صادفت وأنا أطالع كتاب: “أحاديث عن الأدب المغربي الحديث” للأستاذ الأديب عبد الله كنون رحمه الله، مقالا يوقفنا على مرحلة من أصعب المراحل التي يمرّ منها بلدنا، وذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، حين مبايعة الشعب للسلطان المولى عبد الحفيظ، فكانت تلك المبايعة ثورة على الفساد والاستغلال، -على حد تعبير الأستاذ عبدالله كنون-.
والمقال عبارة عن رسالة لجريدة ‘لسان المغرب’ التي كانت تصدر بطنجة إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ، وقد شكل المقال صيحة نحو إصلاح الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، واضعين أكفهم في كف جلالته آنذاك للقضاء على الفساد والاستبداد، والظلم والقمع، واستغلال السلط، كما يوضح المقال مدى ثقل المسؤولية التي على عاتق الصحافة لإصلاح المجتمع، الأمر الذي نراه قد انقلب ضدا في أيامنا، خاصة وقد كثر الكلام عن الإصلاح، فآثرت لذلك نشره، وإعادة إحيائه. يقول:
“بما أن الوقت قد دعا إلى الإصلاح، والشبيبة العصرية قد هللت قلوبها، وانشرحت صدورها له، وجلالة سلطاننا الجديد يعرف لزومه، فنحن لا نألوا جهدا في المناداة بطلبه على صفحات الجرائد من جلالته، وهو يعلم أننا ما قلدناه بيعتنا واخترناه لأمتنا وخطبنا وده رغبة منا، وطوعا من غير أن يجلب علينا بخيل ولا رجال، إلا أملا أن ينقذنا من هوة السقوط التي أوصلنا إليها الجهل والاستبداد، فعلى جلالته أن يحقق رجاءنا، وأن يبرهن للكل عن أهليته ومقدرته على ترقية شعبه، وعلى رغبته في الإصلاح وجدارته بإدارة ما قلدته أمته، والذي نرجوه منه أولا قبل كل شيء هو فتح المدارس ونشر المعارف، وأن يكون التعليم الابتدائي إجباريا، وأن يولي ذوي الكفاءة والاستحقاق والأهلية، ويقرب إليه ذوي العقول الراجحة، والأفكار الحرة الراقية، وليتحرز من الوشاة والجواسيس الذين يشوهون له رعاياه، ويحولون بينهم وبينه..
وبما أن يداً واحدة لا تقدر على إنهاض شعب من وهدة سقوطه، ولا على إصلاح إدارة مختلة كإدارة حكومتنا، فيجب أن تكون الأيدي المتصرفة والعقول المفكرة، والأفكار المدبرة كثيرة متكاثفة على العمل.. وأن يعطيها جلالته حرية العمل والفكر لتقوم بإصلاح بلادها اقتداء بدول الدنيا الحاضرة المسلمة والمسيحية، والدول الحاضرة يوم كانت مستبدة وسلطتها مطلقة لم تكن لها كلمة مسموعة ولا ما يدل على أنها قديرة.
وحيث خلص الله تلك الأرواح من شبكة الاستبداد والرق نهضت تلك الدول من وهدة سقوطها، وتنقلت في أطوار الكمالات حتى وصلت اليوم إلى ما وصلت إليه، وكفى حجة على هذا أمة اليابان تلك الشمس في آفاق آسيا التي كانت في مؤخرة الدول قبل الأربعين سنة، وأصبحت اليوم في مصاف الدول العظيمة، وانتصرت ذلك الانتصار العجيب على دولة من أعظم دول العالم (روسيا).
وغير بعيد عنا الانقلاب العجيب الذي حصل في دولة تركيا العلية.. فعسى أن نقتدي بهم ونقوم بخدمة بلادنا ونسعى جهدنا في إصلاح حالتنا”.
نقل بواسطة كتاب: أحاديث عن الأدب المغربي الحديث ص23-24