لم يكن مصطلح (القيم) شائعاً عند أسلافنا ولا مستخدَماً، وأول من ذكره الفلاسفة اليونان، ثم انتقل إلى المسلمين والغرب عن طريقهم.. لكن بين التعريف اللغوي ودلالة المصطلح في لغتنا العربية نسب وعلاقة، فالجذر اللغوي لكلمة القيم في قواميسنا العربية يدور حول “القومة” ومعناها النهضة، والقويم ومعناه المعتدل، واستقام اعتدل واستوى، والقوام ومعناه العدل، وفي التنـزيل (..وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان: 67]، والقيوم القائم الحافظ لكل شيء وهو اسم من أسماء الله الحسنى، وأمر قيم: مستقيم، وكتاب قيم: ذو قيمة، وقيمة الشيء قدره، وقيمة المتاع: ثمنه، والأمة القيمة: المستقيمة المعتدلة (المعجم الوسيط 2/768) وفي التنزيل (ذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5].
“فما تشير إليه الكلمة وتوحي به ظلالها في اللغة العربية، أن القيم جمع قيمة، وهي ما يكون به الشيء ذا ثمن أو فائدة، يقول المثل العربي: “قيمة كل امرئ ما يحسنه”، وتشير القيمة إلى الخصلة الحميدة والخلة الشريفة التي تحض الإنسان على الاتصاف بها.
تبعًا لهذا الأصل اللغوي فإن القيم هي تلك المبادئ الخلقية التي تمتدح وتستحسن وتذم مخالفتها وتستهجن، وباختصار فهي تلك السجايا الكامنة في النفس، وهي أيضًا المظهر الخارجي لتلك السجايا.
فلا يسمى قيمة إلا ما كان مستحسنًا على أن يحظى باستحسان عام ومستمر، فما يحبه شخص من طعام لا يمكن أن يُسمي قيمة، لكن هذا الاستحسان العام قد يكون قاصرًا على مجتمع معين أو يكون عامًا للبشرية كلها. (من بحث عن القيم المشتركة، للعلامة عبد الله بن بيه).
فالقيم هي: (حكم يصدره الإنسان على شيء ما مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشرع؛ محددا المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك) (حامد زهران؛ علم النفس الاجتماعي ص:132 نقلا عن رسالة دكتوراه القيم بين الإسلام والغرب دراسة تأصيلية مقارنة).
وقيل أن القيم هي: (صفات إنسانية إيجابية راقية مضبوطة بضوابط الشريعة الإسلامية تؤدي بالمتعلم إلى السلوكيات الإيجابية في المواقف المختلفة التي يتفاعل فيها مع دينه ومجتمعه وأسرته؛ في ضوء معيار ترتضيه الجماعة لتنشئة أبنائها وهو الدين والعرف وأهداف المجتمع، وتصبح هذه القيم تربوية كلما أدت إلى النمو السوي لسلوك المتعلم، وكلما اكتسب بفضل غرسها في ذاته مزيداً من القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وبين الخير والشر، وبين القبيح و الجميل… الخ).
والقيم عند المسلمين مستمدة من منهجهم الإسلامي الرباني وهي ثابتة لا تتغير، أما القيم عند الغرب فهي تابعة لأهوائهم وأهدافهم، ولا تتسم بالثبات، فما رآه المجتمع قيمة فهو كذلك! لذا يعيش المجتمع الغربي الآن أزمة مزدوجة في القيم (معرفةً وتطبيقاً).
وقد أكد العديد من الخبراء والباحثين أن العولمة وتداعياتها أحدثت العديد من المشاكل؛ وأثرت بشكل بارز وخطير في المحيط الاجتماعي عموما وفي محيط الشباب على وجه الخصوص؛ وهذا يحتم الاهتمام بالقيم والتأكيد على أهميتها والتي من أبرزها:
القيم على المستوى الفردي
1- أنها تهيئ للأفراد اختيارات معينه تحدد السلوك الصادر عنهم، فهي تلعب دوراً هاماً في تشكيل الشخصية الفردية وتحديد أهدافها في إطار معياري صحيح.
2- أنها تعطي الفرد إمكانية أداء ما هو مطلوب منه ليكون قادراً على التكيف والتوافق بصورة إيجابية.
3- تحقق للفرد الإحساس بالأمان فهو يستعين بها على مواجهة ضعف نفسه والتحديات التي تواجهه في حياته.
4- تعطي للفرد فرصة للتعبير عن نفسه وتأكيد ذاته.
5- تدفع الفرد لتحسين إدراكه ومعتقداته لتتضح الرؤيا أمامه وبالتالي تساعده على فهم العالم من حوله وتوسع إطاره المرجعي في فهم حياته وعلاقاته.
6- تعمل على إصلاح الفرد نفسياً وخلقياً وتوجهه نحو الإحسان والخير والواجب.
7- تعمل على ضبط الفرد لشهواته كي لا تتغلب على عقله ووجدانه.
القيم عل المستوى الاجتماعي
1- تحافظ على تماسك المجتمع، فتحدد له أهداف حياته ومثله العليا ومبادئه الثابتة.
2- تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه بتحديدها الاختيارات الصحيحة وذلك يسهل على الناس حياتهم ويحفظ للمجتمع استقراره وكيانه في إطار موحد.
3- تربط أجزاء ثقافة المجتمع ببعضها حتى تبدو متناسقة كما أنها تعمل على إعطاء النظم الاجتماعية أساساً عقلياً يصبح عقيدة في ذهن أعضاء المجتمع المنتمين إلى هذه الثقافة.
4- تقي المجتمع من الأنانية المفرطة والنزعات والشهوات الطائشة، فالقيم والمبادئ في أي جماعة هي الهدف الذي يسعى جميع أعضائها للوصول إليه.
5- تزود المجتمع بالصيغة التي يتعامل بها مع العالم وتحدد له أهداف ومبررات وجوده وبالتالي يسلك في ضوئها وتحدد للأفراد سلوكياتهم. (الشباب والقيم في عالم متغير؛ ماجد الزيود، ص:27-28).
وأكد الباحث محمود عطا على عامل آخر يبرز أهمية القيم وهو أن لكل مجتمع (نظامان يحمي بهما سياجه القومي: نظام عسكري يحميه من الغزو المسلح من الخارج، ونظام قيمي يحميه من الغزو الفكري، وقد وصف علماء الاجتماع الأمن القومي بأنه: قدرة الدولة على حماية قيمها الداخلية من التهديد، وقد زادت دواعي الاهتمام بالقيم إلحاحاً، ذلك أن المجتمع العربي والإسلامي يواجه أخطار تذويب ثقافي وحضاري وغزواً فكرياً بأشكال متعددة آخرها العولمة، فهي تهدف ضمن ما تهدف إليه محاولة تنميط أفكار البشر وسلوكاتهم وقيمهم الفردية والجماعية وفقاً للنمط الغربي).
وإزاء ذلك؛ أكد الدكتور يزيد السورطي؛ أستاذ أصول التربية الحاصل على جائزة جامعة فيلادلفيا لأحسن كتاب مؤلف في العلوم الإنسانية لعام 2011، أكد على ضرورة تبني سياسة تربوية إسلامية محددة وشاملة تبنى على أساس الإسلام ونظرته للإنسان والكون والحياة، وتتحرر من التبعية للتربية الغربية، ويشترك في إعدادها الأطراف المؤثرة والمتأثرة بها، وتركز على الدنيا والآخرة، والنظرية والتطبيق، والتعليم الديني والدنيوي، والعلم والعمل، وتعمل على تنمية الفرد والمجتمع، وتشجع الانفتاح على العلوم والخبرات، وتمتاز بالمرونة والشمول والتجديد والوضوح.