اليهود في المقررات الدراسية.. أهي ثقافة اليهود المغاربة أم صهيونية مقنَّعة؟! محمد زاوي

 

1- الرصد:

وجب التساؤل والنقد داخل الدولة، وإلا لما بقي لها حصون.

ووجب التساؤل والنقد في المجتمع، وإلا لما بقي له حماة.

وكذلك، وجب إخضاع “إدراج تاريخ اليهود المغاربة وثقافتهم”، في المقررات الدراسية، للتمحيص، وبالتالي النقد والمساءلة.

وقبل النقد، لا بد من عرض “مادة التراث اليهودي المدرَجة في المناهج الدراسية المغربية”.

تزعم الجريدة الإلكترونية، “أصوات مغاربية”، “حضور التراث اليهودي في 18 مقررا دراسيا”. وحسْبنا أن وقفنا، بعد بحث، على ما يلي:

– الإدراج يعود لعام 2014:

وسبق لفؤاد شفيقي، مدير البرامج الدراسية بوزارة التربية الوطنية، أن صرح لجريدة “أصوات مغاربية”، أنه “لا علاقة للأمر باستئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، بل هو قائم منذ 2014”.

– إدراج جمل وعبارات ونصوص في مقررات “اللغة العربية” ابتداء من عام 2019:

فقد صرح شفيقي، سابقا، لموقع “trns نيوز”، أن “كتاب اللغة العربية للسنة الرابعة من التعليم الابتدائي، يتضمن إحالات مسبقة للإرث اليهودي في الطبخ المغربي وفي كل ما يتعلق بالمهن والحرف، التي كان اليهود المغاربة يتميزون بإتقانها”.

فقد وردت، في “المفيد في اللغة العربية” الخاص بالمستوى الرابع ابتدائي، جملة: “كما تظهر بصمات اليهود المغاربة في طرائق حفظ الأطعمة”.

وفي “الجديد في اللغة العربية” الخاص بنفس المستوى، ورد النص التالي: “المغاربة دعة سلم، واستمروا أحرارا متآزرين من أجل بقاء الوطن حرا سعيدا، تبنيه عقول وسواعد العرب والحسانيين، والأمازيغ والعبريين، والأفارقة والأندلسيين، تحت الراية الحمراء ذات النجمة الخضراء”.

– تطرق درس “الجديد في الاجتماعيات” الخاص بالسادس ابتدائي لحقبة حكم السلطان محمد بن عبد الله مؤسس مدينة الصويرة:

حيث تم “إدراج ثقافة اليهود المغاربة وتاريخهم في المناهج الجديدة للتعليم الابتدائي، ضمن فصل مكرس للسلطان سيدي محمد بن عبد الله، الذي اختار مرفأ الصويرة وقلعتها التي بناها مستعمرون برتغاليون لتأسيس المدينة التي شكلت مركزا دبلوماسيا وتجاريا، وأصبحت بدفع منه المدينة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تضم غالبية يهودية مع تواجد 37 كنيسا فيها”. (المغرب يدرج الثقافة اليهودية في المناهج المدرسية، TR عربية، 13 دجنبر 2020)

وقال شفيقي، وفق ما أوردته TR عربية، أنه “مع أن الوجود اليهودي في المغرب سابق للقرن الثامن عشر الهجري إلا أن العناصر التاريخية الوحيدة الموثوق بها تعود لهذه الفترة”. (نفسه)

ووردت، في ذات الدرس، عبارة “إنه فضاء تاريخي، وثقافي، وروحي لحفظ الذاكرة اليهودية المغربية وتثمينها”، تعريفا ب”بيت الحكمة”، الذي دشنه الملك محمد السادس بالصويرة.

2- مبررات الإدراج:

ويدفع المدافعون، عن هذا الإدراج، بحجتين:

– حجة ورود عبارة “المكون العبري” الواردة في “دستور 2011″ كـ”رافد من روافد الهوية المغربية”:

فقد سبق لفؤاد شفيقي أن صرح، ل”trns نيوز”، بقوله: “تعديل المناهج الدراسية مستمر ليشمل المستويات الإعدادية والثانوية في السنوات المقبلة، مشيرا إلى أن هذه التعديلات ستخصص حيزا أكبر للمكون العبري، يتعدى دروس التاريخ إلى دروس التربية التشكيلية واللغات”. “trns نيوز”.

– حجة تعريف التلاميذ المغاربة على رافد من روافد هويتهم:

إذ قال شفيقي، في تصريح سابق ل”أصوات مغاربية”، أن المقررات “تطرقت إلى العلماء المغاربة اليهود وإلى الحياة في الملاح (الحي اليهودي القديم) الذي شكل فضاء للتعايش والحوار بين مكونات المجتمع المغربي، تطرقنا أيضا إلى إسهامات الفنانين المغاربة اليهود في إغناء الفن المغربي، واستحضرت المقررات الدراسية أيضا الأعياد اليهودية ومختلف المناسبات الأخرى التي يحتفل بها يهود المغرب، كما سيتعرف التلاميذ كذلك على المطبخ اليهودي المغربي باعتباره جزءا من التراث الحضاري للمملكة”.

3- ملاحظات:

نسجل كل ما ذكِر أعلاه، ونطرح بين يدي القارئ الملاحظات التالية:

– لا يعني الشروع في “إدراج ثقافة اليهود المغاربة في البرامج الدراسية”، قبل “استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل”، أنه لا يدخل ضمن نفس استراتيجية “الاستئناف”، إذ أن الاستئناف نفسه يدخل ضمن “استراتيجية أكبر”. تلك هي “استراتيجية عودة اليهود إلى أرضهم الأصل”، على النقيض من “استراتيجية محاربتهم حيث هم”. الموضوع إذن سياسي، قبل أن يكون تربويا تعليميا، والسؤال فيه حول: أي الاستراتيجيتين أكثر نجاعة من الأخرى؟

– وجب التمييز بين “البحث في التاريخ” و”التربية الوطنية انطلاقا من درس التاريخ”، فالذي يعني التلميذ منهما، بدرجة أولى، هي التربية. فليس التلميذ مطالبا بمعرفة كل الروافد الأقلية والعرضية للهوية المغربية، بل هو مطالب بالتعلق بهوية موحّدة، تلك هي هوية الأغلبية المغربية، فالغالب هو المسيطر مهما تأثر بالعرضي. وإلا فلتعد الدولة المغربية إلى “وهابية المولى سليمان”، ولتدرّس تلاميذها “فقه الدليل” بدل “فقه مالك”، ما دامت الوهابية رافدا من روافد الفكر الإصلاحي المغربي.

– هناك فرق بين الحديث عن “مكون يهودي” عاش في المغرب، وتأثر بالثقافة المغربية، كما أثر فيها إلى حد ضئيل جدا؛ وبين الحديث عن “مكون عبري”، وكأن ثقافته ولغته عبريتان بكل ما تحمله الكلمة من معنى. والحقيقة أن العبرية عند اليهود المغاربة كانت لغة عبادة وتدين، لا لغة حديث وثقافة (بموجب ما قاله سيون أسيدون، المناضل اليهودي المغربي المناهض للصهيونية). ووجود هذا الاصطلاح (المكون العبري) في الدستور المغربي يحتاج إلى مراجعة، من حيث اللفظ، ومن حيث ما يجب بالضبط أن يدخل في عناصر الهوية المغربية.

– إذا كان الأمر كذلك، فهل هذه السرعة المفرطة في “إدراج الثقافة اليهودية في المقررات الدراسية” أمر صحي؟ أم أن الأمر في حاجة إلى مزيد من التريث، في ظل “تطبيع” أخذ يضطرب شيئا فشيئا، وفي سياق تناقض قائم بين استراتيجيتين “يهوديتين”: “الرأسمال اليهودي بأمريكا”، “واليمين المتطرف بالكيان الصهيوني”؟ وهل من المعقول أن نرهن هويتنا لهذا التناقض، بل لأحدهما ولو كانت الكفة تميل إليه، بدل أن نصونها ونرممها ونبثها بمزيد من الحرص في الأجيال؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *