري.

سلسلة أشهر القصائد
فسحة الواحة
معلقة عمرو بن كلثوم
هذه القصيدة شطرها في سياق ما ذكرنا من المساجلة مع الحارث بن حلزة بين يدي الملك عمرو بن هند، وشطرها الآخر بعد قتل الملك.
وهي قصيدة فخرية حماسية رائعة، كانت بنو تغلب تعظمها جدا، ويرويها صغارهم وكبارهم. حتى هجوا بذلك. قال بعض شعراء بكر:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة … قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها أبدا مذ كان أولهم … يا للرجال لشعر غير مسؤوم
مطلعها:
أَلاَ هُبّي بِصَحْنِكِ، فَاصبَحينا … وَلاَ تُبقي خُمُورَ الأندَرِينَا
وذكر أبياتا في وصف الخمر ، وبعده غزل لا يجاوز لذة العين، ثم انتقل إلى غرض القصيدة فافتخر بقومه، مخاطبا الملك بأنفة واستعلاء.
خلافا لخطاب الحجة والعقل عند الحارث، الشيء الذي حرف مسار الحسم في هذه المحاكمة من الفيصل الأدبي إلى السيف الثائر للكرامة.
من ذلك قوله:
أَبا هِندٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَينا … وَأَنْظِرْنا نُخَبّرْكَ اليَقينَا
بِأَنّا نُورِدُ الرّاياتِ بِيضاً … ونُصْدِرُهنّ حُمراً قَد رَوِينَا
فإنَّ الضِّغنَ بَعْدَ الضّغنِ يَفْشُو … عَلَيْكَ وَيُخرجُ الدَّاءَ الدَّفينَا
وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍ طِوالٍ، … عَصَينا المَلْكَ فيها أَنْ نَدينَا
وَسَيِّدِ مَعْشرٍ قَدْ تَوّجُوهُ … بتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرِينَا
تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَليْهِ … مُقَلَّدَةً أَعِنّتَها صُفُونَا
وَأَنْزَلنا البُيُوتَ بذي طُلُوحٍ … إلى الشّاماتِ نَنفي المُوعِدينَا
وَقَدْ هَرّتْ كِلابُ الحَيّ مِنّا … وَشَذَّبْنا قَتَادَةَ مَنْ يَليِنَا
وَرِثنا المَجدَ قد عَلِمتْ مَعَدٌّ … نُطاعِنُ دُونَهُ حتى يَبِينَا
ويقول في الملك عمرو بن هند:
بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرَو بنَ هِنْدٍ … نَكُونُ لِقَيْلكُمْ فيها قَطينَا
بأَيِّ مَشيئَةٍ عَمَرو بنَ هِنْدٍ … تُطيعُ بِنا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِينَا
تُهَدّدُنَا وتُوعِدُنا رُوَيداً … متى كنّا لأُمِّكَ مَقتَوِينَا
وَإنَّ قَنَاتَنا يا عَمُرو أَعْيَتْ … على الأعداءِ قَبْلَكَ أَنْ تَلِينَا
إذا عَضّ الثِّقافُ بها اشمأزَّتْ … وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةًَ زَبُونَا
عَشَوْزَنَةً إذا غُمِزَتْ أَرَنَّتْ … تَشُجُّ قَفَا المُثَقَّفِ وَالجَبِينَا
فَهَل حُدّثتَ عَن جُشمِ بنِ بكرٍ … بِنَقصٍ في الخُطُوبِ الأوّلِينَا
وَرِثنا مَجدَ عَلْقَمَةَ بنِ سَيفٍ … أَبَاحَ لَنا حُصُونَ المَجدِ دِينَا
ثم يتمادى في الفخر حتى يخرج عن المعقول إلى نوع من النسيج الأسطوري، فيقول:
إذا ما المَلْكُ سامَ النَّاسَ خَسفاً … أَبَينا أَنْ نُقِرَّ الخَسَفَ فينَا
لَنَا الدُّنيا وَمَنْ أَضحَى عَلَيها … ونَبطِشُ حينَ نَبطِشُ قَادِرِينَا
إذا بَلَغَ الفِطَامَ لَنا رَضيعٌ … تَخِرُّ لَهُ الجَبابرُ ساجِدينَا
مَلأْنا البَرَّ حتى ضاقَ عَنّا … كَذاك البَحرَ نَملَؤهُ سَفِينَا
ثم يأتي بالبيت الذي يصور لك حقيقة الحمية الجاهلية، فيقول:
أَلا لا يَجْهَلَنْ أحَدٌ عَلَيْنا … فَنَجهَلَ فوقَ جَهلِ الجاهِلينَا

فسحة الواحة
– اختلف أعرابيان في رجل فقال الأول: من بني راسب. وقال الثاني: بل من بني طفاوة. فمر بهما باقل الربعي. فتحاكما إليه. فقال: ألقوه في الماء فإن رسب فهو من بني راسب. وإن طفا فمن بني طفاوة.
– كان بعض البخلاء إذا وقع الدرهم في يده يقول له:
أهلاً وسهلاً بك من زائر … كنت إلى وجهك مشتاقاً
ثم يقول: يا نور عيني وحبيب قلبي. قد صرت إلى من يصونك، ويعرف قدرك، ويعظم حقك، ويرعى قيمتك، ويشفق عليك، وكيف لا تكون كذلك وأنت تعظم الأقدار، وتعمر الديار، وتسمو على الأشراف، وترفع الذكر، وتعلي القدر، وتؤنس من الوحشة. ثم يطرحه في الكيس ويقول:
بنفسي محجوب عن العين شخصه … ومن ليس يخلو من لساني ولا قلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *