قصيدة العدد
آفات المحاسن
أرجوزة من نظم أبي أيوب خالد شيري
تدبرت المحاسن كلها، فوجدت كل واحد منها لا يخلو من آفة تفسده، واللبيب من احترز، والسعيد من وقاه الله.
لِكُـلِّ شَـيءٍ آفَـةٌ تَشِينُـهُ …
فَالجَهْـلُ دَوْمًا آفَةُ الدِّيَـانَـةْ … وآفـة الجُنُـودِ في الخِـلاف … بِالطَّيْشِ ضاعتْ فُرصَةُ الشَّبَاب … قَرْضُ اللِّـئـامِ أفْسَدَ التِّجارة … لَيْسَ مع الصَّـداقة اسْتِئْـثَارُ … يَحُطُّّ قدْرَ العَالِمِ الـمُخَـالَفَةْ … كَمْ فَوَّتَ المَطَالِبَ اسْتِعْجَـالُ … إنَّ عُيُـوبَ الـدَّارِ والطَّرِيقِ … العِلْـمُ شَانَ وَجْهَهُ تَسَـنُّـمُ … بِالْمَـنِّ قـدْ تَغَيَّـرَ الإِحْسَانُ … لاَ البِـرُّ بَالرِّيَـا جَنَا الثَّوَابَ … كَمْ وَالِـدٍ آلَمَهُ العُـقُـوقُ … يُمَـزِّقُ الْعَلاَئِـقَ النَّـمَّـامُ … مِـنَ المعانِي رَائِـقُ التَّفْـسِيرِ … يَا وَيْلَ بَيْتٍ مِنْ نُشُوزِ الزَّوجةِ … أَمْـوالُنا يُفسـدها التَّبْـذيرُ … بِالْحِـرْصِ حَتْمًا فَاتَنَا السُّرُورُ … الْيَـأسُ عِنْدَ النَّائِبَاتِ وَالْجَزَعْ … لاَ يَحْتَفِـي بِحَظِّهِ الْحَسُـودُ … ليسَ مُصِيبـًا تَـارِكُ المُشَاوَرَةْ … يُسَـوِّدُ الكَذَّابُ هَامَـةَ الخَبَرْ … حَيَـاتُنـا آفَتُـها الأَشْـرارُ … طُـولُ الحَدِيثِ فِيهِ يَكْثُرُ الزَّلَلْ … تُـرَدُّ لِلْفَظَاظَـةِ النَّصيـحـةْ … يَظْهَـرُ ضُـرُّ الفَقْـرِ بالتَّعَالِي … فَرْطُ التَّواضُعِ يَصِيرُ مَسْكَنَـةْ … لأنَّ كُـلَّ ما نَـأى عنْ حَدِّهِ … كذاكَ ما قبْل النُّضُوجِ يُجْتَنَى … وَكُل قَوْلٍ جاءَ في غَيْـرِ المَقَامْ … والسِّرَّ إِنْ أَوْدَعْتَهُ غَيْرَ الحَبِيبْ … وفي الخِتـامِ أحْمَـدُ الإلـهَ …
|
بِـهَا يَصِيـرُ عَلْقَـمًا مَعِينُـهُ
وآفـةُ الشَّـراكَـة الخِيانـة فهـذه ثالِـثَـةُ الأَثَـافِـي وضاع نـورُ الشَّيْبِ بِالتَّصَابِي والظُّلـم جُـرْمٌ يُفسد الإمارة ولا مع المـحَبَّـة الإِضْـرَار ويُقْتَلُ الشُّجعان بِالـمُجَازَفَةْ وفُرْصَةٍ أَمَـاتَـهَا الإِمْـهَالُ أَكْـثَرُها في الجَـارِ والرَّفِيـق قَوْمٍ تَـزَبَّـبُوا ومَا تَحَصْرَمُوا فَسُـمُّـهُ صَيَّـرَهُ عُـدْوَانُ لاَ العَقْلُ بِالْهَوَى دَرَى الصَّوَابَ وآلَـمَ الأَحِـبَّـةَ الـفِـرَاقُ وَكُـلُّ حُسْـنٍ عَيْبُـهُ الذَّمَّامُ تُفْسِـدُهُ إِسَـاءَةُ التَّعْـبِـيرِ وَزَيْـغِ بَعْلِها عَـنِ المَحَجَّـةِ وسـاءَ بِالحَمَاقَـةِ التَّـدْبيرُ وَقَدْ تُـوَارِي الْغِيْـرَةَ الْخُمُورُ لِلصَّدَمـاتِ لاَ يَلُمُّ مَا انْصَدَعْ حَـقًّا ولا بِالنِّعمـةِ الجَحُـودُ أوْ قَائِـدًا منْ يَجْهَـلُ المُنَاوَرَةْ والعُجْبُ بالنفس يُفَوِّتُ الظَّفَرْ وآفَـةُ المَجَالِـسِ الثَّـرْثَـارُ يَشِيـنُ زَيْنَـهُ وَيُـورِثُ المَلَلْ وقدْ غَـدا إِعْـلانُها فَضيحةْ ويَخْتَفِـي الجَمَـالُ بِالإِهْمَالِ وفي الوَقـارِ قَدْ يَصِيرُ فَرْعَنَـةْ مُغـالِيًا فَقـد سَعـى لِضِدِّهِ وكُلُّ ما بعدَ الأَوان يُقْتَـنَـى والخَيْـرَ إنْ رَجَوْتَهُ عِند اللِّئامْ والنًُّصْحَ إنْ أَسْدَاكَهُ غَيْرُ اللَّبِيبْ وَاهَـا لِذِكْرِنَا الإلـهِ وَاهَـا |
وتلك الأمثال
صحيفَة المتلمس: يضْرب مثلا للشَّيْء يَغُرُّ.
وَمن حَدِيثه أن عَمْرو بن الْمُنْذر بن امرىء الْقَيْس وَهُوَ عَم النُّعْمَان بن الْمُنْذر كَانَ يرشح قَابُوس بن الْمُنْذر، وهما لهِنْد بنت الْحَارِث بن عَمْرو للْملك بعده، فَقدم عَلَيْهِ المتلمس وطرفة فجعلهما فِي صحابة قَابُوس، وَكَانَا يركبان مَعَه للصَّيْد فيركضان طول النَّهَار فيتعبان، وَكَانَ يشرب من الْغَد فيقفان على بَابه فِي الْغُبَار فضجر طرفَة فَقَالَ:
فليت لنا مَكَان الْملك عَمْرو … رغوثاً حول قبتنا تخور
من الزمرات أسبا قادماها … فضرتها مركنة درور
لعمرك إِن قَابُوس بن هِنْد … ليخلط ملكه نوك كثير
لنا يَوْم وللكروان يَوْم … تطير البائسات وَمَا نطير
فَأَما يومهن فَيوم سوء … يطاردوهن بالحدب الصقور
وَأما يَوْمنَا فنظل ركباً … وقوفاً لَا نحل وَلَا نسير
فَدخل عَمْرو بن الْمُنْذر مَعَ عَمْرو بن بشر بن مرْثَد ابْن عَم طرفَة الْحمام فَرَآهُ سميناً بادناً، فَقَالَ لَهُ: صدق ابْن عمك طرفَة حَيْثُ يَقُول فِيك:
وَلَا خير فِيهِ غير أَن لَهُ غنى … وَأَن لَهُ كشحاً إِذا قَامَ أهضما
فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن بشر إِن مَا قَالَ فِيك شَرّ وأنشده.
(فليت لنا مَكَان الْملك عَمْرو … )
فَقَالَ عَمْرو لا أصدقك عَلَيْهِ، وَقد صدقه وَلَكِن خَافَ أَن تُدْرِكهُ الرَّحِم فينذره، فَمَكثَ غير كثير ثمَّ دَعَا بالمتلمس وطرفة وَخَافَ إِن قتل طرفَة أَن يهجوه المتلمس لِأَنَّهُمَا كَانَا خليلين فَقَالَ لعلكما اشتقتما إلى أهليكما.
قَالا نعم فَكتب لَهما إِلَى أبي المناذر عَامله على الْبَحْرين أَن يقتلهما، وَذكر أَنه أَمر بحبائهما. فَلَمَّا وردا الْحيرَة قَالَ المتلمس: تعلمن يَا طرفَة أَن ارتياح عَمْرو لي وَلَك لأمر مريب، وَإِن انطلاقي بِصَحِيفَة لا أَدْرِي مَا فِيهَا لغرور.
وَقيل إِنَّه رأى شَيخا متبرزاً يَأْكُل تَمرا ويقْصع قملا، فَقَالَ المتلمس: ما رأيت شَيخا أقذر مِنْك ولا أَجْهَل. قَالَ: وَمَا رَأَيْت من جهلي أُدخل طَيِّبًا وَأُخْرِج خبيثاً وأقتل عدوا وأجهل مني من يحمل حتفه بِيَدِهِ، فانتبه المتلمس وَدفع الصَّحِيفَة إِلَى غُلام فقرأها، فَقَالَ لَهُ: أَنْت المتلمس؟ قَالَ: نعم. قَالَ: النَّجَاء فقد أَمر الْملك بقتلك. فَألْقى الصَّحِيفَة فِي نهر الْحيرَة وَقَال:
فألقيتها بالثني من جنب كَافِر … كَذَلِك أقنو كل قطّ مضلل
رميت بهَا فِي المَاء حَتَّى رَأَيْتهَا … يجول بهَا التيار فِي كل جدول
وأبى طرفَة أَن ينثني عَن وَجهه فَمضى وأوصل الصَّحِيفَة ففصد من الأكحلين فنزف حَتَّى مَاتَ فَقَالَ المتلمس:
من مبلغ الشُّعَرَاء عَن أخويهم … نبأ فتصدقهم بِذَاكَ الْأَنْفس
أودى الَّذِي علق الصَّحِيفَة مِنْهُمَا … وَنَجَا حذار حبائه المتلمس
ألْقى صَحِيفَته ونجى كوره … وجناء مجمرة المناسم عرمس
وَرووا أَن طرفَة قَالَ فِي ذَلِك:
أَبَا مُنْذر كَانَت غرُورًا صحيفتي … وَلم أعطكم فِي الطوع مَالِي وَلَا عرضي
أَبَا مُنْذر أفنيت فَاسْتَبق بَعْضنَا … حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض
سحر البيان
تحمّل المكاره في نيل المكارم:
“قيل: المكارم موصولة بالمكاره، وقيل: من سما لمكرمة فليتحمّل مكروهها.
وقال الخبزارزي:
فقل لمرجّي معالي الأمور … بغير اجتهاد رجوت المحالا
وقال أبو تمّام:
ما ابيض وجه المرء في طلب العلا … حتّى يسودّ وجهه في البيد
وقيل: إذا لم تتعن لم تتودع وإذا لم تتفجع لم تتمتع. دون نيل المعالي هول العوالي. وقيل للربيع بن خيثم: أتعبت نفسك في العبادة وإصلاح أمر الناس، فقال:
راحتها أريد فإن أفره العبيد أكسبهم لمولاه.
وقيل لروح ابن حاتم: طال وقوفك في الشمس، فقال: ليطول وقوفي في الظلّ.
وقد أجمع حكماء العرب والعجم أنه لم يدرك نعيم بنعيم قط، وما أدرك نعيم إلا ببؤس قبله.
قال شاعر:
وتحمل المكروه ليس بضائر … ما خلته سببا إلى محمود
وقال امرؤ القيس:
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة … كفاني ولم أطلب قليل من المال
وقال المتنبّي:
إذا غامرت في شرف مروم … فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير … كطعم الموت في أمر عظيم
وله:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وقال الصاحب:
وقائلة لم عرتك الهموم … وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت دعيني على غصّتي … بقدر الهموم تكون الهمم
وكتب بليغ: فلان تعب في طلب المكارم غير ضالّ في طرقها، ولا متشاغل عنها.” من (محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء).
نظرات في الأدب
فصاحة الألفاظ ومطابقتها للمعاني:
“فصاحة الألفاظ تكون بثلاثة أوجه: الأول مجانبة الغريب الوحشي حتى لا يمجه سمع ولا ينفر منه طبع. والثاني تنكب اللفظ المبتذل والعدول عن الكلام المسترذل حتى لا يستسقطه خاصي ولا ينبو عنه فهم عامي. كما قال الجاحظ في “كتاب البيان”: أما أنا فلم أر قوماً أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب وذلك أنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً وحشياً ولا ساقطاً عامياً.
والثالث أن يكون بين الألفاظ ومعانيها مناسبة ومطابقة. أما المطابقة فهي أن تكون الألفاظ كالقوالب لمعانيها فلا تزيد عليها ولا تنقص عنها. وأما المناسبة فهي أن يكون المعنى يليق ببعض الألفاظ إما لعرف مستعمل أو لاتفاق مستحسن حتى إذا ذكرت تلك المعاني بغير تلك الألفاظ كانت نافرة عنها وإن كانت أفصح وأوضح لاعتياد ما سواها.” من جواهر الأدب.