قصيدة للإمام المرادي في الفرق بين الدال والذال

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم.

وبعد: فهذه قصيدة للإمام المرادي في معرفة الدال والذال المتفقين في الحرفية والمعنى مختلف. وهي قصيدة تقع في خمسة وعشرين بيتا، من بحر البسيط، على رَوِيِّ الباء، يَسَّر الله لي نسخها من أصل مخطوط، محفوظ بخزانة ابن يوسف بمراكش، قد كتبها ناسخها بخط مغربي واضح جميل. وقد كانت النية أن أقوم بشرح مختصر لهذه القصيدة الفريدة، لكنني وجدت العلاَّمة الشيخ جعفر الكتاني شرحها شرحا وافيا، ولا عِطْرَ بعد عَرُوس كما يقال. وهذا الشرح مخطوط يقع في خمس وعشرين لوحة، وقد أحببت أن أنشر متن هذه القصيدة حتى يستفيد منها القراء، ويعم النفع بها.
الإمام المرادي: هو بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي، يرجع نسبه إلى قبيلة مراد، وكان موطن رهطه في القرن السابع في مدينة آسفي ببلاد المغرب، ثم رحلت جدته أم أبيه زهراء المشهورة بأم قاسم إلى مصر. وفي مصر ولد الحسن، ونسب إلى جدته، فقيل: ابن أم قاسم. وقد أخذ العلوم الإسلامية وعلوم العربية عن كثير من رجال ذلك العصر. وقد ترك آثارا جليلة في علوم القرآن والعربية، وأكثرها لم ينشر بعد، وأشهر كتبه كتاب: الجنى الداني في حروف المعاني. وتوفي المرادي يوم عيد الفطر سنة 749هـ رحمه الله.
وهذا هو متن القصيدة:
اِسْمَعْ هُدِيتَ لأَلْفَاظٍ مُهَذَّبَةٍ *** فِي الدَّالِ تَنْفَعُ مَنْ يَتْلُو وَمَنْ كَتَبَا
فَدَالُ دَبَّ عَلَى رِجْلَيْهِ مُهْمَلَةٌ *** وَذَبَّ عَنْ نَفْسِهِ إِعْجَامُهَا وَجَبَا
وَيَدْرَأُ الشَّيْءَ بِالإِهْمَالِ يَرْفَعُهُ *** وَيَذْرَأُ الْخَلْقَ لِلإِعْجَامِ قَدْ نُسِبَا
وَدَاخِرٌ أَيْ دَلِيلٌ مُهْمَلٌ وَإِذَا *** أَرَدْتَ ذُخْراً فَأَعْجِمْهُ تَنَلْ أَدَبَا
وَالدَّرُّ يُهْمَلُ وَهْوَ الْخَيْرُ أَوْ لَبَنٌ *** وَالذَّرُّ يُعْجَمُ جَمْعاً فَاعْرِفِ السَّبَبَا
وَدَبَّرَ الأَمْرَ أَهْمِلْهُ وَقَدْ ذَبَرَ الْـ *** ـكِتَابَ خَفَّ مَعَ الإِعْجَامِ أَيْ كَتَبَا
وَافْتَحْ وَأَهْمِلْ دَمَارَ الْهَالِكِينَ وَقَدْ *** حَمَى الذِّمَارَ بِكَسْرٍ مُعْجَماً غَلَبَا
وَقُلْ أَدَاءً إِلَيْهِ مُهْمَلاً وَأَذَى *** بِالقَصْرِ يُعْجَمُ فَافْهَمْ حِكْمَةً عَجَبَا
وَدِمَّةُ الضَّأْنِ بِالإِهْمَالِ مَرْبِضُهَا *** وَالذِّمَّةُ العَهْدُ بِالإِعْجَامِ قَدْ عَذُبَا
وَاقْرَأْ هُدَايَ بِدَالٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ *** بِعَكْسِ زَيْدٌ هَذَى فِي القَوْلِ إِذْ صَحِبَا
وَعَادَ أَيْ صَارَ أَهْمِلْهُ وَعَاذَ بِهِ *** أَعْجِمْ وَكُنْ لِسَوَى مَا صَحَّ مُجْتَنِبَا
وَشَدَّ شِدَّةً أَوْ شَدًّا بِمُهْمَلَةٍ *** وَشَذَّ هَذَا شُذُوذاً مُعْجَماً عَرِبَا
وَالنَّارُ مُوقَدَةٌ بِالدَّالِ مُهْمَلَةٌ *** بِعَكْسِ مُوقَذَةٍ أَيْ نَالَتِ العَطَبَا
وَإِنْ تَقُلْ نَفَذَتْ فِيهِ بَصَائِرُكُمْ *** أَعْجِمْهُ لاَ نَفَدَ الشَّيْءُ الَّذِي ذَهَبَا
وَنَحْوُ يَسْتَنْقِذُوهُ ثُمَّ أَنْقَذَهُ *** أَعْجِمْهُ لاَ نَقَدَ الْمَالَ الَّذِي طُلِبَا
وَإِنْ تَقُلْ قَدَّرَ الإِهْمَالُ يَلْزَمُهُ *** وَالضَّمُّ وَالكَسْرُ لِلإِعْجَامِ قَدْ نُسِبَا
جَدَّ الثِّمَارَ وَجَدَّ السَّيْرَ يُهْمَلُ لاَ *** إِنْ قُلْتَ جَذَّ بِمَعْنَى القَطْعِ فَاجْتَنِبَا
وَفِي الدَّلِيلِ مِنَ الإِرْشَادِ يُهْمَلُ لاَ *** مِنْ ذِلَّةٍ دُمْتَ لِلإِفْضَالِ مُنْتَدَبَا
وَالنَّذْرُ يُعْجَمُ وَالإِنْذَارُ أَجْمَعُ لاَ *** مَا قَلَّ أَوْ مَا كَانَ لِلإِسْقَاطِ مُنْتَسِبَا
وَإِنْ ذَكَرْتَ غَدَاءً فَهْيَ مُهْمَلَةٌ *** وَإِنْ ذَكَرْتَ الغَذَا أَعْجِمْ وَقَدْ قَرُبَا
وَالْجَدْبُ يُعْجَمُ لَكِنْ إِنْ أَرَدْتَ بِهِ *** عَيْباً وَذَمًّا فَأَهْمِلْهُ وَقَدْ جَذَبَا
وَالدَّفْرُ يُهْمَلُ وَهْوَ النَّتْنُ لاَ ذَفَرٌ ** َأيْ كُلُّ رِيحٍ ذَكِيٍّ فَاتْبَعِ العَرَبَا
وَالْهَذُّ فِي الْمَنْطِقِ الإِعْجَامُ يَلْزَمُهُ *** وَمَا سِوَاهُ بِإِهْمَالٍ فَطِبْ أَرَبَا
وَقَوْلُهُمْ مَدَرٌ أَهْمِلْ سِوَى مَذَرَ الَّـ *** ـذِي لَدَى شَذَرَ الْمَعْرُوفِ لِلأُدَبَا
فَوَائِدُ العِلْمِ يَحْوِيهَا وَيَجْمَعُهَا *** مَنْ لَمْ يَكُنْ هَمُّهُ أَنْ يَجْمَعَ الذَّهَبَا

خطأ شائع

شاع على ألسنة كثير من المتكلمين اللحن فيما جاء من المصادر على وزن (تفعال) حيث ينطقونها مكسورة التاء نحو: التِّكْرَارِ، والتِّعْدَاد. والصواب فتح التاء في هذه المصادر؛ فيقال: التَّكْرَار، والتَّعْدَاد، والتَّجْوَال، والتَّسْيَار ونحوها. فالقاعدة أن كل مصدر على وزن (تفعال) يأتي مفتوح الأول، إلا مصادر خالفت القياس، فسُمِعَت مكسورة التاء، فهي تحفظ ولا يقاس عليها، وقد جمعها بعضهم في قوله:

وَكُلُّ مَصْدَرٍ عَلَى تَفْعَالِ *** بِالفَتْحِ كَالتَّسْيَارِ وَالتَّجْوَالِ
إِلاَّ مَصَادِرَ أَتَتْ بِالكَسْرِ *** فِي نَصِّ كَمْ مِنْ مُتْقِنٍ وَحَبْرِ
تِبْيَانُ تِلْقَاءٌ كَذَا تِنْضَالُ *** تِبْكَاءُ تِحْتَارٌ كَذَا تِمْثَالُ
تِشْرَابُ تِيفَاقٌ فَقَطْ نِلْتَ الْمَرَامْ *** وَكُلُّهَا اسْمُ مَصْدَرٍ عِنْدَ الإِمَامِ
وَلاَ يَرَى مَصَادِرَ التَّفْعَالِ *** تَأْتِي بِكَسْرِ أَوَّلٍ بِحَالِ

إلى شيخنا المغراوي

إِنِّي أُزَيِّنُ أَشْعَارِي أُزَخْرِفُهَا *** مُرَصِّعاً بِبَدِيعِ اللَّفْظِ مُنْتَظِمِ
أَبْغِي بِهَا مَدْحَ دَارٍ جَلَّ مَرْبَعُهَا *** َدارَ القُرَانِ وَدَارَ العِلْمِ وَالْحِكَمِ
فَلاَمَنِي بَعْضُ إِخْوَانِي وَقَالَ أَلاَ *** مَدَحْتَ يَوْمًا أَبَا سَهْلٍ بِذَا الكَلِمِ
فَقُلْتُ هَوِّنْ عَلَيْكَ الشَّيْخُ أَكْرَمَنَا *** بِفَتْحِهَا فَهْوَ مَمْدُوحٌ فَلاَ تَلُمِ
وَأَنْتَ تَعْلَمُ حَقًّا لَئِنْ مَدَحَتْ *** قَصَائِدِي دَارَ قُرْآنٍ بِمِلْءِ فَمِي
فَكُلُّ بَيْتٍ وَشَطْرٍ كُلُّ قَافِيَةٍ *** مِنْهَا تَفُوحُ بِمَدْحِ الشَّيْخِ فِي شَمَمِ
فَالدُّورُ مِنْ حَسَنَاتِ الشَّيْخِ أَجْمَعُهَا *** وَالفَضْلُ لِلشَّيْخِ بَعْدَ اللهِ ذِي النِّعَمِ
يَا شَيْخَنَا كُنْتُمُ النِّبْرَاسَ فِي لُجَجٍ *** مِنَ الْمُضِلاَّتِ وَالأَهْوَاءِ وَالنِّقَمِ
تَجُودُ بِالْعِلْمِ مَبْذُولَ النَّوَالِ فَمَا *** بَخِلْتَ يَوْماً حَبَاكَ اللهُ بِالْكَرَمِ
قَدْ أَسْهَرَتْ حَاجَةُ الطُّلاَّبِ لَيْلَكُمُ *** وَمَنْ أَرَادَ جِنَانَ الْخُلْدِ لَمْ يَنَمِ
تَنْهَى وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ مُحْتَسِبَا *** تَدْعُو إِلَى اللهِ فِي حَزْمٍ بِلاَ سَأَمِ
لَمْ تَخْشَ فِي الله لَوْمَ اللاَّئِمِينَ *** أَضَرَّ سَيْرَكَ تَخْذِيلٌ لِمُنْهَزِمِ
لَمَّا أَتَتْكَ سِهَامُ الطَّعْنِ رَاشِقَةً *** أَلْفَتْ صَبُورًا وَشَهْماً رَاسِخَ الْقَدَمِ
وَمَا انْبَرَتْ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ أُوْ شُبَهٌ *** إِلاَّ هَوَى صَرْحُهَا مِنْ سَيْلِكَ العَرِمِ
النَّاعِقُونَ تَوَاصَوا بِالعَدَاءِ لَهُ *** وَالْحَاسِدُونَ تَجَلَّى مَكْرُهُمْ لِعَمِي
مَا ضَرَّ أَهْلَ التُّقَى سَبُّ الرَّعَاعِ لَهُمْ *** تَعْوِي الكِلاَبُ وَيَمْضِي الْحَقُّ فِي شَمَمِ
بَالَ الْحِمَارُ فَبَالَتْ إِثْرَهُ حُمُرٌ *** وَالبَهْمُ صَارَ صَدًى لِلصَّائِحِ الغَشِمِ
يَا رَبِّ فَاحْفَظْهُ مِنْ كَيْدِ العُدَاةِ وَمَا *** قَدْ لَفَّقُوا مِنْ أَبَاطِيلٍ وَمِنْ تُهَمِ
وَهَبْ لَهُ مِنْكَ يَا رَحْمَنُ مَكْرُمَةً *** وَأَعْظِمَنْ أَجْرَهُ يَا بَارِئَ النَّسَمِ
وَامْدُدْ لَهُ العُمْرَ فِي الْخَيْرَاتِ يَصْرِفُهَا *** فِي نَصْرِ مُعْتَصِمٍ أَوْ قَمْعِ مُخْتَصِمِ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *