إلى جانب الكثير من الوسائل القمعية الإسرائيلية التي استخدمت ضد قوى المقاومة لمحاولات وقف تمددها، واصلت سلطات الاحتلال قمعها للفلسطينيين غير المرتبطين بأعمال المقاومة بصورة مباشرة.
وقد هدف العسكريون من وراء استخدام الوسائل القمعية إلى تحقيق ما وصفوه بسياسة الردع، وبالتالي أصبح إطلاق النار على المتظاهرين العزل، والاعتقال الإداري بلا تهمة ولا تحقيق، والأحكام العسكرية المبالغ في قسوتها، وهدم بيوت المشتبه فيهم، وفرض حظر التجوال، ومنع الصحافيين من نقل الحقيقة، وتحطيم أبواب المحال التجارية، وإغلاق المؤسسات التعليمية، ودفن الآدميين أحياء، وتحطيم العظام، وخنق المصلين في دور العبادة، والمصابين في المستشفيات بالغاز المسيل للدموع، أساليب مشروعة لتلك السياسة الرادعة، وأخيرا فرض الظلام على غزة ومنع المرضى من العلاج!
كما درج الكيان الصهيوني على منع وصول المواد الغذائية إلى المحاصرين في المناطق العسكرية المغلقة، وإغلاق مداخل المخيمات والقرى وأحياء المدن بالإسمنت المسلح، ومنع أهالي المعتقلين من زيارة أبنائهم، ومداهمة رياض الأطفال وترويع أطفالها، واقتحام المنازل وتكسير أثاثها، ومصادرة أي كمية من “الدولارات” يحوزها أي فلسطيني للاشتباه بأن مصدرها (الجهات المعادية)، وحظر السفر على أبناء قرية أو مخيم بكامله، كل هذا وغيره…جزء من سياسة الردع!
ولعل ذلك ما عبر عنه “مارتين فان كرفيلد”، أستاذ الدراسات العسكرية في الجامعة العبرية، حين دعا إلى توجيه ضربة قاسية للفلسطينيين، فلا جسور مفتوحة، ولا علاقات اقتصادية وسياسية معهم، “يجب أن يكون بيننا وبينهم فصل مطلق على مدار جيل أو جيلين، أو وفقا لما يحتاجه الأمر، لإعادة ميزان الردع، هذه الأمور يجب أن ننفذها بسرعة مطلقة وبقوة ودون أن نتأسف”.
وينصح “كرفيلد”، وهو من كبار المتخصصين في الإستراتيجية العسكرية، بضرورة استعمال سلاح المدفعية ضد الفلسطينيين وليس سلاح الجو، لماذا يا ترى؟ لأنه يريد النظر في عيون الفلسطينيين، إذ لا فائدة من هذه الحملة إن لم تبرهن إسرائيل بأعمالها أنها يمكن أن تعمل كل شيء، “علينا أن نضربهم بقسوة وبكل ما بوسعنا حتى لا نعود إلى ذلك، وحتى لا يهاجموننا من الخلف عند خروجنا، علينا أن نضرب بكل قوة وقسوة بحيث لا نحتاج إلى ضربة ثانية، من الأفضل جريمة واحدة وثقيلة نخرج بعدها ونغلق الأبواب من خلفنا!”
ومن الانتهاكات التي اتبعتها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين غير المرتبطين مباشرة بأعمال المقاومة:
أولا: العقوبات الجماعية، وتشمل:
– فرض حظر التجوال والحصار الكامل على السكان،
– تطبيق سياسة هدم المنازل وتفجيرها، بدعوى إيوائها لمقاومين مطلوبين لسلطات الاحتلال،
– إغلاق المؤسسات الوطنية والنقابات العمالية والمهنية والجمعيات الخيرية،
– أساليب التعذيب المتبعة في أقبية التحقيق، وذهب ضحيتها العديد من الأسرى ممن قضوا ضحايا لها،
– قطع الخطوط الهاتفية وعزل الفلسطينيين عن العالم الخارجي عدة مرات،
– إغلاق وتعطيل الجرائد اليومية والمجلات، وفرض الرقابة الشديدة على المواد الإعلامية،
– الاستيلاء على الأراضي ومصادر المياه، وتجريف البيارات وأشجار الزيتون، وفتح الطرق الواسعة للأغراض العسكرية والمستوطنات.
ثانيا: العقوبات الاقتصادية، وتشمل:
– إغلاق قطاع غزة لعدة أيام متواصلة، وإغلاق كافة المعابر،
– قطع التيار الكهربائي عن القطاع لمدة طويلة بعد ضرب محطات الكهرباء،
– وضع القيود على صادرات القطاع من الخضراوات والفواكه،
– تخفيض قيمة المبالغ المسموح الدخول بها إلى قطاع غزة،
– فرض الضرائب الباهظة على التجار والرسوم الجمركية،
– وضع العراقيل أمام حركة الشاحنات المحملة بالإنتاج الزراعي مما يؤدي إلى إتلافه.
وأما الوسائل المادية التي استخدمها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين غير المقاومين، فكان من بينها: الهراوات من أنواع مختلفة، العيارات النارية، المعدنية والبلاستيكية والمطاطية، قنابل الغاز، وغيرها، ورغم تلك الأشكال المتفاوتة في قسوتها وشدتها المستخدمة ضد الفلسطينيين، إلا أن استمرار الانتفاضة من دون أن يستطيع الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه، زاد من أسئلة الإسرائيليين وتساؤلاتهم، ومنها:
– هل هناك إمكانية لنجاح الجيش في تنفيذ المهمة التي وصفت بأنها خفض مستوى العنف إلى درجة معقولة؟
– هل لدى الجيش الإمكانيات للعمل بقوة أكبر ضد الانتفاضة، وما الذي يمنعه من القيام بذلك؟
– هل لدى الجيش الاستعداد لإعلان فشله في قمع الانتفاضة، كما درج على إعلان النجاح في تنفيذ المهمة؟
– هل يمكن للوضع أن يستمر فيما هو عليه الآن وقتا طويلا، وماذا ستكون النتائج النهائية؟
إن ذلك الاستعراض لمجمل الانتهاكات التي مارستها قوات الاحتلال، تنم عن حقيقة هامة، وهي أن النفسية الإرهابية لا يمكن أن تتغير بتغيير الأسماء، فتغيير أسماء (الهاغاناة والبالماخ والأرغون واشتيرن) إلى اسم جيش الدفاع “الإسرائيلي”، لا يعني مطلقا أن تركيبتها النفسية والخلقية وموقفها من العرب قد تغير، فأكثر رجالات هذه العصابات وقادتها هم ممن قاد دولة الكيان الصهيوني وجيشها، ويكفي أن نتذكر ما ارتكبه الكيان الصهيوني -وما زالت ارتكبه- ضد الفلسطينيين والمسلمين.