الشيخ المكي الناصري إعداد أحمد السالمي

ولادته
ولد الشيخ محمد المكي الناصري بمدينة رباط الفتح في ضحى يوم الأربعاء 24 شوال سنة 1324 هـ الموافق لـ11 دجنبر1906.
طلبه للعلم وكفاحه للمحتل
نشأ الشيخ الناصري في بيت دين وفضل، وظهرت عليه علامات نضج مبكر أبانت عن مؤهلات، ومواهب شخصية بارزة منها الاستعداد التام للتلقي والذكاء الحاد وحب المعرفة فبدأ بحفظ القرآن وأمهات المتون حتى تخرج على أهم شيوخ العلم في وقته.
وفي المرحلة الثانوية والمتوسطة وجد الشيخ المكي رحمه الله نفسه محتارا بين التوجه إلى الدراسات الأدبية والشعر، وطلب العلم والاهتمام بالمعارف الإسلامية، فاختار رحمه الله العلم لأن الأمة أحوج إلى العلماء منها إلى الشعراء، وقد عبر رحمه الله عن هذا الموقف في ترجمته التي وضعها لنفسه:
“…أما أنا فلا آسف على هذه النشأة التي نشأت عليها، والتي لم يكن يلائمها أن أنزل إلى ميدان العواطف والمشاعر فأبرز فيه، بل أنا أشكر من صميم قلبي تلك الظروف التي جعلت الروح العلمية في نفسي مسيطرة على الذوق الأدبي المتقلقل، إني لأجد كل العزاء والسلوى في هذا الهدوء وهذه الطمأنينة وهذا الشعور الجميل-هدوء النفس، وطمأنينة الضمير، والشعور بتقدير الواجب ومسؤوليته في كل حين، أجد العزاء عن الشعر والنبوغ فيه في هذه الأشياء التي لم تكن لتنبع إلا من عين تلك التربية الخاصة وما إليها”.
وهكذا قرر الشيخ رحمه الله ألا يكون شاعرا لأن ألف شاعر وشاعر لا يقومون مقام عالم واحد.
و قد كان استقباله للمرحلة الجامعية سنة 1932 على يد ثلة من كبار العلماء استفاد منهم وتأثر بهم واهتدى بهديهم، منهم العلامة الحافظ أبو شعيب الدكالي، والشيخ محمد المدني بن الحسني، والحاج محمد اليمني الناصري، والشيخ محمد بن عبد السلام السائح، كما تتلمذ رحمه الله على بعض الأساتذة من الشرق العربي وبعض الأساتذة من الغرب.
كما أن حياة الشيخ الناصري العلمية بدأت مبكرة كذلك بدأت حياته الوطنية حيث ساهم في تأسيس “الرابطة المغربية” السابقة لكتلة العمل الوطني وهي أول هيئة سرية لمقاومة الاستعمـار، وكان أول أمين عام لها وكان ذلك سنة 1920 وسنه آنذاك لا يتجاوز الخمسة عشر، وجادت هذه البداية الوطنية المبكرة بثمارها فلم تكد تمر مدة زمنية قصيرة حتى ألف رحمه الله كتابه الأول “إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة ” سنة 1922، وكان رسالة ضد الخرافات والبدع المنسوبة للدين مدشنا به نشاطه السلفي. وكانت تلك هي البداية لينطلق بنشاطه عضوا مؤسسا وعاملا في “جمعية أنصار الحقيقة” سنة 1925. و قد ظل متنقلا بين البلدان الأوروبية مدافعا عن استقلال المغرب مطالبا الاستعمار بالرحيل.
من مؤلفاته رحمه الله
– “إظهار الحقيقة” طبعة تونس 1925.
– “حرب صليبية في مراكش” طبع بالقدس سنة 1931.
– “فرنسا و سياستها البربرية في المغرب الأقصى” طبع القاهرة سنة 1932.
– “الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية” دراسة دقيقة وافية للأوقاف في المغرب مع مقارنتها بالأوقاف في بقية العالم الإسلامي -طبع بتطوان سنة 1935.
– “موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية” عرض وتحليل لتاريخ الاحتلال الأجنبي في المغرب وكفاح الشعب المغربي للتخلص منه، طبع بتطوان سنة 1946 وقد ألحقت به بحوث ومقالات أخرى مترجمة.
– التيسير في أحاديث التفسير (6 مجلدات)-طبع لبنان
– نظام الفتوى في الشريعة و الفقه.
إلى غير ذلك من المؤلفات والمقالات المبثوثة في عدة جرائد ومجلات وطنية وعالمية
وفاته
وبعد حياة علمية حافلة توفي الشيخ يوم 10 ماي 1994 الموافق لـ 29 ذي القعدة 1414 هجرية رحمه الله رحمة واسعة.
شعره
معلوم أن الشيخ ترك قول الشعر وانصرف إلى غيره كما سبق معنا، إلا أنه ترك بصمات واضحة في هذا المجال، على الرغم من أنه لم يكن راضيا عما كان يقرضه من الشعر.
في الواقع لم يستغرق قول الشيخ للشعر سوى مدة يسيرة من حياته، ومعظم ما قاله من شعر كان ينظمه بمناسبة ختم متن من المتون كقصيدته الفائية التي أنشدها أمام شيخه المدني بن الحسني بمناسبة ختمه ألفية ابنة مالك، وقصيدته الميمية التي ألقاها أمام شيخه بن الحسني كذلك بمناسبة ختم مختصر خليل، وقصيدته النونية التي ألقاها على نفس الشيخ بمناسبة ختم صحيح البخاري، وقصيدته الدالية التي ألقاها أمام شيخه بن الحسني كذلك بمناسبة ختم صحيح البخاري، ومنها القصيدة الدالية التي ألقاها أمام شيخ العلامة أبي شعيب الدكالي رحمه الله بمناسبة ختم سنن ابن ماجة وهي القصيدة المنشورة مع هذه الترجمة، والقصيدة الحائية بمناسبة ختم التلخيص على شيخه أبي شعيب الدكالي..إلى غير ذلك من القصائد.
القصيدة الدالية التي ألقاها أمام شيخه أبي شعيب الدكالي بمناسبة ختمة سنن ابن ماجة عام 1342 هـ/1923م.
ونصها:
الله لا يرضى لأمة أحمد *** إلا طرائق للعلى والسودد
هذا كتاب الله يدعونا إلى *** سبل الرشاد ونصح كل موحد
هذا كتاب الله يغرينا على *** جمع الخلائق مثل جسم مفرد
هذا كتاب الله منه رُواؤنا *** في كل عصر فهْو عذب المورد
هذا كتاب الله فيه شفاؤنا *** من كل أدواء علينا تعتدي
هذا كتاب الله فيه محاسن *** ليست بخافية عن المسترشد
هذا كتاب الله فيه محجة *** بيضاء سالكها يقينًا يهتدي
هذا كتاب الله بادٍ وجهُه *** لم يَخْفَ إلا عن لحاظ الملحد
هذا كتاب الله منه قد استقت *** أسلافنا ما الحياة الأحمدي
هذا كتاب الله منه تعلمت *** خلُق العلى حتى علوًّا في اليد
هذا كتاب الله لولا نوره *** ما كان صرح فخارهم بمشيَّد
هذا كتاب الله لولا قَفْوَه *** ما كان ذكر علائهم بمخلّد
هذا كتاب الله فيه غِنى الورى *** عن كل بِدْع بينهم متجدد
هذا كتاب الله قانون العدا *** لة والمساواة التي لم تُجحد
هذا كتاب الله مصباح الهدى *** لا نستضيئ به إذا لم يُوقَد
كم من زمان مر لا ضَوءٌ به *** من نور فرقان كَنُور الفرقد
سادت به ظلم الجهالة حِقبة *** فاسودَّ منها كالغراب الأسود
فانظر لمغربنا الضعيف فأهلُه *** نار الجهالة بينهم لم تُخمَد
لكنها ضعفت بما أبديتَه *** يا خير شيخ بيننا ومجدِّد
إذ قمت تنشر بيننا أنواره *** وبغير سيف الحق لم تتقلد
فقرأت تفسير الكتاب موشّحاً *** بحديث خير المرسلين محمد
وبدأت ذلك في صحيح “محمد” *** وختمته “بابن اليزيد محمد”
قررته تقرير حبر حافظ *** سُنن النبي، بَلَى، وأكبر مسند
أبرزت فيه بلاغة ما نالها *** قس ولا سحبان يوم المشهد
أدركت في الميدان تبريزًا به *** فخرجت أفضل سيد ومسوَّد
ناديت بالناس اسلكوا طرق الصلا *** ح فخَفَّ نحو نِداك منهم مهتد
أسست للإصلاح أُسَّأ ثابتا *** وفتحت منه كل باب موصد
أظهرت للناس الحقيقة جهرة *** لم تخش في دعواك قول مفنِّد
قارعت عبدان الهوى وسللت من *** غمد الحقيقة مُصلتا لم يغمد
حاججت بالحجج القواطع مَن أبوا *** من ذي عمى أو ذي عشى أو أرمد
بينت مغزى دعوة الجهال حتـــ *** ــــــــــى صار كلهمُ بِعيش أنكد
وغدت ديارهم بلاقع بعدما *** كانت متاحف لؤلؤ وزبرجد
عيَّرت بالبدع التي جاءوا بها *** وعليهمُ صوَّبت كل مسدد
فأنرت منا كل قلب مظلم *** وكشفت عنا كل ستر أسود
وبسطت سلطانا على أهل النهى *** فملكتهم من غير جند مُنجِد
وحللت في وسط القلوب تُمِدُّها *** بالعلم والأثر الصحيح المسند
فلقد أقلمك ربُّنا وإلاهنا *** في مقعد ما فوقه من مقعد
فلتحيَ فينا يا “شعيب” مجدِّدا *** دين الإلاه وفيه جاهد واجهد
واغلُط على أهل البدائع جملة *** واصبر على إيذائهم وتجلد
فالله قد أعطاك ما لو شئت أن *** أقف الحياة لوصفه لم ينفد
أبقاك ربي للأنام بجاه من *** لولاه لم يك عالَم أو يوجد
صلى عليه الله ما صَرَع الهوى *** حقٌّ فأقبره بقبر ملحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *