إلى سورية الجريحة.. (أحزمُ الناس عاقلٌ لمسَ الجرحَ وابتسمْ) ذ. إبراهيم أبوالكرم

هكذا قال شاعر سورية عمر أبو ريشة، والله يعلم كم من الطاقات والمؤهلات العلمية والأدبية تثكل بها سوريا في هذه الأيام، التي غدت تحصد كل يابس وأخضر.
ولنا وقفة مع إحدى هذه الطاقات، أحد شعراء سوريا الذين شرفوا وجه الشعر العربي بروائعهم، وثاروا على الأوضاع المزرية التي تعيشها الأمة الإسلامية، فشاعرنا ممن سخر قلمه للدفاع عن قضايا الأمة، وتحميل الشعر رسائل نافعة لتصحيح الأفكار ونشر الأخلاق الفاضلة، نحو أدب إسلامي صاف.
عمر أبو ريشة abu- Rishah شاعر سوري معاصر، وهو من أسرة غنية تحب الشعر وتحتفل به؛ فقد كان والده شاعرًا، ويقال: إن أمه كانت تحفظ الكثير من الشعر. تلقى تعليمًا لغويًا في البداية، مكنه من التعرف على تراث العرب اللغوي والشعري. ولد في منبج عام 1908م وفيها ترعرع ودرج وانتقل منها إلى حلب، فدخل مدارسها الابتدائية ثم أدخله أبوه الجامعة الأمريكية في بيروت ثم سافر إلى انكلترا عام 1930 ليدرس في جامعتها الكيمياء الصناعية، فاستغل الفرصة فاطلع على الشعر الإنجليزي، وبخاصة شعر شكسبير وشيلي وميلتون وبو.
وهناك زاد تعلقه بالدين الإسلامي وأراد أن يعمل للدعاية له في لندن، وراح يتردد على جامع لندن يصاحب من يصاحب ويكتب المقالات الكثيرة في هذا الميدان، ثم انقلب عمر إلى باريس، ليعود إلى حلب عام 1932، اشترك في الحركة الوطنية في سوريا أيام الاحتلال، وسجن عدة مرات وفرَّ من الاضطهاد الفرنسي، كما ثار على الأوضاع في سوريا بعد حصولها على الاستقلال وقد آمن بوحدة الوطن العربي وانفعل بأحداث الأمة الاسلامية. ولقد كانت كارثة فلسطين عميقة الأثر في نفسه فله شعر في نكبة فلسطين كثير.
عمل أمين مكتبة فترة من الزمن، ثم جذبه العمل الدبلوماسي، ليصبح ممثلاً دبلوماسيًا وسفيرًا لبلده في عدد من البلدان العربية والأجنبية، منها: البرازيل، والهند، والنمسا، وقد أَثْرت تجربته خياله الشعري، وفتحت له آفاقًا إنسانية رحبة.
صدر ديوانه الأول عام 1936م بعنوان شعر، وله ديوان باسم “بيت وبيتان” وديوان باسم “نساء” وله مسرحية باسم “علي” وأخرى باسم “الحسين” ومسرحية باسم “تاج محل” وله ديوان باسم “كاجوراو” ومجموعة قصائد باسم “حب” ومجموعة شعرية باسم “غنيت في مأتمي”، وله مسرحية شعرية سماها “رايات ذي قار” جعلها في أربعة فصول، وله مسرحية باسم “الطوفان”، وأخرى باسم “سميراميس”؛ وأخرى “محكمة الشعراء”، وله ديوان شعر باللغة الانكليزية.
أعجب في مطلع حياته الشعرية بالشعراء العباسيين أمثال البحتري وأبي تمام، فأخذ منهم اللغة الشعرية الجزلة، وتركيب الجملة. لكنه استقل بعد ذلك بشخصية شعرية مميزة بفضل ثراء ثقافته وتنوع مصادرها. وقد وظف هذه الميزة في كتابة الملاحم الشعرية التي تحكي ملامح البطولة في التأريخ العربي الإسلامي، وهي اثنا عشر ألف بيت.
أدركته المنية وهو في الرياض، وذلك عام 1990م/ 1410هـ.
ومن أجمل شعره قصيدته التي استوحاها من قصة الشاعر ديك الجن حين ذبح جاريته غيرة عليها، يقول:
أنا لن أعيش غدا
فأشبعَ غادتي الحسناء حُبا
من أين والداء العضالُ
أقام في جنبيّ حربا
ومراكب الأيام شقت
جبهتي دربًا فدربا
وكذلك من قصائده، أبياته التي يناجي فيها القدس قائلاً:
ما لأبناء السبايا ركبوا
للأماني البيض أشهى مركبِ
ومتى هزوا علينا رايةً
ما انطوت بين رخيص السلَب
ياروابي القدس يا مجلى السنا
يا رؤى عيسى على جفنِ النبي
دون عليائك في الرحب المدى
صهلة الخيل ووهج القُضُبِ
اشتهر أبوريشة بتجديده الشعري، وشعره الغزلي، والسياسي. كما عُرف بشعره القومي الذي تغنى فيه بأمجاد العرب والمسلمين في صور تجمع الماضي والحاضر مع تطلعات المستقبل، ومن قصائده في هذا الباب قصيدة النَّسر، التي لقيت شهرة واسعة في العالم العربي.
عُرِف أبو ريشة بخصوبة خياله، ودقة صوره وجدَّتها. وهو من أوائل الشعراء الذين حققوا ما يسمى الوحدة العضوية في القصيدة، حيث تتنامى القصيدة بيتًا بيتًا وصورة صورة، في ترابط واتِّساق حتى تصل إلى نقطة الذروة. من أروع قصائده: قصيدة أمتي يقول فيها:
1- أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
2- أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصرم
3- ويكاد الدمع يهمي عابثاً ببقايا كبرياء الألم
4- أين دنياك التي أوحت إلى وتري كل يتيم النغم
5- كم تخطيت على أصدائه ملعب العز ومغنى الشمم
6- وتهاديت كأني ساحب مئزري فوق جباه الأنجم
7- أمتي كم غصة دامية خنقت نجوى علاك في فمي
8- أي جرح في إبائي راعف فاته الآسي فلم يلتئم
9- أَإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم!؟
10- كيف أغضيت على الذل ولم تنفضي عنك غبار التهم؟
11- أوما كنت إذا البغي اعتدى موجة من لهب أو من دم!؟
12- كيف أقدمت وأحجمت ولم يشتف الثأر ولم تنتقمي؟
13- اسمعي نوح الحزانى واطربي وانظري دمع اليتامى وابسمي
14- ودعي القادة في أهوائها تتفانى في خسيس المغنم
15- ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه البنات اليُتَّم
16- لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
17- أمتي كم صنم مجّدتِه لم يكن يحمل طهر الصنم
18- لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدوَّ الغنم
19- فاحبسي الشكوى فلولاك لما كان في الحكم عبيدُ الدرهم
20- أيها الجندي يا كبش الفدا يا شعاع الأمل المبتسم
21- ما عرفت البخل بالروح إذا طلبتها غصص المجد الظمي
22- بورك الجرح الذي تحمله شرفاً تحت ظلال العلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *