المثقفون العرب.. المزورون العرب تأبين محمود درويش أنموذجاً إبراهيم بن محمد الحقيل

التزوير قديم في البشر، وتمجيد من لا يستحق التمجيد داء استبطن كثيراً منهم، وانتقاص من يستحق الثناء علة في أكثرهم، وأكثر من يتحدثون عن الحرية، وينادون بها، ويأسون على غيابها؛ هم أكثر الناس تسلُّطاً واستبداداً لو آل الأمر إليهم، ويخال للمرء وهو يقرأ تباكيهم على الحرية أنهم أول من يسحقها ويصادرها من خصومهم إن تمكَّنوا منهم، وأنهم لا يهتفون لها إلا ليصلوا بها إلى مصادرتها واحتكارها لهم وحدهم دون سواهم، وأنهم يرمون بصفاتهم القبيحة خصومهم.
وأشهر طاغية مستبدٍّ في التاريخ البشري عبَّد الناس لشهواته وآرائه، وكبت حريتهم، وعلا في الأرض؛ كان فرعون الطاغية الذي اتَّهم موسى – عليه السلام – بالعلوِّ والكبرياء والفساد في الأرض، وخاطب هو ومَلَؤه المستكبرون – خاطبوا موسى وهارون – عليهما السلام – قائلين: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٨٧]. وكانت أعظم وسيلة لهذا الطاغية المستبدِّ ومَلَئه هي الافتراء والكذب وقلب الحقائق والتدليس على الناس، والظهور بمظهر الناصح المشفق: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: ٦٢]، ولذا كان من نصح موسى – عليه السلام – لهذا الطاغية ومَلَئه ترك الكذب والافتراء، والبعد عن التزوير على الناس: {قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: ١٦].
وفي عصرنا هذا فإن دهاقنة الإعلام، ومنسوبي الصحافة الموصوفين زوراً بالمثقفين؛ يمثلون فراعنة هذا العصر في مجال الكذب والافتراء وتزوير الحقائق؛ لفرض مذاهبهم الضيقة، وتمرير أفكارهم المنحرفة، وصنع الرموز المزورة، وتجاهل العظماء الذين يمثلون حقيقة الأمة ونبضها وثقافتها وفكرها.
تأبين الزنديق محمود درويش:
كان الإعلام العربي بصُحفه ومجلاته وفضائياته ينوح ويبكي ويتلو المراثي، وقد توشَّح منسوبوه السواد حزناً على هلاك رمز من رموزهم المزورة أرادوا فرضه على الأمة، وجَعْله عَلَماً من أعلامها؛ بالكذب والافتراء والاستبداد الإعلامي.
قالوا فيه: (لقد كان صوتاً إبداعياً وفكرياً، وسيبقى شعره وأدبه وكفاحه مدرسة تلهم الملايين من أبناء شعبنا، انطفأ النجم الأكثر إشعاعاً وانتصر الموت على شاعرنا الكبير)، (النقش الأبدي)، (كان رجلاً فذاً ورائداً مناضلاً كبيراً)، (شهيد الثورة الفلسطينية، وشهيد القلم والبندقية، وحامل هموم الوطن)، (وفاته تُعدُّ جرحاً عميقاً في صدر الشعب الفلسطيني)، (فاجأنا غيابك يا محمود درويش! كما يفاجئنا القائد قبل أن تنتهي فصول المعركة)، (شهيد القلم)، هل قُتل بسبب شعره أو قلمه حين يوصف بذلك؟!
ووصفَتْه مريدة له طالما حاربت الطهر والفضيلة ودعت إلى الرذيلة في صحفنا فقالت: (درويش خريطتي المعلنة التي لا أتوه فيها وأنا أبحث عن زاوية في قلبي لم يلمسها أحد، في المساءات القلقة يكون درويش بلورتي، وأفتح الديوان على صفحة ما بطريقة عشوائية لأجد درويش يرسم لي مسائي وفأله).
ووصفه أحد رموز الفساد والإفساد بأنه في الشعر: (أعلى من كلِّ المقامات، أطول من كلِّ العمالقة، أبقى من كلِّ الفحول، سيبقى والريح تحته يكتب كلاماً جميلاً على سفوح الزوابع).
وقال عنه رمز من رموز الحداثة: (رجلٌ نُجمع على تبجيله.. وصاحب صيت هو الأكبر في ثقافتنا اليوم).
وكتب حداثي آخر يصفه بأنه (غاص في القضية الفلسطينية إلى أن رأى الجزء في الكل والمأساة الوطنية حيث الموت الغادر الذي يهدد الحياة بأسرها والعدم الذي يتربص بالوجود كله…)، ولفت النظر إلى أن الجميع يجب أن يعزوا أنفسهم قبل أن يعزوا الآخرين.
وقال آخر: (إنه أحد أهم رموزنا)، (احتلَّ موقعاً متقدماً في الذاكرة الجماعية على امتداد الوطن العربي)، ووصفوه بأنه شاعر العروبة الأول، وشاعر الإنسانية. ووصفته مريدة له بأنه (شمس هي إشعاع حياتنا)، (الجميع في هيستيـريا لا أحد يريد أن يصدق).
وبعض الأفراخ الصغيرة المتزندقة تطاول في نفسه فوصف شاعرهم بالأخ أو الزميل، ومنهم من وصف نقل الخبر عبر شاشة التلفزة فقال: (كانت شاشة التلفاز صاعقة، والخبر رعد التواريخ). ثم يصف الموت قائلاً: (الموت هذا الغامض الكوني، هذا الرابض السادي في ظلي). وصورت رسومهم الكريكتورية فلسطين في صورة امرأة تبكي على قبر هذا الهالك؛ أعزَّ الله – تعالى – فلسطين، وأغناها بالصادقين والمجاهدين عن الزنادقة والمرتدين، وأراح العباد والبلاد والدواب والشجر منهم.
والمؤسسة السياسية في فلسطين تعتزم إقامة ضريح له؛ لكونه رمزاً فلسطينياً، وصرَّح بعضهم بنصب تمثال على صورته.
وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية عباس الحِداد ثلاثة أيام واصفاً إياه بقوله: (نجم فلسطين وزينة شبابها وفارس فرسانها)، وصدرت الصحف الفلسطينية يوم الإثنين التالي لهلاكه مكلَّلة بالسواد، ونقلت بعض الصحف أن فتاة من مريديه ومدمني دواوينه الحداثية الإلحادية أُغمي عليها حال علمها بوفاته؛ أيقظ الله – تعالى – غيبوبة قلبها قبل غيبوبة جسدها.
وإليك – أخي القارئ! – بعض المعلومات عن هذا الشاعر الهالك الذي مجَّده إعلامنا العربي الكاذب البائس:
أولاً: تبنَّى محمود درويش الفكر الماركسي الإلحادي منذ شبابه، وفي ذلك يقول – عامله الله بما يستحق -: (صرنا نقرأ مبادئ الماركسية التي أشعلتنا حماساً وأملاً، وتعمَّق شعورنا بضرورة الانتماء إلى الحزب الشيوعي الذي كان يخوض المعارك دفاعاً عن الحقوق القومية، ودفاعاً عن حقوق العمال الاجتماعية، وحين شعرت أني أملك القدرة على أن أكون عضواً في الحزب دخلت إليه في عام 1961م؛ فتحددت معالم طريقي، وازدادت رؤيتي وضوحاً، وصرت أنظر إلى المستقبل بثقة وإيمان، وتَرَكَ هذا الانتماء آثاراً حاسمة على سلوكي وعلى شعري)[1].
وانضم إلى الحزب الشيوعي الصهيوني (راكاح)، وتولَّى رئاسة تحرير صحيفة (الاتحاد) الناطقة باسم الحزب، وفي عام 1981م أنشأ مجلة (الكرمل) وهي صوت للحداثيين الفلسطينيين والعرب.
يقول صديقه رجاء النقاش: (وقد عمل محمود درويش في جريدة الاتحاد ومجلة الجديد وهما من صحف الحزب الشيوعي في إسرائيل)[2].
ومن شدة ولعه بالماركسية كان يتغنى بكوبا الشيوعية فيقول: (حسناً.. حسناً.. حدث عن كوبا، هل تعرف شيئاً عن شعب ما عاد مصلوباً)[3].
وذكر الماركسي محمد دكروب أنه التقى به أول مرة في احتفالات الحزب الشيوعي في بلغاريا حيث جاء ممثلاً للحزب مع وفد من إسرائيل ضمَّ سميح القاسم أيضاً، والتقى به مرة أخرى في معهد الماركسية اللينينية في موسكو[4].
واستحق بشيوعيته الجلدة أن يحصل من موسكو في أوج الشيوعية على جوائز؛ كان أهمها: جائزة باسم الزعيم الشيوعي (لينين) عام 1983م.
2 – عيَّنه عرفات عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1986م، واستقال درويش من عضويتها عام 1993م، وكان مريدوه يوهمون الناس بأنه كان وطنياً وغير راضٍ عن تنازلات عرفات، ويريد الحق الفلسطيني، كما أن استقالته كانت بناء على الفساد المالي والإداري الذي لم يكن درويش يرضى أن يسكت عنه.
لكن درويش بيَّن في مقابلة معه ما يفضح زعم مريديه، فذكر أن سبب استقالته أنه لم يتلقَّ هو وزملاؤه مرتباتهم منذ عدة أشهر[5].
ومما يدحض ذلك أن درويش يُعدُّ عند اليهود من المعتدلين، والمعتدلون في العُرْف الصهيوني هم المستسلمون لمشاريعهم، المنبطحون لسياساتهم الجائرة. وتنشر الصحف اليهودية مقالات له في الدولة الصهيونية، وتجري حوارات معه، وكان يصرح بأن المفاوضات مع الدولة الصهيونية أصبحت خياراً استراتيجياً، ولا يجوز لأحد من الفلسطينيين أن يفكر بالانسحاب منها.
وكتبت عنه الصحف اليهودية بإعجاب، وحزنت لوفاته، حتى إن صحيفة (الحياة) خصصت زاوية لذلك عنوانها: الصحافة الإسرائيلية ترثي «شاعر الأمل»[6].
ووزير التعليم اليهودي السابق يوسي سريد أصدر تعليماته عام 2000م بتدريس بعض قصائد درويش في المدارس اليهودية، لكن رئيس الحكومة إيهود باراك ألغى القرار بعد تهديد القوى اليمينية بإسقاط الحكومة.
وذكر أحد الليبراليين المعجبين به أن درويش كان متذبذباً باستمرار بين القطب الصهيوني والقطب العربي؛ فتارة يميل كلياً إلى هذه الجهة، وتارة يميل إلى تلك[7].
قلت: هذه حقيقة هذا الثوري الهالك إزاء قضية فلسطين، واليهود يعرفون أصحاب القضية الحقيقيين المدافعين عنها؛ فيقتلونهم كما قتلوا الشيح أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي والمهندس عياش وغيرهم من المجاهدين؛ عليهم رحمة الله تعالى، ويعرفون مدَّعي المقاومة المزوِّرين؛ فيكرمونهم ويفتحون الصحف لهم، ويحزنون لوفاتهم، كما حزنت صهيون على الزنديق درويش الذي سمَّاه مريدوه: شاعر القضية الفلسطينية، ومن العجب أن يُخدَع الناس بالإعلام الكاذب، والصحف الأفَّاكة، وقد اعتادوا منها الكذب والتزوير.
إلحاده الصارخ، وفساده الظاهر:
انعكس الفكر الفاسد والعقيدة الماركسية الإلحادية لدرويش على شعره ونثره، فسَخِر من الله – تعالى – وملائكـته وكتبه ورُسُله واليوم الآخر والقدر والقرآن والعبادة في الإسلام، واستعار الرموز الوثنية والنصرانية الشركية والصوفية المغرقة في القول بوحدة الوجود، وتأثَّر بمذاهب أهل الشك والقلق والوجودية التي تكرسها العقيدة الإلحادية.
وهذه فقرات من أشعاره وكتاباته ليست إلا مختارات يسيرة من كمٍّ كبير خلفه هذا الهالك في دواوينه ومقالاته ومقابلاته تنضح بالكفر والزندقة وتطفح بالإلحاد والتعدِّي على المقدسات والحرمات:
أولاً: الاعتداء على عظمة الله – تعالى – وقدسيته:
1 – قال – عامله الله بما يستحق -: (إنَّا خُلِقنا غلطةً في غفلة من الزمان)[8].
2 – وقال: (نامي فعين الله نائمة عنا)[9].
3 – له قصيدة بعنوان: (إلهي لماذا تخلَّيت عني) على لسان امـرأة يقول فيها – عليه من الله تعالى ما يستحق -: (إلـهي إلهي! لماذا تخلَّيت عني؟ لماذا تزوجتَ مريم؟ لماذا وعدتَ الجنود بكرمي الوحيد؟ لماذا؟ أنا الأرملة… أطلَّقتني؟ أم ذهبتَ لتشفي سواي؟ عدوِّي من المقصلة أمن حق مَن هي مثلي أن تطلبَ الله زوجاً وأن تسأله؟ إلهي إلهي! لماذا تخلَّيت عني؟ لماذا تزوجتني يا إلهي؟! لماذا؟… لماذا تزوجت مريم؟)[10].
4 – وقال: (يا الله! جربناك، جربناك.. من أعطاك هذا السر؟ من سمَّاك؟ من أعلانا فوق جراحنا ليراك؟ فاظهر مثل عنقاء الرماد من الدمار… يا خالقي في هذه الساعات من عدم تجلى.. لعل لي رباً أعبده لعل).
وألقى ذات مرة هذه القصيدة في تلفزيون بغداد فقرأ آخرها هكذا (لعل لي حلماً لأعبده لعل)[11] وكلا العبارتين قبيحتان، وفيهما شك وشرك؛ نعوذ بالله – تعالى – من الضلال والزندقة والجرأة على صاحب الجبروت والعظمة سبحانه وتعالى.
ثانياً: عبوديته لغير الله تعالى:
1 – قال – عليه من الله تعالى ما يستحق -: (عيونكِ شوكةٌ في القلب توجعني وأعبُدُها)[12].
2 – وقال: (أخي أحمد! وأنتَ العبد والمعبود والمعبد متى تشهد)[13].
3 – وقال: (عيناكِ يا معبودتي! هجرة بين ليالي المجد والانكسار … وجئتِ يا معبودتي! كل حلم يسألني عن عودة الآلهة… عيناكِ يا معبودتي! منفى نفيت أحلامي وأعيادي… معبودتي! ماذا يقول الصدى؟ ماذا تقول الريح للوادي؟ عيناكِ يا معبودتي! عودة من موتنا الضائع تحت الحصار… ونحن يا معبودتي! أي دور نأخذه في فرحة المهرجان..)[14].
مع العلم أن معبودته التي يعشقها هي فتاة يهودية تدعى (ريتا)، وهكذا شعراء الثورية الماركسية معشوقاتهم بنات أعداء أوطانهم، ومن اغتصبوا أرضهم، ولعلهم بالعشق يخرجون المحتل!
4 – وقال: (والذي يعرف ريتا ينحني ويُصلِّي لإله في العيون العسلية)[15].
وهو شهواني لا يرضيه الزواج؛ ولذلك تزوج مرتين ولم يمكث مع كل زوجة سوى أشهر قليلة، وعادة هؤلاء المنحرفين الغرباء عن مجتمعاتهم أنهم يخضعون أحياناً لرغبات الوالدين والأسرة في مسألة الزواج، لكن بعضهم يفشل في تكوين أسرة، ويبقى شريد النفس، طريد الهوى، أسير الشهوة، وهذا الشاعر من هذا النوع، وأحد أقرانه المعجبين به كتب كلاماً إلحادياً شهوانياً في تأبينه، وعلَّل ذلك بقوله – أخزاه الله تعالى -: (سوف يضحك محمود درويش كثيراً عندما يقرأ هذه المقالة، سوف يفرح بهذه الكلمات لأنه كان جميلاً يحب الجمال وطالما استسلم لإغراء هذه أو تلك)[16].
سخريته بالرسل عليهم السلام:
1 – يقول – عامله الله بما يستحق -: (صار جلدي حذاء للأساطير والأنبياء)[17].
2 – ويقول: (من أي نبي كافر قد جاءك البعد النهائي؟)[18].
3 – ويقول: (ولتحاول أيها الأخضر! أن تأتي من اليأس إلى اليأس.. وحيداً يائساً كالأنبياء)[19].
4 – ويقول: (رأيتُ الأنبياء يُؤجِّرون صليبهم، واستأجرتني آية الكرسي دهراً)[20].
وسخر بالقرآن فاستعار رؤيا يوسف – عليه السلام – لنفسه، وطعن في نوح – عليه السلام – فجعله رمزاً للجبن والهروب لما ركب السفينة[21].
وقد طفح ديوانه باستعارة الرموز والشعارات الوثنية والنصرانية[22]، ويستعمل عقائد النصارى كقوله: (لا تقولوا: أبانا الذي في السماوات، قولوا: أخانا الذي أخذ الأرض منا وعاد هو الآن يعدم)[23]، وسبَّح بحمد غير الله – تعالى – في مواضع من ديوانه[24] وسخر بالقدر وشتمه، وأنكر الخلق[25].
ومن آخر مقالاته القبيحة مقال كتبه في إبريل 2008م في المجلة الثقافية التي تصدر عن الجامعة الأردنية عنوانه (عن المنفى) قسّم فيه المنفى إلى داخلي وخارجي، وقال: (المنفى الداخلي هو غُرْبَة المرء عن مجتمعه وثقافته، وتأمُّلٌ عميق في الذات، بسبب اختلاف منظوره عن العالم وعن معنى وجوده عن منظور الآخرين؛ لذلك يشعر بأنه مختلف وغريب، وهنا لا تكون للمنفى حدود مكانية. إنّه مقيم في الذات المحرومة من حريتها الشخصية في التفكير والتعبير). وهذا النص اعتراف واضح بأن نظرة هذا الزنديق إلى الحياة والوجود والحكمة من خلق الخلق؛ غير نظرة المجتمع الفلسطيني المسلم؛ فنظرته إلحادية تنكر الغيب والخلق.
ويوضح ذلك قوله – أخزاه الله تعالى -: (المنفيّ هو اللامُنتَمي بامتياز. لا ينتمي إلى أي مكان خارج ذاكرته الأولى. تصبح الذاكرة بلاداً وهوية، وتتحوَّل محتوياتُ الذاكرة إلى معبودات.
باعتبار الوجود الإنساني كلّه شكلاً من أشكال المنفى، منذ أن عوقبنا نحن أحفاد حواء وآدم بالتاريخ).
تنبيهات مهمة:
بعد معرفة حقيقة هذا الشاعر الهالك (محمود درويش) فإني أنبِّه إلى أمور مهمة:
أولاً: إذا كان الزنادقة والمنافقون ومن في قلوبهم مرض في بلاد المسلمين يرون أن من حقهم أن يُعجبوا بمن شاؤوا من ملاحدة العرب والعجم وزنادقتهم؛ أخذاً بالحرية (الليبرالية) الغربية التي اتخذوها ديناً لهم؛ فليس من حقهم – حتى في باب الحرية التي ارتضوها – أن يكذبوا على الأمة ويدلسوا على الناس، ويخفوا كفريات هذا الزنديق؛ لأن جمهور الأمة المسلمة لا يرضون بهذا الخبال والضياع والإلحاد، ولا يقرون مدح من اتصف به.
ثانياً: إن النفاق ملة واحدة كما أن الكفر ملة واحدة؛ فأغلب المؤبنين لدرويش في الصحف العربية هم من الليبراليين، ودرويش ماركسي جلد، والليبراليون أعداء للماركسيين.
كما أن مهمة الصحافة الليبرالية تسويق المشاريع الاستعمارية الصهيونية والرأسمالية، ودعوة الشعوب العربية وحكوماتها إلى الانبطاح والاستسلام لهذه المشاريع، ومحاربة من رفضها أو قاومها سلماً أو حرباً، ولطالما حاربوا الإسلاميين والقوميين؛ لأنهم ينحازون إلى الأمة وقضاياها، ويرمونهم بالجهل والتخلف والأدلجة وغير ذلك من المصطلحات التي يخترعونها.
وهم يصفون شاعرهم بأنه ثوري كرَّس نفسه للقضية الفلسطينية، فكيف قَبِلوا ذلك منه وهو يتناقض مع دعوتهم الاستسلامية؛ لولا أنهم يتفقون معه في ثوريته على تراث الأمة، وتمرُّده على أصولها ومسلَّماتها، وطعنه في ربها تعالى، ورُسُله عليهم السلام، وسخريته بالدين، وهذا هو القاسم المشترك بين شاعرهم الماركسي وبين ليبراليتهم.
ثالثاً: ظـهر في الأمـة من الخير العظيم ما يبـشِّر – إن شاء الله تعالى – بيقظة فكرية تقاوم الأفكار المنحرفة وأصحابها؛ فالمقالات التي بيَّنت حقيقة هذا الشاعر حال العلم بهلاكه تتزايد على الشبكة العنكبوتية، ويكثر قراؤها وزوَّارها والمعلِّقون عليها، وهو ما يبشِّر بفضح المنافقين، وهتك أستارهم للمسلمين.
وكنت قد رصدت قبل أربعة عشر عاماً هلاك زنديق من زنادقة الشعر، ناحت عليه الصحف ولطمت، وكان الإنكار آنذاك ضعيفاً وتأثيره محدوداً، ولذلك أسباب؛ أهمها:
1 – عدم انتشار الوعي بين العلماء والدعاة بخطر أصحاب الأفكار المنحرفة، وكشف زيفهم، وبيان حقيقتهم، وتحذير الناس منهم.
2 – كانت الكتب عن المنحرفين قليلة جداً، وبعضها رسائل علمية حُجر عليها في أرفف الجامعات، ومُنعت من النشر في إرهاب فكري أُحادي لا مثيل له، كما أن وسائل الإعلام بأيـدي المنحرفين الذين لا يمثـلون الأمة ولا دينـها ولا ثقافتها؛ لا سيما الصحف والمجلات، فلما حصل الانفتاح في وسائل الاتصال، وخاصة في الشبكة العنكبوتية؛ وجد أهل الخير والصلاح متنفساً لنشر مقالاتهم وكتبهم في فضح الزنادقة، ووصل ذلك إلى العامة، وعرف كثير من الناس حقيقة المثقفين المزورين، والصحفيين الأفَّاكين.
والواجب على العلماء والدعاة أن ينشطوا في تحذير الأمة من كل فكر دخيل يتعارض مع دينهم، وتحذير الناس منه ومن رموزه وأتباعه والمسوقين له؛ فإن ذلك يصيب الزنادقة والمرتدين والملحدين في مقتل.
كما أن بيان حقيقة الزنادقة التي يخفيها الإعلام الفاسد والصحافة الكاذبة سبب لفضح الإعلام والصحافة عند العامة، ويزيد ذلك من ثقة الناس في علمائهم ودُعاتهم.
رابعاً: مع اشـتداد الهجمة العلمانية – وخاصة الليبرالية – على دين الأمة ومقدساتها وعلمائها، ومحاولتهم تبديل دينها، ومع كثرة ما يُكتب في الصحف، ويعرض في الفضائيات من تمجيد زنادقة العصر؛ فإن كثيراً من الناس – لا سيما المتعلمين منهم وحملة الشهادات العليا – يقفون مواقف المحايدين المتفرجين، وينأون بأنفسهم عن نصرة الدين وأهله، ودحر النفاق وأهله بحجج منها:
1 – أن في الأمة من قام بما يكفي فسقط الفرض عن البقية وارتفع الحرج، وهذه حجة باهتة؛ لأنه لا توازيَ بين ما كُتب عن هذا الزنديق الهالك درويش من مقالات التأبين وقصائد التوديع، وبين الردِّ عليهم، وبيان حقيقة زنديقهم التي أخفوها؛ فالمقالات والكتّاب عنه بالمئات، والصفحات والملاحق المخصصـة للإشادة به كثيرة جداً طـيلة أسـبوع أو أكثر، بينما المقالات الكاشفة لحقيقته في الشبكة العالمية قد لا تصل إلى عشر مقالات؛ وكثير من الناس تغرُّه الكثرة، ويُخدع بسيل هذه المقالات الجارفة الغالية المتطرفة في مدح الملاحدة.
2 – يحتج بعضهم بأن فضح الزنادقة يُشهرهم، ويرفع ذكرهـم، وتركـهم أَوْلى مـن فضحهم والرد عليهم، وتلك الدعوى يردِّدها بعض القاعدين عن نصرة الدين، كأنهم يتحدثون عن زنديق مات في مجاهل إفريقيا، أو جزر أستراليا ولا يعرفه أحد! وكأنهم لا يرون ما في الصحف ولا يسمعون بما يُعرض في الفضائيات، ويُفرض على الناس! وهذا من الجهل المطبق بحال الإعلام، أو من التجاهل المقصود للتنصُّل من المسؤولية، ولا يسع ذلك أهل العلم والدعوة الذين يجب عليهم الاحتساب على من يريد إضلال الناس، وتحريف دينهم؛ حمايةً للأمة، وقياماً بواجب الدعوة.
وقد راجعت بعد هلاك هذا الزنديق أربع صحف في يوم واحد فقط هو يوم الإثنين10/8/1429هـ؛ فإذا المنشور فيها عنه من مقالات وتحقيقات وتعليقات تزيد على الثمانين، ويصل هذا إلى الناس؛ ليصوغ عقولهم، ويفسد أفكارهم، ويضعف انتماءهم لدينهم، فكيف لو أحصينا كل ما كتب عنه طيلة أسبوع في سائر الصحف العربية؟!
3 – يحـتج بعضهـم بأن مـن مات فقد أفضى إلى ربه، وقدم على عمـله، وكأنهم بهذه الحجة يتــورَّعـون عن الخوض في الأمــوات، وتـالله العلي العظـيم إن هذا لهو الورع المقــلوب، ويدل على موت القــلب، وضعف الغيرة لله تعالى؛ إذ كيف يُترك زنــادقة العــصر وأذنابهم يجاهرون بشتم الله – تعالى – ورُسُله عليهم السلام، ويسخرون من القرآن والشريعة، وتطفح دواوينهم بالكفر الصارخ، والإلحاد الظاهر؛ فإذا مات الواحد منهم، وناح عليه أتباعه ومريدوه؛ تورَّع بعــض الناس عن فضحه، وتحذير الناس منه؛ فأيُّ ورع هذا؟
والقرآن ملـيء بالطــعن فـي الأمـوات مـن المكـذبـين من قـوم نـوح وعـاد وثـمـود وقـوم شعيب وقوم إبراهيم وقوم لوط وفــرعون وهامان وقارون وكفار مكة، ونزلت سورة تطعن في عمِّ النبي # أبي لهب تُقرأ إلى آخر الزمان، مع أن المكذبين السابقين لم يقولوا ما قاله زنديقهم الهالك في الله – تعالى – ورُسُله – عليهم السلام – وكتبه وشريعته.
وأُثني بِشَرٍّ على جنازة منافق عند النبي # فأقرَّهم على ذلك، وأخبرهم أن النار قد وجبت له، ولا زال الصحابة والتابعون والأئمة المهديُّون والعلماء الربانيون يفضحون أهل الضلال والانحراف، ويبيِّنون حقيقتهم للناس، ويحذرون من أتباعهم ومقولاتهم ولو كانوا أمواتاً؛ فلا حرمة لزنديق يجاهر بزندقته حياً ولا ميتاً.
وبعــض أهـل الخيـر والعلـم والدعوة يعتزل هذه المعتركات؛ إيثاراً للسلامة، وطلباً للراحة؛ زعماً منه أنه يشتغل بمجالات أهمّ وأَوْلى، مع أن جهاد الكفار والمنافقين من أهم المهمات، وأعلى المقامات، وأمر الله – تعالى – به في قوله – سبحانه -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْـمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْـمَصِيرُ} [التوبة: ٣٧]، قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: «فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عدداً فهم الأعظمون عند الله قدراً» ا. هـ [26].
قلت: فكيف والفرض لا زال قائماً، ولم يقم به من أهل العلم والدعوة من يكفي.
والاستعمار العسكري والسياسي والاقتصادي لبلاد المسلمين يرفده استعمار فكري ثقافي يؤدِّي أكثره المنافقون والمرتدون، والحرب الفكرية فيه توازي الحرب العسكرية السياسية – إن لم تكن أشد -، وهزيمتهم في الحرب الفكرية الثقافية مؤذنة بهزيمتهم في الميادين الأخرى؛ فلينفر العلماء والدعاة والكُتّاب لنصرة دين الله تعالى، وردِّ الشبهات عنه، وكشف الطاعنين فيه، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم؛ كما جاء في الحديث. وحماية الثغور العقدية والفكرية التي يحاصرها الأعداء خير من الترف العلمي، وأهم من تحقيق بعض المسائل الخلافية التي يسوغ الاجتهاد فيها، وأفضل من نوافل العبادات، وهو ضرب من ضروب الجهاد في سبيل الله تعالى.
وأقبح من الساكتين المعتزلين من يجامل الزنادقة والمنحرفين؛ لقوَّتهم وعلوِّهم في الأرض؛ أو ليكون له يد عندهم، أو ليسوِّغ عجزه وخوره وعدم قيامه بشيء، ولا يكون تسويغه إلا بالطعن في إخوانه ممن ندبوا أنفسهم لمحاربة الأفكار المنحرفة، والاحتساب على الزنادقة والمنحرفين، وهتك أستارهم، فيرمي إخوانه بالتعجُّل، أو أنهم أصحاب أحكام مسبقة، أو أن لهم مآرب أخرى في كشف زنادقة العصر، أو غير ذلك.
ونعوذ بالله – تعالى – من عجز أو هوى يحملان المصلين على الانحياز إلى صف الزنادقة والمرتدين، وترك إخوانهم، ولَأَنْ يكون الإنسان ذيلاً في الحق خير من أن يكون رأساً في الباطل.
خامساً: ما نضح به الإعلام والصحافة من جرأة على تمجيد زنادقة العصر والاحتفاء بهم؛ يدل على حاجة الأمة إلى إحياء الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكفر وأهله، كما يدل على أن هذا الركن الركين من الدين في حالة تقهقر وتراجع عند كثير من الناس، ويودُّ المنافقون والمرتدون لو انتزعوه من قلوب الناس، ومقالات عدد منهم تصرِّح بذلك، وتدعو الناس إلى عدم التفرقة بين المسلمين والكفار، واستبدال المصطلحات الشرعية بمصطلحات حادثة مبتدعة؛ كالآخر والتعايش السلمي، ووحدة الأديان السماوية أو الإبراهيمية، والأخوة الإنسانية أو الوطنية، وقد قال الله – تعالى -: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: ٢٢].
وكثيراً ما رأينا من زنادقة العصر جرأة في معاداة العلماء والدعاة والمصلحين مع إعلان الولاء للكفار والمرتدين، وهذا يوجب تكاتف الدعاة والعلماء والمحتسبين ليردُّوا هجمات هؤلاء المجرمين عن الإسلام وشريعته.
سادساً: العتب كل العتب على التيارات الإسلامية الفلسطينية حين شاركت المزوِّرين في نياحتهم على هذا الزنديق الهالك، وجاملت في سبيل الوطن أو السياسة على حساب دينها وعقيدتها التي كانت ولا زالت مصدر قوتها وتأييد الشعب الفلسطيني المسلم لها؛ فأين الولاء للمؤمنين؟ وأين البراءة من الزنادقة والمارقين؟
إن مجاملة ملاحدة العرب وزنادقتهم والمرتدين منهم ليست أقل خطراً من الارتماء في أحضان الصهاينة وأذنابهم. والانتصار على العدو الصهيوني لن يأتي بالمداهنة في دين الله تعالى. وأهل الكفر والنفاق يفرحون بهذه المداهنة والملاينة من التيارات الإسلامية؛ لإماتة الغيرة والحمية الدينية في قلوب أتباعها، وإسقاطها في الحفر المظلمة للسياسات الملتوية، والله – تعالى – يقول في المنافقين: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: ٩٨]، وقال – سبحانه – في الكفار: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩].
سابعاً: منذ سنوات كثيرة وأنا أتعجب كثيراً ممن يُسمَّون بالأدباء الإسلاميين، ومنسوبي رابطة الأدب الإسلامي[27]، والمتخصصين في الأدب والشعر من الهواة والأكاديميين في الجامعات والتعليم العام وغيره وهم يبلغون المئات، أين هم عن ردِّ جهالات هؤلاء الشعراء المارقين، وفضح الزنادقة والمرتدين، وبيان حقيقتهم من دواوينهم وكتبهم ومذكراتهم ومقالاتهم ومقابلاتهم؟! فهم أهل التخصص والتذوق الأدبي، وهم أقدر على فكِّ رموز الحداثيين وطلاسمهم، ويفهمون مراد هؤلاء الشعراء المنحرفين أكثر من غيرهم. ما فائدتهم وما ثمرة تخصصهم ورابطتهم إذا لم تكن لنصرة الدين في التخصص ذاته، وردِّ طعون الزنادقة من الشعراء والأدباء؟ مع أن من أهداف دراستهم للأدب الإسلامي حماية ذوق الأمة الشعري والأدبي، وتنقية الأدب والشعر من الانحراف، وإلا لما سُموا بالأدباء الإسلاميين، ثم لا نرى منهم سوى التنظير والتأصيل للأدب الإسلامي، وأما من يقومون بفضح زنادقة القلم والأدب والشعر والاحتساب عليهم فهم أهل التخصصات الشرعية! وهذا الثغر ثغر أهل الأدب الإسلامي، وثغرُ كل من فيه غيرة على الدين والحرمات من المتخصصين في الأدب والشعر، والقادرين على الكتابة والنقد؛ فلماذا يتركونه لغيرهم مع مسيس الحاجة إليهم؟!
إننا في أمسِّ الحاجة إلى أمثال: محمود شاكر، ومحمد محمد حسين، ومحمد مصطفى هدارة، وأنور الجندي؛ عليهم رحمة الله تعالى، حين قارعوا زنادقة عصرهم بسلاحهم، وانبروا لهم في مجالاتهم الأدبية، وكشفوا زيف دعاواهم، وحذروا الأمة من شرورهم.
لماذا لا تصدر رابطة الأدب الإسلامي بياناً للأمة يُنشر في الصحف الإسلامية والشبكة العالمية يوضحون فيه حقيقة كل شاعر وأديب وناقد وكاتب منحرف حال الإشادة به فــي الإعلام المنحــرف؛ لوفاته أو حصــوله على جائـزة أو غير ذلك؛ حتى يعلم جمهور الأمة حقيقته، وحقيقة الإعلام الذي دلَّس عليهم وخدعهم.
ثامناً: حين طعن الدنماركيون الصليبيون في النبي # ثارت ثائرة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأنكروا ذلك بشدة، وهذا عمل طيب مشكور، ولكن زنادقة العرب يصولون ويجولون في الصحف والمجلات والإذاعات والفضائيات، ويطبــــعون الشعر والنثر والمقالات التي تمتــلئ بشتم الله – تعالى – ورُسُله – عليهم السلام – وملائكته الكرام، وتسخر من الشريعة والقرآن، وتدعو إلى ا
لتمرد على الشريعة وأحكامها، ولا يحرِّك ذلك ساكناً في الناس، وكأن الطعن في مقدسات المسلمين حرام على الـروم والعجم حلال للعرب؛ فأين هـي الغيـرة على الحرمات؟ ولماذا لا تبادر أُسر الزنادقة والمرتدين للإنكار عليهم، وطلب محاكمتهم، ومقاطعتهم، والتبرُّؤ منهم؟! فإن النبي # وصحابته – رضي الله عنهم – قد تبرَّؤوا من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشائرهم، وفارقوهم لأجل كفرهم، ورفعوا السيوف في وجوههم؛ غيرةً لله تعالى، وانتصاراً لدينه.

وأين طعن هؤلاء المارقين الجدد في الله – تعالى – وملائكته وكتبه ورُسُله واليوم الآخر والقدر؛ من شرك العرب آنـذاك، الذي اعــتقدوا فيــه أن شركهم يقربهم إلى الله – تعالى – زلفى، ومع ذلك فارقهم المؤمنون؟
ولو أن زنادقة العصر أنكر عليهم أقرب الناس إليهم، وهجروهم في الله تعالى؛ لارعوى أكثرهم، ولم يجاهروا بإلحـادهم وانحـرافهم، ولا مـحابـاة فـي ديـن الله تـعالى، وقد قال سعد بن معاذ – رضي الله عنه – حين أراد الحكم على حلفائه وأصدقائه من يهود قريظة: (لقد آنَ لسعد أن لا تأخذه في الله – تعالى – لومةُ لائم)؛ فحكم عليهم بالقتل والسبي؛ فقال النبي #: «لقد حكمت فيهم بحكم الله»؛ فأين إحياء سنة سعد – رضي الله عنه – فينا بأن لا نحابي في دين الله – تعالى – أحداً مهما كان قربه منا، وصداقته لنا، فالله – تعالى – ورسوله ودينه أحب إلينا، وصدق الإيمان وحلاوته يُنالان بذلك؛ كما قال النبي #: «ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن أحبَّ عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار»[28].
أسأل الله – تعالى – أن يحيي في هذه الأمة المباركة غيرتها على دينها، واحتسابها على زنادقتها، وأن يكفي المسلمين كل زنديق ومرتد ومنافق، إنه سميع قريب، والحمد لله أولاً وآخراً.

____________________
[1] مجلة الطريق، تشرين الثاني، 1968م، ص 32.
[2] محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، ص 113.
[3] ديوانه، ص 197، ط. دار العودة.
[4] صحيفة الشرق الأوسط، العدد (10849)، ص 13.
[5] مجلة الأسبوع العربي، العدد (1768)، ص 9.
[6] الحياة، العدد (16565)، ص 23.
[7] صحيفة الشرق الأوسط، العدد (10849)، ص 16.
[8] ديوانه، ص 42.
[9] ديوانه، ص 24.
[10] ديوانه، ص 81.
[11] الحداثة في الشعر المعاصر، ص 26.
[12] ديوانه، ص 608.
[13] ديوانه، ص 320.
[14] ديوانه، ص 320.
[15] ديوانه، ص 192.
[16] الشرق الأوسط، العدد (10849)، ص 16.
[17] ديوانه، ص 292.
[18] ديوانه، ص 591.
[19] ديوانه، ص 634.
[20] ديوانه، ص 480.
[21] انظر: ديوانه، ص 77 – 116 .
[22] انظر على سبيل المثال في ديوانه، ص 40 – 64 – 104 – 172 – 174 – 228 – 240 – 322 – 349.
[23] ديوانه، ص237، وأيضاً ص 403.
[24] انظر: ديوانه، ص73 – 86.
[25] ديوانه، ص 81.
[26] زاد المعاد: 3/5.
[27] الذي نعرفه أنه كُتبت دراسات ومقالات في ذلك، لكنها لم تنشر لوجود اللوبي الحداثي الذي يرفض مثل ذلك، ومع ذلك نُشر بعضها مثل مقالة الأستاذ ياسر الزعاترة، وسبق أن نشرت مجلة الإصلاح الإماراتية في العدد (47) مقالة بعنوان (محمود درويش والعك المسمى شعراً)، كما أن للناقد (أحمد أشقر) نقداً أدبياً، انظر: (التوراتيات في شعر محمود درويش)، www.almishkah.net. ^
[28] أخرجه الشيخان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *