هل سيستجيب قانون المالية لسنة 2021 لتطلعات المواطنين في تحقيق متطلبات العيش الكريم؟ ذ.الحسين بوزلو

 

 

يعتبر قانون المالية أهم أداة بيد الحكومة لبلوغ أهدافها التنموية خلال سنة مالية معينة. ويعكس هذا القانون مختلف توجهات السياسة العمومية، ومنها:

  • السياسة الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة،
  • الأولويات المقررة من خلال الاعتمادات المرصودة،
  • المجهود المالي للدولة في تدبير الشأن العام وتنفيذ السياسات القطاعية (العليم، الصحة، الفلاحة، …).

 

ويعرف قانون المالية حسب المادة الأولى من القانون التنظيمي لقانون المالية بأنه “يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها. وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون”.

ومن هذا المنطلق، اندرج إعداد قانون المالية لسنة 2021 في ظرفية استثنائية مضطربة فرضتها الأزمة الصحية غير المسبوقة التي عرفها العالم مع انتشار وباء كورونا المستجد وما لها من انعكاسات اقتصادية واجتماعية سلبية على كل من البلدان المتقدمة والبلدان الناشئة والنامية على السواء، محدثة تراجعا كبيرا في الناتج الداخلي الخام المتوقع خلال سنة 2020.

فعلى غرار باقي دول العالم، تأثر المغرب بشدة من تداعيات الأزمة الصحية، حيث انعكس ذلك سلبا على الاستجابة للطلب المتزايد على الخدمات العلاجية وعلى وتيرة نموه الاقتصادي. وبالإضافة إلى الانعكاسات السلبية لهذا الظرفية (انخفاض الصادرات، تراجع  تدفقات الاستثمار الأجنبي…)، فقد تأثر الاقتصاد الوطني جراء الضغط الشديد للطلب المحلي، عقب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات العمومية لاحتواء انتشار الجائحة.

وفي هذا الإطار، أعدت الحكومة قانون المالية لسنة 2021 بهدف إيجاد حلول للتحديات المتعددة الأبعاد التي سببتها جائحة “كوفيد- 19″، ووضعت عدد من الأولويات أهمها تسريع تنزيل خطة إنعاش الاقتصاد الوطني والشروع في تعميم التغطية الصحية الإجبارية.

ويرتكز قانون المالية  لسنة 2021 على عدد من الفرضيات، من بينها تحقيق نموالناتج الداخلي الخام بـ  4,8%بعد انكماش غير مسبوق للاقتصاد الوطني بـ5,8% – سنة 2020 وارتفاع عجز الميزانية والمديونية وتزايد البطالة نتيجة فقدان عدد مهم من مناصب الشغل وكذلك تأجيل عدد من خطط التوظيف في القطاعين العام والخاص (فقد الاقتصاد الوطني خلال الفصلين الثاني والثالث من سنة 2020 حوالي مليون منصب شغل مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019).

ويبقى السؤال المطروح: هو كيف سيستجيب قانون المالية لسنة 2021 لتطلعات المواطنين في تحقيق متطلبات العيش الكريم؟

لقد خلفت الأزمة الصحية المرتبطة بكوفيد-19، والتي تصادفت مع موسم فلاحي طبعه الجفاف، آثارا سلبية على دينامية نمو الاقتصاد الوطني التي ميزت السنوات الأخيرة، حيث ستتأثر آفاق الاقتصاد الوطني بالتداعيات السلبية لهذه الجائحة ليدخل في ركود هو الأشد حدة منذ ثلاثة عقود. وفي ظل هذه الوضعية، أقدمت الحكومة على وضع عدد من التدابير لمواجهة التداعيات غير المسبوقة الناجمة عن هذا الوباء والتي أثرت على العرض والطلب معا،حيث اتخذت إجراءات استعجالية من خلال وضع نظام كامل لدعم الطبقات الاجتماعية الهشة العاملة بالقطاع غير المهيكل وكذا المقاولات المتضررة من الأزمة وأجراء القطاع الخاص.ولكن تبقى هذه الإجراءات ذات الطابع الظرفي غير كافية لمعالجة الاختلالات البنيوية التي كشفتها جائحة كوفيد-19 خاصة فيما يتعلق بنظام الحماية الاجتماعية لكل المغاربة.

وفي هذا الصدد، فقد تضمن قانون المالية لسنة 2021 مخططا استراتيجيا واضحا لتنزيل ورش تعميم التغطية الاجتماعية الشاملة وبشكل تدريجي خلال الخمس سنوات القادمة (التغطية الصحية الإجبارية، التعويضات العائلية، التقاعد، التعويض عن فقدان الشغل). لكن توسيع وتعميم الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة يلزمه تمويل كبير وقد تحوم حوله بعض الشكوك خاصة في ظل هيمنة هاجس التوازنات المالية والتقشف والمديونية الخارجية عوض الأخذ بعين الاعتبار التوازن الاجتماعي الشامل.

ومن التدابير التي جاء بها قانون المالية لسنة 2021 لمواكبة توسيع الحماية الاجتماعية وعلى الخصوص تعميم التغطية الصحية الإجبارية، تسمية “صندوق دعم الحماية لاجتماعية والتماسك الاجتماعي” وتعزيز موارد بمداخيل جديدة، من بينها حصيلة الواجب التكميلي المحصل في إطار المساهمة المهنية الموحدة وحصيلة المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول. وبخصوص النقطة الأخيرة المتعلقة بالضريبة التضامنية التي نص عليها قانون المالية، كان يتوجب على الحكومة، عوض ذلك، اتخاذ قرارات أكثر شجاعة لتقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية، من قبيل فرض ضريبة على الثروة.

وفيما يخص محاربة البطالة وإحداث فرص الشغل والتي يلعب فيها القطاع الخاص دورا مهما، يظل عدد مناصب الشغل في القطاع العام التي أحدثها قانون مالية 2021، والمقدرة بحوالي 21.256 منصب (منها 1.044 منصب بقطاع التعليم و5.500 منصب بقطاع الصحة و8.544 لوزارة الداخلية) غير كاف للمساهمة في امتصاص مخزون البطالة من جهة والاستجابة للخصاص المسجل في بعض القطاعات الاجتماعية، من جهة أخرى، وبالأساس في قطاع الصحة الذي يتطلب مزيدا من التحصين والدعم لضمان الحق الثابت للمواطنات والمواطنين في الخدمة الصحية العمومية خاصة في ظل الأزمات الصحية. كما نص قانون مالية 2020 على إحداث تدبير ينص على الإعفاء من الضريبة على الدخل بالنسبة للأجور المدفوعة للأشخاص البالغين من العمر 30 سنة على الأكثر عند أول تشغيل لهم وذلك لمدة 24 شهرا شريطة أن يتم تشغيل الأجير في إطار عقد شغل غير محدد المدة ويهدف هذا الإجراء إلى تشجيع تشغيل الشباب العاطل عن العمل من طرف جميع المقاولات.

وفي هذا الإطار، وانسجاما مع عدد من المقترحات البناءة التي تقدمت بها عدد من النقابات ، كان على الحكومة من خلال قانون مالية 2021، وأخذا بعين الاعتبار تداعيات كوفيد-1 وما أفرزه من أزمة في سوق الشغل، إحداث منَح مالية للمعطلين الذين يوجدون في وضعية البحث عن شغل ولما لا تحويل صندوق دعم التشغيل إلى صندوق التعويض عن بطالة حاملي الشهادات والباحثين عن الشغل.

لاشك أن قضايا التشغيل والصحة والحماية الاجتماعية تشكل إحدى أهم ركائز العقد الاجتماعي ما بين الدولة والمجتمع، إلا أن مع تفاوت قانون المالية لسنة 2021 في التعاطي مع هذه الأبعاد وغياب حلول جذرية لها في إطار رؤية استراتيجية واضحة، تبقى العديد من الأسئلة مازالت مطروحة من قبيل: هل ستشكل سنة 2021 انطلاقة حقيقية لوضع نظام شامل للحماية الاجتماعية لكل المغاربة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *