منة التسخير

 

قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)}  [الجاثية/12، 13]

والآيات في هذا المعنى كثيرة:

قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)}  [النحل/14]

وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)}  [الحج/65، 66]

وقال عز وجل: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} [لقمان/20]

وقال عز من قائل: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزخرف/12-15]

 

حقيقة التسخير:

“التسخير: التدليل لعمل ما، أو لأمر ما، وجعل الشيء مطاوعا لما يراد منه، ضمن قانون تسخيره، وهذه المطاوعة قد تكون بالطبع كتسخير الأشياء، وقد تكون بالقوة، كتسخير العجماوات، وقد تكون بالاختيار الحر لما في المطاوعة لمصلحة المطاوع؛ [كتسخير الناس بعضهم لبعض في الأعمال والصناعات].

وقوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض}ِ [لقمان/20] أي: سخر بتقديره وقضائه مسخرات لكم في السماوات والأرض.

والشمس مسخر بتقدير الله وقضائه وخلقه ومتابعته الدائمة بصفات ربوبيته، لمنافع الناس والأحياء الأخرى في الأرض.

والقمر مسخر بتقدير الله وقضائه وخلقه ومتابعته الدائمة بصفات ربوبيته، لمنافع الناس في الأرض، وكل ما في الأرض مسخر للناس.

والرياح مسخرات بأمر الله للناس في الأرض.

والنجوم القريبة والبعيدة مسخرات كذلك.

وتسخير البحر جعله بالطبيعة التي فطره الله عليها، سائلا صالحا لطفو الفلك والسفن عليه، وجريها فيه، منتقلة من مكان إلى مكان، حتى تجتاز على ظهره مسافات شاسعات، على مقدار عظم البحر من شاطئ إلى شاطئ آخر بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.

وجريان الفلك في البحر يكون بأمر الله التكويني الذي يسيرها، كما يسير ـ جل جلاله وعظم سلطانه ـ كل شيء يسير في كون الله الكبير.

ومن تسييره؛ تسيير الناس في البر والبحر، وهو ما امتن الله به على الناس في سورة (يونس / 10 مصحف / 51 نزول) بقوله: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر…} [يونس/22]][1].

إلى غير ذلك مما لا ندرك كونه مسخرا، ولا ندرك فينا آثار هذا التسخير، ومن التسخير نظام الجاذبيات الضابط لكل شيء في الكون من أدناه إلينا، إلى أقصاه عنا[2].

ومن التسخير في السماوات؛ تيسير الجو ليستطيع الإنسان الطيران فيه، فالغلاف الجوي من التسخير ..

————————————

[1]  انظر: معارج التفكر ودقائق التدبر (13 / 95ـ96).

[2]  انظر: معارج التفكر ودقائق التدبر (11 / 735ـ736).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *