قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 27، 28]
قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنه: «الأيام المعلومات: أيام العشر»[1].
وقد ورد حديث نبوي هام في فضل هذه العشر:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر».
فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟
فقال: «ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج (يخاطر) بنفسه وماله (في سبيل الله) فلم يرجع من ذلك بشيء». رواه البخاري وغيره.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام».
قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع حتى تهراق مهجة دمه»[2].
لقد أبرزَت ووضّحَت تلكم النصوص القرآنية والنبوية: فضيلةَ الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة؛ وأن العمل الصالح فيها؛ كالصلاة والصيام والعمرة والذكر والصدقة والدعوة إلى الله … هذه العبادات وغيرها أعظم أجرا في هذه الأيام من غيرها:
فالصحابة كان متقررا عندهم أن أفضل الأعمال بعد الفرائض: الجهادُ في سبيل الله؛ وفي ذلك أحاديث، منها:
عن أبي ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله»[3].
ومع ذلك كله؛ كان العمل الصالح الذي يعمله المسلم في هذه العشر؛ من صلاة وصيام وصدقة… ونحوها، أفضل من الجهاد، وأكثر أجرا منه، إلا مسلما خرج للجهاد في سبيل الله، وأنفق في ذلك ماله كله، فقُتل شهيدا في سبيل الله تعالى.
الأعمال الصالحة:
فعلى المسلم أن يكثر من الأعمال الصالحة في هذه الأيام؛
كما في الحديث السابق : «فأكثروا فيهن التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد».
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يصوم تسع ذي الحجة»[4].
وقد رغّب كثيرا في صيام التاسع منها؛ وهو يوم عرفة:
عن أبي قتادة: أن النبيَ صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عرفة: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده»[5].
وعن عمر رضي الله عنه قال: «ما من أيام أحب إلي أن أقضي فيها شهر رمضان من أيام العشر»[6].
قال الحافظ ابن حجر: “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره”[7].
وقال ابن الملك: “لأنها أيام زيارة بيت الله، والوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل”[8].
يوم النحر:
واليوم العاشر منها هو يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وفيه يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر»[9].
وقد جعله الله تعالى لهذه الأمة عيدا:
عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «قد أبدلكما الله خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى»[10].
—————————————–
[1]– أورده البخاري (969) معلقا، ووصله عبد بن حميد كما في الفتح (2/582).
[2]– رواه أحمد (2/161) بسند فيه أبو عبد الله مولى ابن عمرو؛ وهو مجهول.
لكن رواه أيضا في (2/167) بسند آخر ضعيف؛ علته إبراهيم بن المهاجر، وهو لين الحفظ؛ فيتقوى أحد السندين بالآخر، فالحديث ثابت عن عبد الله بن عمرو.
[3]– رواه البخاري (26 و1519) ومسلم (83).
[4]– رواه أبو داود (2437).
[5] رواه مسلم في صحيحه.
[6]– رواه البيهقي (4/472-8395).
[7]– فتح الباري (2/585).
[8]– تحفة الأحوذي (3/501).
[9]– رواه أبو داود (1765) وصححه الحاكم، وقال ابن القيم: “إسناده صحيح”. التبيان لأقسام القرآن (ص 19).
[10]– سبق تخريجه.