أنواع الذكر باعتبار وسيلته:
هو على ثلاث درجات: 1 الذكر بالقلب واللسان، 2 وبالقلب وحده، 3 وباللسان وحده.
فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان.
وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً منها فثمرته ضعيفة.
قال الإمام النووي: “المرادُ من الذكر حضورُ القلب؛ فينبغي أن يكون هو مقصودُ الذاكر فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه …
ولهذا كان المذهبُ الصحيح المختار استحباب مدَّ الذاكر قول: لا إله إلا الله، لما فيه من التدبر، وأقوالُ السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورة، والله أعلم”.
ذكر اللسان وشبهة الرياء:
“لا ينبغي أن يُتركَ الذكرُ باللسان مع القلب خوفاً من أن يُظنَّ به الرياء، بل يذكرُ بهما جميعاً ويُقصدُ به وجهُ الله تعالى، قال الفُضَيل رحمه الله: “العمل لأجل الناس شرك، ترك العمل لأجل الناس رياء”.
ولو فتح الإنسانُ عليه بابَ ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرّق ظنونهم الباطلة لانسدَّ عليه أكثرُ أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمَّات الدين، وليس هذا طريق العارفين”.
أنواع الذكر باعتبار موضوعه:
1 تلاوة القرآن الكريم، 2 الدعاء، 3 عموم الذكر بالتسبيح والتحميد ونحوهما.
ويمكن أن نضيف: 4 تعليم دين الله وتبليغه؛ لكنه متعد؛ فهو جنس آخر لذلك تركناه.
وهي في الأفضلية على ذلك الترتيب: أفضلها: تلاوة القرآن الكريم، ثم الدعاء ….
وإنما كان الذكر أفضل من الدعاء: لأنه ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته. فأين هذا من هذا؟
ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته.
كما في حديث فضالة بن عبيد «أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عجل هذا“.
ثم دعاه فقال له أو لغيره: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يدعو بعد بما بشاء» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} » وفي الترمذي «دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين} فإنه لم يدع بها مسلم قط إلا استجاب له» .
وهكذا عامة الأدعية النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام، ومنه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعاء الكرب «لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم».