قصيدة العدد

وتلك الأمثال
ما أحسن ما اختتم به الحريري مقاماته حين أنشدنا على لسان أبي زيد السروجي في المقامة البصرية أبياتا بديعة يعلن فيها التوبة.
قال رحمه الله تعالى:
خلِّ ادّكارَ الأرْبُعِ … والمعْهَدِ المُرتَبَعِ
والظّاعِنِ المودِّعِ … وعدِّ عنْهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سلَفا … سوّدْتَ فيهِ الصُّحُفا
ولمْ تزَلْ مُعتكِفا … على القبيحِ الشّنِعِ
كمْ ليلَةٍ أودَعْتَها … مآثِماً أبْدَعْتَها
لشَهوَةٍ أطَعْتَها … في مرْقَدٍ ومَضْجَعِ
وكمْ خُطًى حثَثْتَها … في خِزْيَةٍ أحْدَثْتَها
وتوْبَةٍ نكَثْتَها … لمَلْعَبٍ ومرْتَعِ
وكمْ تجرّأتَ على … ربّ السّمَواتِ العُلى
ولمْ تُراقِبْهُ ولا … صدَقْتَ في ما تدّعي
وكمْ غمَصْتَ بِرّهُ … وكمْ أمِنْتَ مكْرَهُ
وكمْ نبَذْتَ أمرَهُ … نبْذَ الحِذا المرقَّعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ … وفُهْتَ عمْداً بالكَذِبْ
ولمْ تُراعِ ما يجِبْ … منْ عهْدِهِ المتّبَعِ
فالْبَسْ شِعارَ النّدمِ … واسكُبْ شآبيبَ الدّمِ
قبلَ زَوالِ القدَمِ … وقبلَ سوء المصْرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ … ولُذْ مَلاذَ المُقترِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَرِفْ … عنْهُ انحِرافَ المُقلِعِ
إلامَ تسْهو وتَني … ومُعظَمُ العُمرِ فَني
في ما يضُرّ المُقْتَني … ولسْتَ بالمُرْتَدِعِ
أمَا ترَى الشّيبَ وخَطْ … وخَطّ في الرّأسِ خِطَطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّمَطْ … بفَودِهِ فقدْ نُعي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصي … على ارْتِيادِ المَخلَصِ
وطاوِعي وأخْلِصي … واسْتَمِعي النُّصْحَ وعي
واعتَبِرِي بمَنْ مضى … من القُرونِ وانْقَضى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَضا … وحاذِري أنْ تُخْدَعي
وانتَهِجي سُبْلَ الهُدى … وادّكِري وشْكَ الرّدى
وأنّ مثْواكِ غدا … في قعْرِ لحْدٍ بلْقَعِ
آهاً لهُ بيْتِ البِلَى … والمنزِلِ القفْرِ الخَلا
وموْرِدِ السّفْرِ الأُلى … واللاّحِقِ المُتّبِعِ
بيْتٌ يُرَى مَنْ أُودِعَهْ … قد ضمّهُ واسْتُودِعَهْ
بعْدَ الفَضاء والسّعَهْ … قِيدَ ثَلاثِ أذْرُعِ
لا فرْقَ أنْ يحُلّهُ … داهِيَةٌ أو أبْلَهُ
أو مُعْسِرٌ أو منْ لهُ … مُلكٌ كمُلْكِ تُبّعِ
وبعْدَهُ العَرْضُ الذي … يحْوي الحَييَّ والبَذي
والمُبتَدي والمُحتَذي … ومَنْ رعى ومنْ رُعي
فَيا مَفازَ المتّقي … ورِبْحَ عبْدٍ قد وُقِي
سوءَ الحِسابِ الموبِقِ … وهوْلَ يومِ الفزَعِ
ويا خَسارَ مَنْ بغَى … ومنْ تعدّى وطَغى
وشَبّ نيرانَ الوَغى … لمَطْعَمٍ أو مطْمَعِ
يا مَنْ عليْهِ المتّكَلْ … قدْ زادَ ما بي منْ وجَلْ
لِما اجتَرَحْتُ من زلَلْ … في عُمْري المُضَيَّعِ

مشاركة أدبية
قصيدة “رسول الله” للآخ عبيد ربه عمر البخاري شكر الله له
رسول الله يا خير الأنام ويا رمز المحبة والسلام
ويا نورا أضاء بكل أرض ويا شمس الضحى بعد الظلام
دعوت لكل خير مستطاب بأحسن ما يوجه من كلام
بخلقك قد بنيت لنا صروحا من الحب المؤلف والوئام
وذلك بعد أن كنا أناسا يجرد بيننا نصل الحسام
فأكبر نعمة فينا لعمري وجودك ممسكا رأس الخطام
وجودك يا رسول الله خير ولو فيما نراه من المنام
فأنت محرر الأكوان مما ترسب من أفاعيل اللئام
كمثل مخنث يبدي عداء لدينك وهو من شر الطغام
لدينك وهو في سكر عميق وميل للغواية والمدام
وسب ثم قدح في عظام اكارم وهو من فتت العظام
فلا جازاه عنا الله خيرا فماهو للكرام من الكرام

* في كل واد بنو سعد : زعموا أنّ الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم كان يرى من قومه وهو سيدهم بغيا عليه وتنقصا له فقال: ما في مجامعة هؤلاء خير، ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقص له والبغي عليه، فارتحل عنهم وحلّ بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريبا بعضهم من بعض، فانصرف نحو قومه وقال: (( في كل واد بنو سعد )) فأرسلها مثلا.
* إذا عزّ أخوك فهن : وزعموا أن الهذيل بن هبيرة ، أخا بني ثعلبة بن حبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، كان أغار على أناس من ضبة فغنم ثم انصرف، فخاف الطلب فأسرع السير، فقال له أصحابه: اقسم بيننا غنيمتنا، فقال: إني أخاف أن تشغلكم القسمة فيدرككم الطلب فتهلكوا، فأعادوا عليه ذلك مرارا فلما رآهم لا يفعلون قال: (( إذا عزّ أخوك فهن)) فأرسلها مثلا، وتابعهم على القسمة.

فوائد
في تَفْصِيلِ الأصْواتِ الشّدِيدَةِ:
(الصِّيَاحُ صَوْتُ كلِّ شَيْءٍ إذا اشْتَدَّ. الصُّرَاخُ والصَّرْخَةُ الصَّيْحَةُ الشَّديدَةً عِنْدَ الفَزَعَةِ أو المُصِيبَةِ وَقَرِيب مِنْهُمَا الزَّعْقَةُ والصَّلْقَةُ. الصَّخَبُ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ عِنْدَ الخُصُومَةِ والمُناظَرَةِ. العَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلْبِيَةِ وَكَذَلِكَ الإهْلالُ. التَّهليلُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِلا إلَه إلا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. الاسْتِهْلاَلُ صِيَاحُ المَوْلُودِ عِنْدَ الوِلادَة. الزَّجَلُ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ الطَّرَبِ. النَّقْعُ الصُّرَاخُ المُرْتَفِعُ. الهَيْعَةُ الصَّوْتُ عِنْدَ الفَزًعِ وفي الحديث: “خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِك بِعِنَانِ فَرَسِهِ كلما سمع هيعة طار إليها”. الوَاعِيَةُ الصُّرَاخُ عَلَى المَيِّت. النَّعيرُ صُياحُ الغَالِبِ بِالمَغْلُوبِ. النَّعِيقُ صوْتُ الرَّاعِي بالغَنَمِ. الهَدِيدُ والهَدَّةُ صَوْت شَدِيد تَسْمَعُهُ مِن سُقُوطِ رُكْنٍ أو حائطٍ أو نَاحِيَةِ جَبَل. الفَدِيدُ صَوْتُ الفَدَّادِ وَهُوَ الأكّارُ بالثَّوْرِ أو الحِمَارِ وفي الحديث: “إنَّ الجَفَاءَ والقَسْوةَ في الفَدَّادِينَ”. الصَّدِيدُ مِنَ الأصْوِاتِ الشَّدِيدُ كالضَّجِيج وفي القرآن: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أيْ يَضِجُّون. الجَرَاهِيَةُ صَوْتُ النَّاسِ في كَلاَمِهِمْ وَعَلاَنِيَتِهِمْ دُونَ سِرِّهِمْ. وَكَذَلِكَ الهَيْضَلَةُ عَنْ أبي زَيْد). فقه اللغة وسر العربية الثعالبي

سحر البيان

قال المتنبي:
ومن يُنْفِقِ الساعاتِ في جمع مالهِ … مخافةَ فَقْرٍ فالذي فعلَ الفقرُ
وقال إسحق الموصلي:
وآمرةً بالبخلِ قلتُ لها اقْصِري … فليسَ إِلى ما تأمرينَ سبيلُ
أَرى الناسَ خلانَ الجوادِ ولا أرى … بخيلاً له في العالمينَ خليلُ
ومن خَيْرِ حالاتِ الفتى لو علمتِه … إِذا قالَ شيئاً أن يكونَ ينيلُ
فإِني رأيتُ البخلَ يزري بأهِله … فأكرمْتُ نفسي إن يقالَ بخيلُ
عطائي عطاءُ المكثرين تجملاً … ومالي كما قد تعليمنَ قليلُ
وقال الشافعي رحمه الله:
لما عفوتُ ولم أحقدْ على أحدٍ … أرحتُ نفسي من هَمِّ العداواتِ
إِني أُحَيِّ عدوي عند رؤيتِه … لأدفعَ الشر عني بالتحياتِ
وأظهرُ البشر للإنسان أبغضُهُ … كأنما قد حَشى قلبي محباتِ
الناسُ داءٌ ودواءُ الناس قُرْبُهمْ … وفي اعتزالهمُ قطعُ الموداتِ

نظرات في الأدب
فسحة الواحة
الطريق إلى تعلم الكتابة:
إن الطريق إلى تعلم الكتابة على ثلاث شعب:
الأولى: أن يتصفح الكاتب كتابة المتقدمين ويطلع على أوضاعهم في استعمال الألفاظ والمعاني ثم يحذو حذوهم وهذه أدنى الطبقات عندي.
والثانية: أن يمزج كتابة المتقدمين بما يستجيده لنفسه من زيادة حسنه أما في تحسين ألفاظ أو في تحسين معان وهذه هي الطبقة الوسطى وهي أعلى من التي قبلها.
والثالثة: أن لا يتصفح كتابة المتقدمين ولا يطلع على شيء منها بل يصرف همه إلى حفظ القرآن الكريم وعدة من دواوين فحول الشعراء ممن غلب على شعره الإجادة في المعاني والألفاظ. ثم يأخذ في الاقتباس فيقوم ويقع ويخطئ ويصيب ويضل ويهتدي حتى يستقيم على طريقة يفتتحها لنفسه. وأخلق بتلك الطريق أن تكون مبتدعة غريبة لا شركة لأحد من المتقدمين فيها. وهذه الطريق هي طريق الاجتهاد وصاحبها يعد إماماً في فن الكتابة إلا أنها مستوعرة جداً ولا يستطيعها إلا من رزقه الله لساناً هجاماً وخاطراً رقاماً. ولا أريد بهذه الطريق أن يكون الكاتب مرتبطاً في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والشعر بحيث إنه لا يستثنى كتاباً إلا من ذلك بل أريد أنه إذا حفظ القرآن وأكثر من حفظ الأشعار ثم نقب عن ذلك تنقيب مطلع على معانيه مفتش عن دفائنه وقلبه ظهراً لبطن عرف حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من ذات نفسه واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية. من ” جواهر الأدب” نقلا عن “المثل السائر”.

– حصلت لأبي علقمة النحوي علة، فدخل عليه أعين الطبيب يعوده. فقال: ما تجد؟ قال: أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسئت طسأة، فأصابني وجع ما بين الوابلة إلى دأية العنق، فما زال يزيد وينمى حتى خالط الخلب والشراسف، فما ترى؟ قال: خذ خربقاً وسلفقاً وشبرقاً فزهزقه وزقزقه واغسله بماء روث واشربه. فقال: ما تقول؟ فقال: وصفتَ لي من الداء ما لا أعرف، فوصفت لك من الدواء ما لا تعرف.
وسأل أبو عون رجلاً عن مسألة فقال: على الخبير سقطت، سألتُ عنها أبي فقال: سألتُ أبي فقال: لا أدري.
– وقال رجل للشعبي: ما تقول في رجل أدخل أصبعه في أنفه فخرج عليه دم، أترى له أن يحجم؟ فقال: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
– وقال له رجل: ما تقول في رجل شتمني في أول يوم من شهر رمضان، أتراه يؤجر؟ قال: إن قال لك يا أحمق رجوت له ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *