ما أظن أن محمدا التهامي أفيلال، قاضي قضاة مدينة تطوان المتوفى سنة 1963م، ومحمد المنتصر الريسوني الأديب والشاعر السلفي المتوفى سنة 2000م، كانا يتصوران ما ستؤول إليه أمور الأفراح والأعراس في مدينة تطوان في زماننا، فقد ألف الأول كتابا في وصف أحوال الأعراس والأفراح والمآتم في مدينة تطوان في زمانه، وانتقدها، على طريقة المالكية، وعرض لطريقة السنة والهدي النبوي فيها، على سبيل النصح والقيام بواجب البيان، وسماه “تنبيه الأكياس للاقتصاد في المآتم والأعراس” أو “تنبيه السادات للتخلي عن أرذل العادات“، وألف الثاني ضمن سلسلته “وكل بدعة ضلالة“، الجزء الثالث في “بدع العادات“، وجعله لوصف وتحليل ونقد عادات مخالفة للهدي النبوي في العالم الإسلامي عامة، وفي تطوان خاصة، ووافق سلفه التهامي أفيلال، وزاد عليه بيانا للهدي النبوي فيها، والذي أكاد أجزم به، أنهما لو علما بما يجري اليوم في أعراس التطوانيين، لزادا نقدا وبيانا، وتحدث الزيادة في البيان، بقدر ما يحدث في الناس من زيادات في مخالفاتهم.
على سبيل الرجلين وغيرهما، فإنه لم تخل مدينة من مدن المغرب ممن بينوا ونصحوا وانتقدوا ما يجري في أعراس المغاربة وأفراحهم من مخالفات للهدي النبوي، ومجاهرة ومعاندة بالمعاصي والممنوعات الشرعية، رأيت أن أشرك نفسي معهم في مقاصدها، فأصف بعض ما استمر من تلك المخالفات، وما جد منها عندنا، على سبيل التذكرة لا الاسترسال، وأنا مستعين في كل هذا بعد الله تعالى، بزوجتي، كما فعل التهامي أفيلال والريسوني في الغالب، فليس من إسناد لمثل تلك الأحداث والوقائع إلا النساء.
سيكون حديثي عن مجاميع النساء خاصة، فهي الأشهر، وسيكون “الهاتف الذكي” حسبما وصفوه، بطل القصة كلها، فإنه حاضر ظاهر في كل “الحلقات“، نعوذ بالله من شر الأحوال، وسوء المنقلب.
البدء بالخطوبة، والتي صارت بحكم الأعراف الجارية في مقام عقد الزواج، يتحلل بموجبها الخطيب والخطيبة من كل محظور اجتماعي، بله الشرعي، بل قد يصل الأمر بهما إلى الوقوع في الزنا لكثرة الاجتماع والخلوة، حتى إذا كان يوم الزفاف، لم يكن الاختلاء إلا تمثيلية.
تحولت مراسم الخطوبة عندنا إلى ما يشبه عقد زواج، فتعد الموائد، وترفع أصوات المعازف مع الغناء، وتبذر فيها الأموال، ولا يعدو الأمر في أصله إيجابا من الخاطب، على أمل حصول “القبول” ليتم عقد الزواج بعدها، لكن الشيطان تمكن من التمويه والتلبيس والتدليس، واستجاب له طوائف عريضة من الناس للأسف، فأغرقهم في بحار المخالفة إلى حيث يصل عرقهم يوم القيامة، نسأل الله العفو والعافية.
لم يكن هذا بدعا من المخالفات، فقد سبق إلى التنبيه عليه الأستاذ المنتصر الريسوني في “وكل بدعة ضلالة” مع نظائر أخرى، وكذلك فعل قبله سيدي التهامي أفيلال، لكن ما يحدث اليوم أشد وأقبح، فالضيف الجديد على أفراحنا، زاد على كل ذلك أمرا أخطر بكثير، وهو فضح هذه الممارسات على مرأى العالم، وتوثيقها بكاميرات من أحدث ما طورته شركات الهواتف المحمولة، الذكية!
فإذا كان يوم عقد القران، كان تحصيلا لحاصل عند بعض الزيجات، وتحول إلى يوم “إداري” توقع فيه الأوراق، وإلا ألحق بسوابقه ولواحقه، بجوامع التبذير والمعازف، والفضائح وتكشف النساء أمام الرجال.
أما في اليوم الذي يسمونه “الظهور” ومثله يوم “البوجة“، فحدث ولا حرج، فمن التبذير والمبالغة في التزين والتبرج، إلى درجة أن صارت كثير من النساء يفضلن يد المزين الرجل على يد المزينة، لجمال الحركة، وحنان الملمس، إلى استعمال الرجال النوادل في توزيع الطعام والشراب، مختارين من أحسن الوجوه، وأقوى العضلات، بل واستدعاء الرجال لحمل “المايدة” وترقيص العروس عليها، وتبرز العروس مع زوجها أمام النساء، فمن عين حاسدة، وعين ناقمة، وعين ساحرة، وعين حاقدة، بينها عيون قليلة فرحة مستبشرة، بما لا يحمل على البشرى، فما الذي تجنيه المعصية إلا خراب النفوس، وربما البيوت.
أما صاحبنا “الهاتف الذكي“، فإن له في كل ذلك صولات وجولات، فقد استطاع هذا الحاضر الضروري أن يحول قصور الحفلات إلى استوديوهات للتصوير والنشر والتوزيع، فصارت النساء، والرجال أيضا، في العالم كله، يستطيعون متابعة ما يجري على “اللايف” أو “فيما بعد“، على مواقع التواصل الاجتماعي، في يوتيوب وفيس بوك وانستغرام، حتى إذا وصلت الصور والمقاطع إلى زوج، ورأى زوجته متبرجة على الهواء مباشرة، أو موثقة إلى ما شاء الله، أو ربما رآها راقصة بين النساء في الحفل، بين الرجال على مواقع التواصل، ثم رأى عبارات المدح والتنويه الصادرة من الرجال في حق زوجته، كان ما تعرفون أكثره، فإما منا بعد وإما فداء، وربما كانت الكارثة، وسال الدم.
لست أتحدث عن “هاتف ذكي” واحد، بل هو “جيش” من الهواتف الذكية، يهجم على “موقع الحفل“، يجندها إبليس وأعوانه لهذا، وقد استعان بمغنيات صرن اليوم يغنين وسط الحاضرات، ويتصورن معهن، ويُثِرنهن للرقص والمشاركة في “التحنقيز“، في غفلة عن أزواجهن في الغالب، وانظر كم “مصوَّرة“صورت، وكم جنحة ارتكبت، وكم طلاقا سيسجل بعد ذلك، فها هو الصيف يقبل، والهواتف منتشرة انتشار سم الأفعى في الدم، ولا منجى من كل هذا إلا التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أراد معرفة كيف يكون الزواج المبارك، فليراجع كتيبا صغيرا في حجمه، يقي مصارع السوء، ويوقظ الغافل، ويذكر الناسي، ويحض المتردد، اسمه “آداب الزفاق” لشيخ شيخنا محمد ناصر الدين الألباني.
سؤالي الذي رافقني من أول المقال إلى آخره.. أيهما أذكى.. نحن…أو هواتفنا…؟ فمن يجيبني؟