الحمد لله وحده والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن شبكة الإنترنت أصبحت في عصرنا هذا الوسيلةَ التي لا يستغني عنها الناس في معظم أمورهم، فهي بحر لا ساحل له، تتسع اتساعا رهيـبا أدهش صانعيه، والكل يغرف منها حسب رغبته وميوله، فمقل من ذلك ومستكثر، وهي سلاح ذو حدين، فهي نعمة ونقمة، ومنحة ومـحنة، فيها الصفو والكدر، والغث والسمين. وكما حوت من الشرور والآثام أشكالا وألوانا؛ فإن فيها مرتعا للدعاة الصادقين والهداة الناصحين يُـبَلِّغون منه الخير للعالم أجمع.
وإن مما يلفت نظر الباحث أن مكانة اللغة العربية في هذه الشبكة مؤلمة ومحزنة لكل مسلم وعربي، فنصيبها بين اللغات الأخرى ضئيل هزيل لا يبلغ نصف العشر، واللغة الإنجليزية هي المسيطرة الطاغية حتى الآن.
لكن مع تطور هذه الوسيلة، وتزايد مستعمليها تزايدا مُهولا، أصبحنا نرى نهضة لا بأس بها، فقد شهدت السنوات الأخيرة حضوراً عربياً متزايداً على شبكة الإنترنت، ميَّزه تسارع ملحوظ في عدد المستخدمين العرب، وانتشرت الكثير من المواقع العربية والإسلامية، التي تُعنى بالدعوة إلى الله عز وجل، وتقريب العلوم الشرعية وتيسير السبل لذلك.
وأخُص بالذكر من تلك المواقع: مواقع اعتنت باللغة العربية وتدريسها وبيان قواعدها وأصولها، فمنها ما يُعنى بمعاني الكلمات والألفاظ العربية، ومنها ما يختص بالنحو والصرف وتسهيل القواعد في ذلك، ومنها ما يوفر الترجمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، وأخرى اعتنت ببيان الأخطاء الشائعة فيها، ومنها ما يجمع دواوين الشعر وأخبار شعرائها، ومنها مواقع توصل العربية إلى غير الناطقين بها بطرق ميسَّرة، ومنها ما يوفر للباحث الدراسات والكتب والأبحاث اللغوية والأدبية المختلفة، وقد بلغ عدد المواقع العربية على شبكة الإنترنت حوالي عشرين ألف موقع عربي اتسمت بجمال الشكل، وغِنَى المحتويات.
ولعل أهم تلك المواقع وأنفعه للباحث في علوم اللغة والأدب: موقع الوراق (www.alwaraq.com).
بدأ التخطيط لمشروع الورَّاق عام 1995، وفي عام 1996 بدأ إعداد فريق العمل وتكوين البرمجيات، وفي عام 1997 بدأت فِرَق إدخال النصوص بالعمل في سورية والعراق، وشهد عام 1999 إخراج نسخة من المكتبة على قرص مدمج، التي اعتبرت خطوة هامة نحو الكتاب الإلكتروني العربي، وفي عام 2000 انطلق موقع الوراق على الإنترنت حيث تستضيفه مؤسسة الإمارات للاتصالات، ويدعمه فريق من المبرمجين والمحررين والباحثين.
إن هذا الموقع يعتبر أوّلَ المكتبات الرقمية العربية، وأكبَرَها في عدد الصفحات، إذ يصل عدد الصفحات المدخلة إلى أكثر من مليون صفحة، فهو ذاكرة ثقافية عربية متميزة، يستفيد منها الباحث المتخصص والمبدع والمثقف والقارئ العادي. فهو يجمع الكثير من كتب التراث القيمة، المحققة وغير المحققة، في مجالات شتى، تفوق 600 كتاب من روائع الثقافة العربية والإسلامية، ومعظمُ هذه الكتب مؤلف من أجزاء متعددة.
ولعل أهم ما يميز هذا الموقع سهولة التنقل بين موضوعاته وتصنيفاته، فهناك مُحرِّك يسهل الدخول منه إلى عوالم هذا الموقع وتفاصيله. و أبواب الوراق تنفتح على عوالم متعددة؛ منها:
المكتبة التراثية:
فقد تضمنت المكتبة التراثية كتب العقيدة، والحديث وعلومه، وعلوم القرآن، والتراجم، والتاريخ، واللغة وعلومها، والفقه وأصوله، والشعر والشعراء، والأدب، والوعظ والرحلات وغيرها.
وقد حوت المكتبة الأدبية: كتب المجامع الكبرى، والبلاغة، والأمالي، والمقامات، والرسائل، والأمثال، والقصص، والحيوان، ومواضيع أخرى متنوعة.
ومكتبة اللغة ومعاجمها: جمعت كتب المعاجم، وفقه اللغة، والنحو والصرف.
أما مكتبة الشعر والشعراء؛ ففيها كتب تراجم الشعراء، والمختارات الشعرية، والدراسات في الشعر، والكتب المصنفة حول المتنبي.
وأهم الكتب التي تضمنـتها هذه الأقسام اللغوية والأدبية: كتاب الكامل للمبرد، ومجمع الأمثال للميداني، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وأمالي أبي علي القالي، والأمالي الشجرية، ويتيمة الدهر للثعالبي، والحيوان، والبخلاء، والبرصان والعميان كلها للجاحظ، وطبقات فحول الشعراء لابن سلاَّم، ومعجم الأدباء لياقوت، وطبقات الشعراء لابن المعتز، والعمدة لابن رشيق، والشعر والشعراء لابن قتيبة، والمثل السائر لابن الأثير، وسرّ الفصاحة لابن سنان، والموازنة للآمدي، وأساس البلاغة للزمخشري، وكتاب العين للخليل بن أحمد، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، والصحاح للجوهري، وتهذيب اللغة للأزهري، وتاج العروس للزبيدي، وجمهرة اللغة لابن دريد، ومقاييس اللغة والصاحبي في فقه اللغة كلاهما لابن فارس، والخصائص، وعلل التثنية كلاهما لابن جني، والمزهر للسيوطي، وفقه اللغة للثعالبي، ودرة الغوَّاص للحريري، والمقتضب للمبرد، والقلب والإبدال لابن السكيت، وخلق الإنسان للأصمعي، والكتاب لسيبويه، ومغني اللبيب، وقطر الندى كلاهما لابن هشام، والجنى الداني للمرادي، واللمع لابن جني، وحروف المعاني للزجاجي، ومعاني الحروف للرُّمَّاني وغيرها. وكل كتاب من هذه الكتب فهو مزود بفهرس لتسهيل الوصول إلى العناوين الهامة.
والمكتبة المحققة، وهي خدمة خصصت للمشتركين في الموقع، تُطلع الباحث على الكثير من الكتب المحققة، وقد تم انتقاء التحقيقات العلمية من بين التحقيقات المتوفرة. ومكتبة للبحث في القرآن الكريم.
ومن خصائصه:
1- خاصية الاشتراك بالموقع التي تُمكن الزائر من الاستفادة من خدمات الموقع لإنشاء مكتبة خاصة من كتبه المفضلة، كما تُمكن إدارةَ الموقع من التواصل المباشر مع الزوار.
2- سوق الورَّاق لبيع الكتب الإلكترونية: بحيث يستطيع الزائر أن يحمل أيَّ كتاب أراده مقابل ثمن معين.
3- الكتب المسموعة، وهي مقاطع منـتقاة من بعض الكتب، ومسجلة صوتياً، ليستطيع الزائر الاستماع إلى نماذج منها وشرائها. وأهم تلك المسموعات المعلقات العشر، التي تم تسجيلها بصوت واضح وأداء جيد.
4- الكتب الجديدة في موضوعات متنوعة، و لا سيما أدب الرحلات ويبلغ عددها حوالي مائتي كتاب.
ومن خدمات الموقع: خدمة البحث في لسان العرب، حيث يظهر للمستخدم مربعٌ صغير يدخل فيه جِذر الكلمة المراد البحث عنها، وهذا ما يتيح له الوصول بسرعة كبيرة إلى المعنى الذي يقصد إليه، فـيُكفى بذلك طول البحث ومشقة التنقيب.
أما فيما يتعلق بالبحث في الموقع، فيمكن البحث في المكتبة التراثية، أو في المكتبة المحققة، أو في القرآن الكريم، ويمكن البحث عن اسم المؤلف، واسم الكتاب، والبحث بالكلمات المفردة أو الجمل. وكل هذا يسهِّل على الباحث الوصول إلى مراده بأقرب الطرق وأيسرها.
ويستطيع الزائر التواصل مع إدارة الموقع بوساطة نافذة خاصة لإرسال الآراء، كما يستطيع الإعلام عن أي خطأ إملائي في نصوص الكتب أيضاً بوساطة نافذة خاصة.
إن أجل خدمة قدمها موقع الوراق للباحث العربي والإسلامي هو تقريب الكثير من عيون الكتب والمصنفات، وتسهيل الوصول إليها، والاستفادة منها. ولو عمد الباحث إلى اقتناء تلك الكتب وجمعها من المكتبات المختلفة؛ لأعياه ذلك وأعجزه، ولأحوجه إلى الكثير من الجهد والتعب والنصب.
ولهذا كان إقبال الباحثين وغيرهم على موقع الوراق إقبالا متزايدا، خاصة منهم الطلبة الجامعيين؛ بل حتى المعاهد والمؤسسات الغربية لا تستغني عن «الوراق» كلما دعتها الحاجة إلى التعرف على التراث العربي وفهمه والبحث في كنوزه.