1ــ المواطن المغربي أصبح يشتكي من غلاء الأسعار بينما الحكومة تبرر الوضع بالأزمة العالمية، ما تعليقكم؟
الأصل في المسألة جوابه لا يوجد في السياسة، بل يوجد في علم الاقتصاد السياسي، وهذا العلم نشأ مع نشأة الرأسمالية، أي مع نشأة السوق، الذي لم يعد حدث ثانوي كما كان في العصور السابقة بل أصبح حدثا رئيسيا، من خلاله تحدد القيم وتحدد الأسعار وبالتالي ينظم الحركة الاقتصادية. وفي هذه الحالة يجب أن نتعرف أولا على قوانين السوق، وأهمها على الإطلاق هو قانون العرض والطلب، بالتالي السعر ينخفض ويرتفع حسب ارتفاع الطلب على السلعة أو انخفاضه. بالطبع هذا لا يتصل فقط بالسلعة في السوق بل بعموم العملية الانتاجية، لأن هذه الحركة في السوق تؤثر في الاقتصاد وليس فقط في التجارة أي البيع والشراء.
إذن لفهم الموضوع، يجب الرجوع للعلم والمعرفة العلمية، والتي ليست لها علاقة بجغرافيا محددة، بل هي علاقة بجميع الجغرافيات في العالم الحديث وفي العالم المعاصر والعالم الراهن وهذا القانون مطرد لا يتخلف ولا يهمش، ولكن على مستوى زمني ممتد لا على مستوى لحظة، وفي هذه الحالة ما يحدد السعر هو قانون السوق ومن ثمة فالكلام عن الغلاء أو عن الرخص، هذا الكلام لا قيمة علمية له نهائيا لأنه يخرج عن منطق قانون العرض والطلب.
الملاحظة الثانية، سواء تدخل الحكومة أو عدمه، الآن أردنا أم رفضنا، لم يعد السوق ذو طبيعة اقليمية أو جهوية أو وطنية أو حتى قارية، الآن السوق دولية لذلك منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية بمراكش وبالتالي دخلنا فيما يسمى بالعولمة أصبحت الأسواق ذات طبيعة عالمية وبالتالي قانون العرض والطلب ذو طبيعة عالمية، هذا لا يعني أنه ليس هناك خصوصيات هنا أو هنالك، خاصة في الصين التي تتدخل في السوق لأن لديها اشتراكية السوق، أي تخطيط وتدخل الدولة. لكن في العالم القانون واحد في السوق المالي أو النقدي أو سوق السندات والأسهم أو سوق البضائع، تتحكم فيها مراكز، كنيويورك ولندن وباريس بالدرجة الأساسية، والآخرين يتأثرون بها.
لا يمكن أن تكون هناك أزمة في نيويورك أو باريس ولا تنعكس على توابعهما، نحن جزء من كل وما ينطبق عموما على الكل ينطبق على الجزء ولا يمكن أن نفسر الجزء به فقط بل يجب أن نربطه بالكل لنفهمه. ففعلا هنالك علاقة بما يسمى الغلاء في المغرب ووضع الأسعار خارج المغرب.
الملاحظة الثالثة، لا أحد يمكن أن ينكر أن هناك أزمة، أزمة شاملة ابتداء من كوفيد، أعيد انتاجها ما أن أراد العالم أن يخرج منها حتى جاءت الحرب الأطلسية الروسية، ما عرقل الخروج من الأزمة وبالتالي ما يسمى بسلاسل التوريد التي تحظى بأهمية أساسية في العملية الانتاجية، خاصة النقل، الذي تأثر وانعكس على الأسواق المحلية. ومن تم لا يمكن انكار الأزمة العالمية التي تتمظهر في عدة مستويات، وأبرزها التضخم، وهو الوجه الآخر للغلاء، لأن تعريف الغلاء هو انخفاض قيمة العملة، وتنخفض عن طريق التضخم، أي العملة باعتبارها سلعة في حد ذاتها تنخفض قيمتها وبالتالي ترتفع قيمة السلع والبضائع الأخرى، لأن النقد يصبح سلعة في السوق أيضا وليس فقط أداة للأداء وما يقع هو أنه نظرا للأزمة الدول تطبع المال بكثرة لحل مشاكلها الاجتماعية ولما يكون عرض المال أكثر من الطلب عليه، تنخفض قيمته، وبالتالي المال بالمقارنة مع السلع ينخفض وترتفع أثمان هذه السلع. اذن المسألة بنيوية غير خاصة بسلعة ما بل بكل السلع.
2ــ غلاء أسعار الخضر لا يعقل أن يكون في بلد فلاحي مثل المغرب فكيف ارتفعت الأسعار بهذه الطريقة؟
الإنتاج الفلاحي بالمغرب لم يعد يخضع في سلعه للسوق الوطنية رغم أنه كان مرتبطا بالسوق الأوروبية وبالخليج ولكن علاقتنا بهم مرتبطة بتعاقدات وبالتالي الفلاح والدولة المغربية يعرفون ما هو المطلوب تسويقه ولذلك كان هناك توازن بين ما يصدر من السلع الفلاحية إلى أوروبا والخليج وروسيا وبين ما يوزع في السوق الوطنية. الجديد من بعد مخطط المغرب الأخضر، الذي يظهر أنه لم يكن موجها للسوق الوطنية حتى ننتظر أن الأسعار ستنخفض نتيجة العرض الذي سيصبح وفيرا، لا، بل كان ضمن استراتيجية كبرى للمغرب مع حلفائه. وبالتالي الهجوم الدبلوماسي المغربي والديني والانفتاح على افريقيا، كان مرتبط به هجوم السلع المغربية نحو افريقيا، وبالتالي هذا الانفتاح بالنسبة للدولة، تعرفه، ولكن لا تعرف حدوده، ولكن الفلاحين كان مستعدين له، والفرق بين علاقة المنتج المغربي بالسوق الافريقية مختلفة عن علاقته بالسوق الأوروبية، لأنه بافريقيا السوق مفتوحة غير مقيدة باتفاقية مثل الحالة الأوروبية، وما نتج عن ذلك هو أن الفلاح المغربي والوسطاء المغاربة أصبحوا يتصرفون في سوق واسعة، اذن أينما كان الطلب يذهبون إليه ولهذا حسم المغرب ملف الكركرات، وانتصاره فيها كان مرتبطا بمواقف أمريكا وحلفاء المغرب، وأدى لحرية تجارية كبيرة جدا، انعكست على تجارة الفلاح المغربي الذي أصبح يرى أن منتوجه سيوصله لوجدة والدار البيضاء ودكار وباقي افريقيا بسهولة. وأينما كان الطلب كثيرا يصل إليه، وبالتالي توسعت السوق، وبذلك لم يعد مقياس الأسعار هو السوق الوطنية بل السوق الافريقية غير المقيدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مفكر مغربي وأستاذ جامعي متقاعد