مساعف: ما أقدمت عليه بعض الأنظمة العربية وهي الإمارات والبحرين والسودان، يعتبر خيانة فظيعة للقضية الفلسطينية وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني الأبي، وسقوطا مدويا في قاع العار والهوان لحكام هذه البلدان المهرولين للتطبيع ضدا على إرادة شعوبهم. |
كيف تلقيتم في جماعة العدل والإحسان خبر تطبيع بعض الدول مع الكيان الإسرائيلي؟
أغتنم هذه الفرصة لأشكر منبركم على اهتمامه بقضايا الأمة وفي صلبها القضية المركزية وهي قضية فلسطين، وهي فرصة سانحة أيضا خلال هذه الأيام المباركة من شهر الربيع النبوي، لأبارك من خلال هذا الحوار لكم وللقراء الكرام مناسبة ميلاد خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يتعرض شخصه الكريم لحملة شعواء وازدراء غير مسبوق من طرف من يدعون حماة الحرية، وبهذه المناسبة لا نملك إلا إدانة كل ما يسيء للنبي الكريم ولدين الإسلام الحنيف دين الرحمة ، ونعتبر هذه التصرفات سلوكات طائشة بعيدة عن التعقل والرشد، ونؤكد أنها بحمد الله لن تزيد الإسلام إلا انتشارا وقوة ودعاية في بلدان المعمور. وجوابا على سؤالكم فإن ما أقدمت عليه بعض الأنظمة العربية وهي الإمارات والبحرين والسودان، يعتبر خيانة فظيعة للقضية الفلسطينية وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني الأبي، واصطفافا مخزيا مع الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل والمرتكب لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، وسقوطا مدويا في قاع العار والهوان لحكام هذه البلدان المهرولين للتطبيع ضدا على إرادة شعوبهم ، والذين سيذكرهم التاريخ بخزيهم وعارهم وخذلانهم الذي لن يزيدهم إلا ذلا وصغارا في الدنيا والآخرة، أما قضية فلسطين فهي في وجدان الشعوب العربية والإسلامية وضمير أحرار العالم، لن يخبو نورها، ولا تنطفئ شعلتها، فهي ستظل من ثوابت هذه الأمة ، قضية عادلة لها قداستها في قلوب المسلمين راسخة برسوخ إيمانهم بالله عز وجل وبيقينهم في النصر القريب، يوم يبزغ فجر اليوم الموعود “إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب”.
هناك إجماع شعبي على دعم القضية الفلسطينية، كيف يمكن تحويل هذا الإجماع إلى مناهضة حقيقية للتطبيع بالمغرب، خاصة أن الثقل كله على عاتق المرصد المغربي لمناهضة التطبيع؟
من المعلوم أن القضية الفلسطينية تحتل مكانة معتبرة ومتميزة في وجدان الشعب المغربي الذي له حارة وأوقاف بالقدس الشريف، ومن المؤكد أن علاقة المغاربة بفلسطين تمتد عبر التاريخ وإيقاعات الهوية وروابط الدين، فهي قضية محورية في كيان الشعب المغربي وقواه الحية بمختلف مرجعياتها، لذلك فإن هذا الإجماع حول القضية يشكل حرجا شديدا للنظام المغربي، الذي طالما سارع الزمن من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني في مجالات عديدة سياسية واقتصادية وثقافية وفنية ورياضية وسياحية…، وقد سبق لنا أن أصدرنا بخصوصها بلاغات وتقارير، ونظمنا ندوات وفعاليات نكشف من خلالها ما رصدناه من أشكال التطبيع ومظاهره بالأرقام والمعطيات والأحداث، كما أننا كشفنا في العديد من المناسبات حجم الاختراق الصهيوني بالمغرب، وعبرنا عن مواقف الإدانة والتحذير من هذه الخطوات التي تستهدف النسيج الداخلي للمغرب ونبهنا لخطورتها على البلاد والعباد حاضرا ومستقبلا، ولقد كلفنا هذا في المرصد تضحيات من قبيل المتابعات القضائية لنشطاء المرصد ومحاكمات واعتقال رموزه، وكذلك مضايقات للفعاليات المناهضة للتطبيع من طرف السلطات المغربية في كثير من المناسبات. وهذه التضحيات في الحقيقة جهد المقل في حق القضية، التي تمر اليوم بانعطاف تاريخي كبير جدا من خلال مخطط التطبيع وتتزيل ما يسمى بصفقة القرن والتدمير الذي تتعرض له، وهي نقطة تحول مصيرية وحاسمة في تاريخ الأمة، ومؤشر على بداية مرحلة جديدة باصطفافات واضحة، وتمايز في الصفوف، وسقوط الأقنعة عن المطبعين والمتخاذلين، إنها مرحلة العد العكسي لسقوط قلاع التطبيع والخيانة، وبزوع فجر النصر والتمكين للمقاومة الباسلة، ولعودة اللاجئين في الشتات، واسترجاع الأرض المحتلة، وإجلاء الكيان الصهيوني الغاصب. ولذلك فإن من المهام الأساسية للقوى الشعبية بالمغرب المزيد من الحرص على توحيد الجهود دعما للقضية، والعمل المكثف والوحدوي لصد كل أشكال التطبيع والاختراق الصهيوني لبلادنا، ورفع منسوب الوعي بالقضية، وتعبئة كل الجهود من أجل القدس وفلسطين حتى التحرير الموعود بإذن الله عز وجل.
كيف ترى جماعة العدل والإحسان مستقبل الدول المطبّعة والتطبيع بالمنطقة العربية والمغرب خاصة؟
موجة التطبيع، التي تولت خزيها أنظمة سياسية بعينها، هي صنع ينفضح به هؤلاء الحكام أمام شعوبهم وتنكشف سوءات خيانتهم أمام الأشهاد، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فمهما تجبر الطغاة وهرولت الأنظمة للتطبيع وتورطت في دعم الكيان الصهيوني، فإن الله عز وجل الملك الوهاب، يبعث من تحت ركام الحصار والتخلف واستبداد الأنظمة، رجالا ربانيين قرآنيين عبادا له سبحانه وتعالى ليجوسوا خلال الديار، وليدخلوا المسجد إن شاء الله ، ولذلك فإننا في جماعة العدل والإحسان نضع القضية الفلسطينية موضعها الأساسي تحت منظار القرآن الكريم، وسنن الله عز وجل في التاريخ العام، وتاريخ الأمم، وتداول الأيام بين الناس، وهذا بالنسبة لنا مدخل مهم لفهم الأحداث الجارية حولنا، ووضع ما نحن فيه من ضعف، وما هم فيه من قوة، موضعه المناسب في ميزان شرع الله وسنته الماضية التي لا تتبدل لكي لا تلهينا الأحداث عن الله عز وجل، وليكون لنا الصبر والإعداد والاستعداد والأخذ بالأسباب، لنكون أهلا لوعد الآخرة المتنزل على عباده المنسوبين لحضرته سبحانه.، وهنا يقول الإمام المجدد مؤسس الجماعة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كتاب سنة الله :” لن يكون لنا النفس الطويل، ولا الثقة بنصر الله، ولا القدرة على إعداد العدة في الأمد البعيد، إن لم نجعل جوهر القضية(القضية الفلسطينية) في وعينا وحركتنا مطابقا لتعليم القرآن في المسألة، مستنيرا بهديه… ” من كتاب سنة الله، ص 67
وصفوة القول بهذا الخصوص، فبإزاء القرآن الكريم إذن تتجاوز القضية الفلسطينية التحيزات الجغرافية والتاريخية النسبية، كما تتجاوز حدود التطبيع والخيانة والمؤامرة على الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، لتكون بحق المعركة الدائرة بين المسلمين والعدو الصهيوني، فهي بداية المواجهة الحاسمة بين الحق والباطل، بين الصهيونية والإسلام. مع الصهيونية المال والقوة العسكرية، والاستكبار العالمي والمؤسسات الدولية والأنظمة المتخاذلة، ومع الإسلام قوى الممانعة ورجال المقاومة وشباب الدعوة وأشبال القضية وخدامها في كل المواقع، وأكبر من هذا وذاك مع الإسلام وعد الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بالنصر المبين، وبالخلافة على منهاج النبوة، وعد الآخرة المبشر بظهور هذا الدين على الدين كله ولو كره الكافرون والظالمون والمطبعون والمهرولون.
يقول سبحانه وتعالى:﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ (الإسراء: 8-4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ذ.أبو الشتاء مساعف عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان