هل نحن قادمون على مزيد من التطرف والعنصرية ضد المسلمين في المجتمعات الغربية؟
سؤال تطرحه تطورات الأحداث في المجتمعات الغربية بعد تنامي خفوت الشعارات الرنانة التي تطلقها دائماً الدول الكبرى حول العدالة والتنمية وحقوق الإنسان ونبذ التطرف والعنصرية واحترام الأديان، وبروز مظاهر عكسية لتلك المبادئ والقيم التي تُعلَن في كل المحافل.
وقد مثَّل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية حالة واضحة من الرغبة الجامحة للتطرف والعنصرية وإعلان حالة العداء الواضحة لكل ما يرتبط بالمسلمين، والتي عكست رغبة الشارع الأمريكي في اختيار ترامب الذي أعلن بشكل واضح وفج أنه سيمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وسيوقف حركة الهجرة إليها وإجراءات عنصرية أخرى.
بل إن العنف والكراهية والعنصرية ضد المسلمين ارتفعت بدرجة كبيرة بمجرد إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية بفوز ترامب بالانتخابات، فقد سجلت مدينة نيويورك وحدَها نسبة 31% من ارتفاع جرائم الكراهية، ووقعت قرابة 328 جريمة كراهية ضد المسلمين بنسبة تزيد عن 100% بحسب إدارة الشرطة في نيويورك.
وفي ولاية كاليفورنيا تعرضت طالبتان مسلمتان محجبتان لاعتداءين إثر الإعلان عن فوز ترامب بالرئاسة، بحسب الشرطة فإن الدافع وراء الاعتداء هو العداء للإسلام.
وفي جامعة سان خوسيه في شمال كارولاينا حققت شرطة الحرم الجامعي في اعتداء نال طالبة مسلمة محجبة بعد فوز ترامب مباشرة.
ربما هذه نماذج بسيطة من عشرات ومئات الحالات المشابهة التي وقعت في عدة ولايات أمريكية بمجرد إعلان فوز ترامب، وهذا يعكس التحول الكبير في رغبة الشارع الأمريكي نحو الانتقام، وهذا الأمر لم يأت من فراغ؛ بل نتيجة تعبئة إعلامية ونشاطات دعاية للتحريض ضد المسلمين فضلاً عن أن البرنامج الانتخابي لعدد من المرشحين كان حافلاً بشحن المواطن الأمريكي للكراهية والتعصب والعنصرية ضد المسلمين وحركة الهجرة واللجوء.
ويبدو أن فوز ترامب غير المتوقع والمستبعد من قبل الخبراء والمحللين ودراسات الرأي العام، قد أعطى أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا دفعة قوية وبارقة أمل للصعود إلى الحكم وممارسة التطرف والعنصرية ضد المسلمين من أعلى هرم السلطة.
ويأتي هذا الأمر بالتزامن مع استعداد دول أوروبية عدة لخوض انتخابات رئاسية كفرنسا وألمانيا… ولكم أن تتخيلوا أن يكون زعماء العالم في السنوات القادمة هم ترامب أمريكا، ومارين لوبان فرنسا، وبوريس جونسون بريطانيا، وبيبي جريلو في إيطاليا. وقبل هذا فإن القوميين اليمينيين يسيطرون على الحكم في بولندا والمجر، ليس هذا فحسب بل إن النمساويين سيصوتون بعد أيام في انتخابات رئاسية قد يفوز فيها زعيم حزب الحرية نوربرت هوفر، ليصبح أول رئيس يميني في غرب أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.. حقاً إنها الكارثة!
بعد فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية كتب مؤسس حزب الجبهة الوطنية الفرنسي (يمين متطرف) جان ماري لوبان والد زعيمة التطرف في فرنسا مارين لوبان “اليوم الولايات المتحدة وغداً فرنسا”.
وفي الانتخابات التمهيدية الفرنسية نجح فرانسوا فيون في الانتخابات التمهيدية لليمين ويمين الوسط، وهو الشخص الذي ألف كتاباً بعنوان “هزيمة التوتاليتارية الإسلامية” والذي لاقى تأييداً واسعاً في صفوف ناخبي اليمين التقليدي، وقد كرر فيون خلال التجمعات الانتخابية قوله بأن “الإسلام المتطرف ينخر صفوف شريحة من مسلمي فرنسا”، معتبراً أن هذا الإسلام -تحديداً- يتناقض مع تاريخ فرنسا وقيمها، ومتعهداً بحلّ كل الجمعيات والمنظمات التي لها علاقة بالتيار السلفي، وأيضاً بجماعة الإخوان المسلمين، ويتساءل فيون: كيف يمكن أن تكون هذه الجماعة مدرجة في مصر على لائحة المنظمات الإرهابية، بينما تُستقبل بأذرُع مفتوحة في فرنسا؟
أما في إسبانيا، فقد عاد رئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريانو راخوي إلى السلطة الأسبوع الماضي على رأس حكومة أقلية، وفي هولندا أظهرت استطلاعات الرأي تَسَاوي نسبة التأييد بين حزب الحرية اليميني المتطرف والليبراليين بقيادة رئيس الوزراء مارك روته، وقد اضطر الأخير إلى تشكيل تحالف غير مألوف مع الأحزاب الأصغر مثل حزب الخضر، أما في ألمانيا فيبدو واضحاً أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني يحقق صعوداً سريعاً رغم أن أحزاب اليمين المتطرف لم تحظَ بالشعبية منذ الحرب العالمية الثانية بسبب تاريخ النازيين.
إذن تبدو الأمور تسير عكس ما كان متوقعاً، فاليمين المتطرف مبتهج جداً بفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية كونه فتح الأبواب لإقناع الناخبين في أوروبا لاختيار مسار الأحزاب اليمينية المفلسة أخلاقياً وسياسياً.
وبعد أن حصل ما لم يكن متوقعاً في أمريكا بفوز ترامب، يمكن أن يصبح ممكناً في فرنسا وألمانيا والنمسا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية؛ فهل يكون ترامب بوابة لصعود العنصرية والكراهية في أوروبا خلال السنوات القليلة القادمة؟