بني الإسلام على خمسة أركان أعظمها: الشهادتان.
وهاتان الشهادتان هما الباب الذي يدخل منه الكافر إلى الإسلام؛ قال شيخ الإسلام: “وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلما والعدو وليا، والمباح دمه وماله؛ معصوم الدم والمال. ثم إن كان ذلك من قلبه فقد دخل في الإيمان وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان”اهـ.
هاتان الشهادتان اللتان يكررهما العبد في صلاته أكثر من عشر مرات يوميا، ويكررهما المؤذن في أذانه عشر مرات في اليوم، وكل مسلم يحب هاتين الشهادتين وينشرح صدره كلما سمعهما.
وإن مما يؤسف له حقا أن المسلمين اليوم على كثرة تردادهم لشهادة الحق وحبهم لها لكن مع هذا يجهلون معناها كما تدل على ذلك كثير من تصرفاتهم.
تعريف الشهادة:
هي التعبير عما تيقنه الإنسان بقلبه مع تصديقه بالعمل.
فلا بد من هذه الثلاثة: 1 يقين القلب 2 تعبير اللسان 3 عمل الجوارح
“ولهذا لما قال المنافقون للرسول صلى الله عليه وسلم: {نشهد إنك لرسول الله} [المنافقون الآية 1] وهذه جملة مؤكدة بثلاث مؤكدات: الشهادة، وإن، واللام، كذبهم الله بقوله: {والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}[المنافقون الآية: 2] فلم ينفعهم هذا الإقرار باللسان لأنه خال من الاعتقاد بالقلب، وخال من التصديق بالعمل، فلم ينفع، فلا تتحقق الشهادة إلى بعقيدة في القلب، واعتراف باللسان، وتصديق بالعمل.
وهكذا لو اعتقد بقلبه ولم يقل بلسانه لا يكون مؤمنا بالإجماع حتى ينطق بها، لأن كلمة أشهد تدل على الإخبار، والإخبار متضمن للنطق، فلا بد من النطق، فالنية فقط لا تجزئ، ولا تنفعه عند الله حتى ينطق، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب: “قل” ولم يقل: اعتقد أن لا إله إلا الله.
قال شيخ الإسلام: “وأما إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير العلماء”اهـ
معنى “لا إله إلا الله”
تضمنت نفيا وإثباتا؛ نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها لله وحده.
والإله: معناه: المعبود، فهو فعال بمعنى مفعول.
قال العلامة ابن العربي المالكي: “الإله هو المعبود”[1].
قال الإمام ابن القيم: “الإله؛ هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وإنابة، وإكراما وتعظيما، وذلا وخضوعا، وخوفا ورجاء وتوكلا”اهـ
فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله
وهذا هو التقدير الصحيح
ف “لا”: نافية للجنس و”إله” اسمها، والخبر محذوف تقديره بحق، وأخطأ من قدره موجود؛ أي لا إلاه موجود إلا الله؛ لأن الوجود فيه آلهة كثيرة عبدت بالباطل كما قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج/62]
قال القرافي في الذخيرة (2/57): “والإله المعبود، وليس المراد نفي المعبود كيف كان؛ لوجود المعبودين في الوجود، بل ثَمّ صفة مضمرة تقديرها: لا معبود مستحق للعبادة إلا الله”اهـ
وتفسيرها الذي يوضحها من كتاب الله تعالى؛ قول الله سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) [الزخرف/26-29]
وقوله عز وجل: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران/64]
فقوله: “إنني براء مما تعبدون” يقابل لا إله
وقوله “إلا الذي فطرني” يقابل إلا الله
وهكذا قوله: “ألا نعبد” هذا نفي “إلا الله” إثبات، وأكده بقوله: “ولا نشرك به شيئا”
والترجمة السلوكية لهذا المعنى؛ أن لا يصرف المسلم أي عبادة لغير الله؛ ولو كان ملَكا أو رسولا أو وليا من الصالحين، فالمستحق للعبادة هو الله؛ سواء كانت العبادة دعاء أو سجودا أو توكلا أو ذبحا .. إلـخ.
عظمة هذه الكلمة:
قال ابن عيينة:”ما أنعم الله على العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله”
فهذه الكلمة هي أصل الدين وأساسه وهي مفتاح دار السعادة وعليها الجزاء والمحاسبة “وهي العروة الوثقى التي قال الله عز و جل: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} [البقرة 652] قاله سعيد بن جبير والضحاك، وهي العهد الذي ذكر الله عز و جل إذ يقول: {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} [مريم 87] قال ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “هو شهادة أن لا إله إلا الله و البراءة من الحول و القوة إلا بالله و أن لا يرجو إلا الله عز و جل”، وهي الحسنى التي قال الله عز و جل: {فأما من أعطى و اتقى و صدق بالحسنى فسنيسره لليسرى} [الليل 5-7] قاله أبو عبد الرحمن السلمي و الضحاك ورواه عطيه عن ابن عباس، وهي كلمة الحق التي ذكر الله عز و جل إذ يقول تعالى: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف 68] قال ذلك البغوي”[2]
وأما الأحاديث في فضلها فلو لم يكن منها إلا حديث البطاقة لكفى؛ روى أحمد والترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: “إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة و تسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فيقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة و إنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله فيقول أحضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال فإنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة و لا يثقل مع اسم الله تعالى شيء“.
وفي المسند أيضا بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نوحا قال لابنه عند موته: “آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السماوات السبع و الأرضين السبع كن حلقة مبهمة لفصمتهن لا إله إلا الله“.
[1] قانون التأويل (ص.300).
[2] انظر: معارج القبول 2/411.