الزلزال.. ابتلاء أم عقاب من الله؟ محمد زاوي

1-النصوص الواردة في الزلازل:

وردت في الزلازل نصوص إما من القرآن وإما من السنة، أغلبها في كون الزلازل من أشراط الساعة الصغرى، وهناك من أوّل أخرى أو فسّرها على عقابية الكوارث أو ابتلائيتها، إما بأمر مباشر من الله أو عن طريق الطبيعة التي إذا اختلت سنن الله فيها أخرجت للإنسان أسوأ ما فيها!

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج (وهو القتل) حتى يكثر فيكم المال فيفيض” (رواه البخاري). ذكرت الزلازل في هذا الحديث كشرط من أشراط الساعة الصغرى.

وهناك الزلزلة الكبرى التي أخبر بها الله تعالى، وهي التي يعرَف بها يوم القيامة بالإضافة إلى باقي الأمارات الكبرى، كشروق الشمس من مغربها وظهور الدابة وخروج ياجوج وماجوج والمسيح الدجال ونزول عيسى عليه وسلم… الخ.

وقال الله تعالى في هذه الزلزلة: “يا أيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم” (الحج:1)، وقال تعالى في آية أخرى: “إذا زلزلت الأرض زلزالها” (الزلزلة:1)؛ بل إن سورة “الزلزلة” من الأسماء التوقيفية التي سميت بها سور القرآن، والتي جاءت في موضوع هذه الظاهرة القيامية وما يترتب عنها في أحوال الناس ونفوسهم.

أما في معنى “عقابية الزلازل”، فقد اعتبرها بعض أهل العلم جندا من جنود الله في الطبيعة، وآية يخوف بها عباده عساهم يرجعوا إلى الجادة والصراط المستقيم. وفي ذلك يستشهدون بقول الله تعالى: “وما منعَنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأولون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا تخويفا” (الإسراء:59).

وهذه آية فسرها من نحا بها منحى “عقابية الزلازل” بقولٍ للصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد روى الإمام أحمد عن صفية أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: “زلزلت المدينة على عهد عمر فقال: يا أيها الناس ما هذا؟ ما أسرع ما أحدثتم -يعني من العصيان والمخالفة- لئن عادت لا تجدونني فيها”.

 2-قول سفر الحوالي

كان تأويل الشيخ سفر الحوالي أقرب إلى التوفيق بين علم الشريعة وعلم الطبيعة، فقال في مقال له بعنوان “التوازن في الكون” إن “الله تعالى قد ذكر أن الفساد الكوني سببه الذنوب وإنما تفسد البيئة بما كسبت أيدي الناس”.

وقد مثل على “الفساد الكوني” بأربعة أمثلة:

“-اتساع الخرق الذي في طبقة الأوزون.

-التلوث الذي تنتجه المصانع لاسيما الغربية وتزخر به بعض المدن الأخرى مثل نيومكسيكو، والقاهرة، ونيو دلهي وبكين.

-ارتفاع منسوب المياه الذي متى اكتمل غرقت جدة.

-كثرة الزلازل، وهذا ليس في نطاق الزلازل الجغرافية المعروفة فقط، بل في كل بقعة، وأصبح معتادًا في مكة واليمن”.

يصبح للذنوب بهذا المعنى معنى كونيا، حيث تفسد الطبيعة بفساد الإنسان، فيكون “العقاب” من جنس عمل الإنسان، أي من جنس “ما كسبت أيدي الناس”؛ وذلك لأن فساد الطبيعة نتيجة لفساد الإنسان.

وكأن د.الحوالي يتحدث عن اختلال في العلاقة بين الإنسان والطبيعة، بموجبه يتم تفعيل “العقاب”، وهذا نفسه من قانون العلاقة الذي أودعها الله بين الإنسان و”نواميس الكون”.

 3-رأي أحمد الريسوني

موقف أحمد الريسوني أقرب إلى اعتبار الزلازل ابتلاء من الله تعالى، يبتلي بها كل الناس، صالحين وطالحين، مصلحين ومفسدين.

في ذلك قال د. الريسوني: “المنايا والبلايا والمحن والفتن، تأتي وتمضي وفق نواميسها وحكم الله فيها… فتصيب الصالحين والطالحين، والمصلحين والمفسدين”.

كما اعتبرها الريسوني فرصة للاعتبار والخروج من حال الغفلة؛ فالذين تصيبهم -يقول الريسوني- “منهم من يستيقظ ويستفيد، ومنهم من يمضي في غفلته وفيه”.

وينفي الدكتور أن تكون الزلازل عقابا من الله، فيقول: “ولو كانت عقوبة على المعاصي، لكان أولى بها عواصم الظلم والبغي والفساد، مع أن المعاصي موجودة في كل مكان”.

ويستشهد على ذلك د. الريسوني بقول الله تعالى: “ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة” (فاطر:45)، وبقوله تعالى: “ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة”. (النحل:61).

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *