انتبه يا عبد الله؛ فإنك في بيت الله (9)   صيانة المسجد عن التجارة وإنشاد الضالة نور الدين درواش

صيانة المسجد عن المعاملات المالية:

المساجد بيوت الله، والواجب صيانتها عن التسويق والبيع والشراء والإيجار والتكسب ونحو ذلك من المعاملات المالية.

قال تعالى: ﴿ فِے بُيُوتٍ اَذِنَ اَ۬للَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اَ۪سْمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالَاصَالِ رِجَالٞ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اِ۬للَّهِ وَإِقَامِ اِ۬لصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ اِ۬لزَّكَوٰةِۖ يَخَافُونَ يَوْماٗ تَتَقَلَّبُ فِيهِ اِ۬لْقُلُوبُ وَالَابْصَٰرُ ﴾. [النور:36]

فقد دلت هذه الآية على أن عُمَّار بيوت الله لا تلهيهم التجارة والبيع وحظوظ الدنيا عن ذكر الله، الذي لأجله بنيت ولتحصيله رُفع شأنها وأعليت.

قال الزركشي: “ينبغي أَلا ينشد فيه ضالة، ولا يبيع ولا يشتري ولا يؤجر ولا يستاجر، هذا هو الصحيح المشهور..” ([1]).

عَنْ عَبْدِ الله بن عَمْرِو بْنِ العَاص رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ ‌الشِّرَاءِ ‌وَالْبَيْعِ ‌فِي ‌الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ، وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»([2]).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ ‌يَبْتَاعُ ‌فِي ‌المَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ» ([3]).

قال المناوي: “وإنما ‌بنيت ‌لذكر ‌الله تعالى والصلاة والعلم، والمذاكرة في الخير ونحو ذلك، ولما وضع الشيء في غير محله ناسب الدعاء عليه بعدم الربح والوجدان، معاقبة له بنقيض قصده وترهيبا وتنفيرا من مثل فعله”([4]).

وقال ولي الله الدهلوي: “وَأما الشِّرَاء وَالْبيع فلئلا يصير الْمَسْجِد سوقا يتعامل فِيهِ النَّاس، فتذهب حرمته وَيحصل التشويش على الْمُصَلِّين والمعتكفين”([5]).

وَقَدْ رَأَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: رَجُلًا يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَاهُ فَقَالَ: “هَذِهِ ‌سُوقُ ‌الْآخِرَةِ فَإِذَا أَرَدْتَ الْبَيْعَ فَاخْرُجْ إِلَى سُوقِ الدُّنْيَا”([6]).

النهي عن إنشاد الضالة بالمسجد:

عن أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا ‌يَنْشُدُ ‌ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا»([7]).

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ دَعَا ‌إِلَى ‌الْجَمَلِ ‌الْأَحْمَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لَمَّا بُنِيَتْ لَهُ»([8]).

قال ولي الله الدهلوي: “أما ‌نَشد ‌الضَّالة أَي رفع الصَّوْت بطلبها فَلِأَنَّهُ صخب ولغط يشوش على الْمُصَلِّين والمعتكفين، وَيسْتَحب أَن يُنكر عَلَيْهِ بِالدُّعَاءِ بِخِلَاف مَا يَطْلُبهُ إرغاما لَهُ، وَعلله النَّبِي ﷺ بِأَن الْمَسَاجِد لم تبن لهَذَا أَي إِنَّمَا بنيت للذّكر وَالصَّلَاة”([9]).

ومما يلحق بإنشاد الضالة تعريف الضالة فإن الحكم واحد لاتحاد العلة.

فالحاصل أن المسجد يصان على كل غرض دنيوي.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: «‌مَنْ ‌دَخَلَ ‌مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا، أَوْ لِيُعَلِّمَهُ، كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ دَخَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، كَانَ كَالنَّاظِرِ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ»([10]).

قال الشوكاني: “قولة: “ومن دخل لغير ذلك… إلخ” ظاهره أن كل ما ليس فيه تعليم ولا تعلم من أنواع الخير؛ لا يجوز فعله في المسجد، ولا بد من تقييده بما عدا الصلاة والذكر والاعتكاف ونحوها مما ورد فعله في المسجد، أو الإرشاد إلى فعله فيه. والحديث يدل على أن المسجد لم يوضع لكل طاعة بل لطاعات مخصوصة لتقييد الخير في الحديث بالتعليم والتعلم”([11]).

بعض الأخطاء التي لها صلة بما سبق:

  • التسول في المساجد بعد الصلوات، ما يُزري ببيوت الله ويجعلها قبلة للمتسولين، سواء المحترفين أو غيرهم.
  • ومن الأخطاء مجاهرة بعض التجار في أبواب المساجد بتسويق بضائعهم بطريقة يتقصدون بها إسماع من هم داخل المسجد، وهذا بالإضافة إلى ما فيه من التشويش ورفع الصوت –وقد سبق التنبيه عليه- فيه شبه بالبيع داخل المسجد وهو ذريعة إليه، مادام هؤلاء الباعة يستهدفون من بداخل المسجد كاستهدافهم من بخارجه.
  • الإعلان عن الأنشطة الربحية كحملات الحج والعمرة وغيرها، وبخاصة في مساجد الأقليات المسلمة في الغرب، وكذلك إعلانات المدارس الخاصة ومؤسسات التكوين الموسمي والدعم الدراسي.
  • بعض الجمعيات المشرفة على المساجد تعمد إلى بيع بعض السلع والبضائع، وتنظيم معارض ربحية داخل المسجد على أن يكون الربح للمسجد وهذا لا ينبغي لدخوله في عموم النهي عن البيع في المساجد.
  • ومن الأخطاء أن بعض الناس ربما التقى شخصا في المسجد، فسأله عن ثمن بضاعة –غير حاضرة في المسجد- فيخبره عن ثمنها.. وهذا ينافي ما لأجله بنيت المساجد.

———————————————-

([1]) إعلام الساجد بأحكام المساجد (ص:324).

([2]) رواه أحمد (6676) وأبو داود (1079)، والترمذي (322)، والنسائي (714)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6885).

([3]) رواه الترمذي (1321)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (573).

([4]) فيض القدير (1/356).

([5]) حجة الله البالغة (2/26)

([6]) الزهد للإمام أحمد (1846).

([7]) رواه مسلم (568).

([8]) رواه مسلم (569).

([9]) حجة الله البالغة (2/26).

([10]) رواه أحمد (8603)، و (10814)، وحسنه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (86).

([11]) نيل الأوطار (3/577).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *